العدد 543 - الإثنين 01 مارس 2004م الموافق 09 محرم 1425هـ

بين الانتخابات الجزائرية والتونسية علامات وحواجز

صلاح الدين الجورشي comments [at] alwasatnews.com

.

الجزائر وتونس بلدان مغاربيان متجاوران يستعدان لتنظيم انتخابات رئاسية خلال السنة الجارية. ستكون ضربة البداية مع الجزائر، إذ حدد الموعد شهر مارس/ آذار. وبعد ستة أشهر أخرى يحل موعد الانتخابات التونسية التي ستنظم في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، وتتزامن مع الذكرى السابعة عشر لتسلم الرئيس بن علي السلطة.

ويشكل الحدثان أهمية خاصة، ليس فقط بالنسبة إلى الرئيسين المترشحين أو للحياة السياسية في البلدين، وإنما أيضا بالنسبة إلى كل المنطقة التي أصبحت عرضة خلال السنوات الأخيرة لضغوط خارجية متزايدة، وتنافس دولي بين واشنطن وباريس.

فبوتفليقة يعمل جاهدا، في أجواء عاصفة وصعبة، من أجل افتكاك دورة ثانية يختم بها حياته السياسية. في حين اجتمعت للرئيس بن علي كل الشروط العملياتية والدستورية والإقليمية لضمان البقاء في الحكم لدورة رابعة، على رغم اعتراضات المعارضة الاحتجاجية، لكن إذا كانت الرغبة في الاستمرار هي التي تجمع الرجلين، فإن كل واحد منهما يتحرك في تضاريس مختلفة، ويواجه أوضاعا داخلية متباينة إلى حد كبير.

خسرت الجزائر خلال عشرية التسعينات أكثر من مئة ألف قتيل، نتيجة الحرب الأهلية الدامية التي اندلعت بعد تدخل العسكر وإيقاف الانتخابات البرلمانية للحيلولة دون وصول الجبهة الاسلامية للإنقاذ إلى الحكم، لكنها في المقابل ربحت مناخا ديمقراطيا فرضته حيوية القوى السياسية وصعود مجتمع مدني مشاكس وعنيد.

استثمر عبدالعزيز بوتفليقة بشكل جيد التناقضات التي كانت تشق البلاد قبل الانتخابات الرئاسية الماضية، وكسب مساندة الجيش وجبهة التحرير الوطني والحركة النقابية. لم تكن السنوات الخمس الأخيرة مريحة له على جميع الأصعدة. لقد وجد طبقة سياسية غير مستعدة لتعطيه صكا على بياض، وحاربه جزء مهم منها منذ اللحظة الأولى، عندما اتفق منافسوه على الانسحاب وتركه وحيدا في السباق الانتخابي لسنة 1999.

وعلى رغم أن الرجل تمكن خلال الأشهر الأولى من حكمه من أن يفرض نفسه كرجل دولة، صاحب خبرة طويلة وثقافة سياسية واسعة، وقدرة خطابية مهمة في مجتمع يعاني من أزمة لغة، وجرأة عالية في إثارة مختلف الملفات الحارقة مثل تحييد العسكر ومحاربة مافيا الفساد وإصلاح القضاء والتعليم وتحرير الاقتصاد والصحافة. فإنه سرعان ما أخذت الفجوة تتسع بين الخطاب والممارسة، واتضح تدريجيا أن الواقع السياسي الداخلي كثير التعقيد، ولا يمكن تغييره بكثرة الكلام والوعود.

لقد بقي بوتفليقة طوال أيام حكمه موزعا بين رغبته في تحقيق قدر أدنى من الإصلاحات، وبين ثقافته السياسية التي تعتمد على مرجعية مرحلة الرئيس الراحل هواري بومدين. وهي مرجعية من الصعب أن تقبلها المعارضة الشديدة، أو أن تتحمل انفلات المبادرة من أيدي السلطة الفردية القوية. لهذا السبب وغيره وجد نفسه في خلاف حاد مع عدد واسع من الصحف المستقلة والمعارضة، التي لم يسبق أن شنت حملة ضد مسئول سياسي رفيع المستوى مثلما حصل مع الرئيس بوتفليقة. كما اصطدم أيضا مع منطقة القبايل التي أرهقته كثيرا، ودفعته إلى إحداث تنازلات ملموسة. كما أنه لم يتمكن من الحفاظ على علاقة متميزة مع القيادات العسكرية، التي وإن لم تصطدم به بشكل مباشر، إلا أنها عملت على إقامة مسافة بينها وبينه، في مقابل الحرب التي يشنها ضده منذ فترة الجنرال السابق القوي خالد نزار. وتضاعفت صعوباته مع انفجار الخلاف بينه وبين رئيس وزرائه السابق علي بن فليس، الذي نجح في الانفراد بغالبية أعضاء حزب جبهة التحرير، وقرر أن يكون أكثر المترشحين للرئاسة خطرا وقوة وتحديا وشراسة. مع ذلك كله، تمسك بأعصابه، واعتبر أن المعركة لم تنته بعد، وقرر الترشح مرة أخرى على رغم اختلاف الأوضاع عما كانت عليه عندما قرر العودة إلى الجزائر قادما من الإمارات. قسم حزب جبهة التحرير، وجمدها قانونيا، وكسب لصالحه الحركة النقابية وجزءا مهما من الحرس القديم، وكثف اتصالاته بالجماهير في مختلف ولايات البلاد، واقترب من الحركة الصوفية، وعمل على تحييد جزء مهم من جبهة الإنقاذ من خلال تسوية ملف زعيمها التاريخي (عباسي مدني).

