يشكّل اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية نحو 30 في المئة من الاقتصاد العالمي، حيث يبلغ إجمالي الناتج المحلي الأميركي 15 تريليون، بينما يبلغ إجمالي الناتج العالمي 60 تريليون. وكقوة عظمى عالمية تستمد أميركا عظمتها من عنصرين رئيسيين هما، أولاً قوتها العسكرية وما تملكه من ترسانة عسكرية هائلة، وحجم وقوة اقتصادها العملاق الذي يعتبر أكبر وأقوى اقتصاد في العالم، وثانياً ضعف البلدان الأخرى اقتصادياً وعسكرياً.
ففي العالم دول كثيرة ضعيفة عسكرياً وتحتاج إلى الحماية أو السلاح الأميركي، أو أنها فقيرة اقتصادياً، وهي بذلك في أمسّ الحاجة إلى المساعدات الأميركية. هذا الضعف تستغله الدول الكبرى لبسط نفوذها وهيمنتها، وكلما اتسعت الفجوة بين قوة وعظمة أميركا وبين فقر وضعف الدول الأخرى، كلما زاد النفوذ الأميركي وهيمنته على العالم عسكرياً واقتصادياً.
كثيرٌ من المتتبعين يعتقدون أن هذه الهيمنة في تراجع منذ سنوات مضت، وأن أميركا أصبحت تواجه تحديات جوهرية تهدّد مكانتها كدولة عظمى، فهم يرون أن هذا البلد لم يعد قوة اقتصادية عالمية تستطيع أن تفرض نفوذها الاقتصادي على العالم كما كانت سابقاً، بل أن اقتصادها مهدد بالانهيار التام. ويرى هؤلاء أن السبب الرئيسي في ذلك هو ارتفاع الدين العام الأميركي الذي وصل إلى مستويات خطيرة، تهدّد استقرار هذا البلد وقدرته على الحفاظ على هيمنته على دول العالم. ما مدى صحة هذا الرأي؟ وهل يعقل أن تستمر الإدارة الأميركية في الاقتراض لتغطية العجز المالي، وهي تعرف أن ذلك سيؤدي إلى انهيارها؟
الدين العام الأميركي هو عبارة عن إجمالي الأموال التي تدين بها الحكومة الفدرالية الأميركية إلى حملة صكوك الدين الأميركي، وهو يتكون من إجمالي سندات الضمان المملوكة لأطراف خارج وداخل أميركا.
ارتفاع الدين العام في أميركا ليس وليد الساعة، وهو في الواقع سمة من سمات الاقتصاد الأميركي، حيث ومنذ تأسيس هذا البلد وهو في ارتفاع مستمر، والمرة الوحيدة في تاريخ هذا البلد والتي تم سداد الدين العام بالكامل كان في العام 1835، وذلك بعد أن قرّر الرئيس الأميركي آنذاك أندرو جاكسون، إغلاق البنك المركزي الذي كان قبل وجود البنك الفدرالي الحالي. والاحصائيات التاريخية تبيّن أن أول ارتفاع شهده الدين العام كان في العام 1812 عقب الحرب الأهلية، ووصل حجمه إلى 66 مليون دولار العام 1860، ومن ثم إلى 1 بليون العام 1863 وإلى 25.5 بليون خلال الحرب العالمية الأولى، وإلى 260 بليون العام 1950 (نحو 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي)، وإلى نحو 909 بلايين العام 1980 (41 في المئة من الناتج المحلي)، ومن ثم قفز إلى 3.4 تريليونات العام 2000، وإلى 10.7 تريليونات نهاية ولاية الرئيس جورج دبليو بوش العام 2008 (62 في المئة من الناتج المحلي). وواصل ارتفاعه في عهد باراك أوباما حيث بلغ 19 تريليون دولار، وبنسبة 105 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي. وفي كل ارتفاع كبير تضطر الادارة الأميركية أن ترفع سقف الدين العام.
ويتوقع الكونغرس الأميركي أن يستمر الدين العام في الارتفاع ليصل إلى 22.6 تريليون العام 2020، وإلى 29.3 تريليون دولار العام 2016. وقد وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتسديد الدين العام (19 تريليون) خلال 8 سنوات، ما يعني أنه يجب أن يدفع 2.375 تريليون سنوياً، وهذا يمثل نصف الموازنة العامة، حيث أن حجم الانفاق الكلي الأميركي يبلغ نحو 4 تريليونات.
هذا الارتفاع المزمن والهائل في الدين العام لم يؤثر لا على الهيمنة الأميركية على العالم، ولا على حجم وقوة الاقتصاد الأميركي، ولم يمنع إنفاقها الهائل على الدفاع والتسليح والذي وصل إلى 577.1 مليار دولار، ولم يمنع تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية في الاقتصاد الأميركي، كما لم يمنع ذلك تدخلها العسكري في مناطق مختلفة من العالم، بل في كثير من الأحيان كان النفوذ الأميركي على دول العالم يزداد مع ارتفاع حجم المديونية واتساع مشاكله الاقتصادية.
يبدو أن التحدي الفعلي للاقتصاد الأميركي هو ليس فقط ارتفاع الدين العام؛ وإنما أيضاً مشاكل هيكلية، منها انخفاض الانتاجية، وعجز الاقتصاد عن خلق فرص عمل لملايين الأميركيين، وهذا ما عبّر عنه الرئيس ترامب الذي وعد بحل مشكلة البطالة من خلال تحفيز وتشجيع الصناعات الأميركية على الانتاج وخاصة العسكرية منها. هل سيكون ذلك على حساب الدين العام؟ أم أن حلفاء أميركا سيتحملون العبء الأكبر؟
الفيلم الوثائقي «الموت بأيدي صينية» والذي يدور بشأن حتمية انهيار الاقتصاد الأميركي، يبيّن أن أكثر من 50 ألف مصنع في هذا البلد قد توقف عن العمل، وأن هناك 25 مليون أميركي عاطل عن العمل، وهذا يعني أن المشكلة هيكلية وليس مالية. هناك حكمة معبرة لرجل الأعمال الأميركي هنري فورد يقول فيها «من حسن الحظ أن الشعب (الأميركي) لا يفهم نظامنا المصرفي والمالي، لأنه لو فهم، فستقوم ثورة قبل صباح الغد».
إقرأ أيضا لـ "جعفر الصائغ"العدد 5384 - السبت 03 يونيو 2017م الموافق 08 رمضان 1438هـ
بكل بساطه, لن ينهار الاقتصاد الامريكي ولن تفقد امريكا زعامتها وسيطرتها على العالم لان عملتها مفروضه على العالم للتبادل التجاري وعملتها الحقيقيه لاتساوي قيمتها المباعه لانها ليس مؤمنه بالذهب وهي الدوله الوحيده التي تطبع عملتها دون مقابل اوقيمه حقيقيه ولهذا تشتري مواد الخام باموال هي ليس لها ومن هذا المنطلق نرى امريكا تفرض التجاره الحره على الدول وهي ترفض فتح اسواقها لانها لاتستطيع المنافسه وهاهي تتحرش بالصين ودول اروبا بعد ان عجزت عن المنافسه العادله وسيبقى الوضع هكذا الي ان ينفك اسر العالم