وهو يراهن في كل ذلك على عدد من المكاسب لا يمكن أن ينكر معارضوه أنها تحققت على الأرض. أولها الانحسار الكبير للحال الإرهابية التي أصبحت محدودة الوجود والأثر. وثانيا عودة الجزائر بشكل قوي إلى الساحة الدولية بعد عزلة دامت فترة التسعينات. وثالثا النهوض الديمقراطي الملموس على رغم العوائق المستمرة. ورابعا النجاح النسبي في تأخير احتمالات حدوث انفجار اجتماعي واسع وعنيف بفضل ارتفاع عائدات النفط الجزائري.

في ضوء المعطيات السابقة، يمكن القول إن الجزائر تتجه في ظروف صعبة نحو انتقال ديمقراطي فعلي، على رغم الصعوبات والثغرات الكثيرة، إذ للمرة الأولى في تاريخ الكثير من الأنظمة العربية تجري انتخابات رئاسية ولا يعرف إن كان الرئيس المشرف عليها سينجح أم سيسقط.

تونس... النتائج مضمونة سلفا

على النقيض من الحال الجزائرية يأتي المشهد التونسي سلطة قوية في مقابل مجتمع مدني ضعيف، وشعب غير مشاكس.لا توجد في تونس حتى الآن تناقضات ذات قيمة تشق جهاز الحكم أو تخترق الحزب الحاكم.لا يوجد داخل السلطة من يفكر مجرد التفكير في أن يخرج عن الطاعة وينافس الرئيس بن علي. لا يوجد رجل ثان أو تنافس على الخلافة كما كان الأمر في عهد الرئيس بورقيبة. كما لا يوجد أي صراع مفتوح بين الحركة النقابية الضعيفة والمنهكة وبين أجهزة الحكم.لا يوجد في تونس توزيع للأدوار والصلاحيات داخل النظام، إذ تتجمع كل الصلاحيات في مرجعية واحدة. لا توجد في تونس مشكلة تسمى تدخل الجيش في السياسة. إنه تقليد راسخ منذ عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، وهو اختيار استراتيجي جنب البلاد التونسية ما حدث في بلدان عربية وإفريقية عدة.

هذا على صعيد الحكم، أما على صعيد المعارضة فتونس تعاني من ضعف بنيوي لأحزابها السياسية التي لاتزال غير قادرة على التوسع والتحالف وتهديد موازين القوى. النخبة التونسية نخبة رخوة، تفضل الوفاق على الصراع، كثيرة التردد، يغلب عليها النزوع الفرداني وتضيق كثيرا بالديمقراطية المؤسستية، شديدة الانتقاد لكنها قليلة العمل.

كما لا توجد صحافة غير مقيدة، وتواجه الجمعيات المستقلة صعوبات عدة، ويمر طلاب الجامعات بحال استرخاء غير مسبوقة، في الوقت الذي تتصارع بقايا التيارات السياسية على هيكل نقابي أصبح بلا روح ولا طعم ولا تأثير.

في ظل هذا المشهد لا يشعر نظام الحكم بوجود خطر تنافسي يمكن أن يخلق المفاجأة، أو يدفع إلى إعادة النظر في الحسابات والسياسات. لا يعني ذلك أن تونس أصبحت خالية من حركة احتجاجية مرشحة للتنامي والتصاعد. هناك أكثر من صوت جريء في نقده وشجاعة أصحابه، لكنها تفتقر للتنسيق والتخلي وتحديد الأولويات. أصوات ستكون مسموعة خلال الأشهر المقبلة، لكنها لا تستطيع في هذا الظرف أن تغير من نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة.

هكذا تبدو الظروف متباينة بين الانتخابات الرئاسية الجزائرية والتونسية. لكن على رغم هذا الاختلاف فإن بعض المراقبين لا يستبعدون أن تكون لها تأثيرات متبادلة. فالتجربة التونسية تستهوي القيادة الجزائرية، التي ترى فيها «نموذجا» للحكم المستقر. في حين تتابع المعارضة التونسية ما يجري في الجزائر بشغف شديد وانتظار لنسمات قد تنعش الأجواء المحلية

العدد 543 - الإثنين 01 مارس 2004م الموافق 09 محرم 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً