يقال بأن علم الرياضيات هو أبو العلوم. وكان عالِم الفيزياء البريطاني (والنيوزلندي المولد) إرنست رذرفورد يقول: العلوم إما فيزياء وإما جمع طوابع! لذلك، كانت أكثر الأشياء نفعاً للبشرية هي تلك التي قدمها علماء الرياضيات والفيزياء أمثال إسحق نيوتن وماري كوري وفيرنر هايزنبرغ وألبرت أينشتاين. إذ إن اختراعات وصناعات كثيرة اشتُهِرَت بأسماء أخرى لكن يُغَفَل دور أصحاب الرياضيات والفيزياء الذين تمّت الاستعانة بهم في صياغة معادلات الاختراع الدقيقة ومكوّناتها.

كل شيء في حياتنا أرقام. أعمارنا، وأوقاتنا، ومناسباتنا وحسابات إنفاقنا، وقياس أمراضنا وعافيتنا. فحين نذهب للطبيب يُقال لنا بأن نسبة ارتفاع ضغط الدَّم لدينا هو بهذا المقدار. وحين نُعطَى مضاداً حيوياً لعلاج التهاب ما يُقال لنا بأن نتناوله لسبعة أيام مثلاً. بل حتى الأشياء المجرَّدة نحتاج فيها إلى الأرقام كي نجعل الصورة واضحة أكثر، فيسألك أحدهم: ما هي نسبة شعورك تجاه ذلك الشيء. إذاً، تعمل الأرقام عملها في حياة الناس منذ اليوم الأول لولادتهم.

هذا الأمر يجعلنا ندرك أن فهمنا وتعاطينا لكثير من الأشياء والقضايا والمشاكل يجب أن تكون مُرقمة. وما دام الحال كذلك، فماذا لو أقمنا حساباً لعالَمنا الذي نعيشه. فإذا كنا 7 مليارات إنسان، ومساحة أرضنا هي 149 مليون كم، فهذا يعني أن بإمكان 47 شخصاً أن يعيشوا في كيلومتر واحد. وإذا ما استثنينا المناطق الجليدية، فإن الرقم لن يتغيّر كثيراً ما دامت المساحة ستبلغ 135 مليون كم. وكذلك الحال بالنسبة للمناطق الصحراوية القاحلة التي لا تصلح للعيش مطلقاً.

فالرقم 47/ كم لا يساوي شيئاً إذا ما علمنا أن هناك مليون و 700 ألف فلسطيني يسكنون غزة التي لا تزيد مساحتها عن الـ 360 كم! هذا على المستوى الديمغرافي. أما على مستوى قضية الغذاء في العالم وما هو مستقبل إنتاجه أمام موجات الفقر فإن الموضوع لا يختلف كثيراً. فالانتاج العالمي من الغذاء كبير جداً وهو يواصل تفوقه على نسب النمو السكاني، إذ سيبقى الغذاء متوفراً في العالم حتى ولو زادت أعداد البشر بالمليارات حسب تقديرات المنظمات الأممية المعروفة.

لفتني مقال كتبه الصحافي الكندي دوغلاس ريتشارد ألان والذي يُعرَف بـ دوج سوندرز بشأن هذا الموضوع. هو يقول أن جبالاً من الأغذية مازالت تتكدَّس في بلدان كثيرة ومن بينها بلده كندا جعل من أسعار الأغذية لأن تهبط بنسبة 2.8 في المئة حين قلّ سعر الزيت النباتي 6.2 في المئة والحليب 2.3 في المئة! بل مازال الكثير من المزارعين والصناعيين عاجزين عن توفير مناطق تخزين لمنتجاتهم بسبب كثرتها وعدم القدرة على استيعاب تسويقها المربح!

ويعرض سوندرز أرقاماً عجيبة لكميات الغذاء الموجودة لدى الإنسان. فالعالم يملك اليوم «كميات من الأرز والقمح في المخازن تكثر بنحو الثلث عن تلك الكمية التي يُتوَقع أن يستهلكها العالم ويبيعها أو يُحولها إلى وقود خلال هذا العام. كما تجاوز مجموع ما فاض عالمياً من الذرة الشامية والأرز وفول الصويا 670 مليون طن، وهي كميات تكفي لإطعام كل سكان الصين طيلة عام كامل»!

هذه الأرقام مثيرة فعلاً أمام ما نقرؤه من وجود مئات الملايين من الجوعى في الأرض. فإذا كان فائض العالم من الذرة الشامية والأرز وفول الصويا قادرٌ على إطعام مليار إنسان في الصين فهذا يعني أنه لو شُحِنَ للمناطق الفقيرة في العالم لما ظل مليون إنسان في إفريقيا يتضوّرون جوعاً ولا عشرين مليوناً فشلت مواسم حصادهم، وكذلك الحال في آسيا والأميركيتين والجزر المتناثرة في المحيطات.

هذا يعني أن هناك حصاراً غير معلن تفرضه بعض الدول الغنية والشركات والتجار ضد الفقراء! ماذا يعني أن تبقى الأغذية في المخازن حتى تتلف في حين يوجد 7 ملايين نيجيري في الشرق والشمال يواجهون خطر المجاعة؟ ماذا يعني أن تبقى كل تلك الأغذية رهينة لدى الشركات خوفاً من هبوط الأسعار في الوقت الذي يعتمد فيه 20 مليوناً من فقراء العالم الريفيين على إنتاج البن المُهدَّد؟!

بالتأكيد نحن لا نعني فقط بالأغذية تلك المحاصيل الزراعية التي تنتجها اليابسة فقط، بل حتى الإنتاج السمكي العالمي الذي زاد قبل ثلاثة أعوام على 93 مليون طن. فهو أيضاً صورة من صور ما يجري من احتكار وتلاعب في التكديس!

هناك أشياء قد لا نراها بالطريقة التي تُقنعنا إلاّ إذا تلمّسناها بالأرقام. دعونا نستحضر ما ذكرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة. هي تشير إلى أنه وفي العام 2015م بلغ حجم الإنتاج العالمي من نوعٍ واحدٍ فقط من السمك المستزرع والبري قرابة الـ 6 ملايين و 400 طن بقيمة تصل إلى نحو 9 مليارات و 800 مليون دولار وبقيمة تجارية عالمية تصل إلى مليار و 800 مليون دولار.

هذا يعني أن البحار قادرة هي الأخرى على تزويد البشر على اليابسة ما يزيد عن حاجتهم من الغذاء بأضعاف عدة. كل هذا الخير يجعل المرء يتساءل: لماذ يُفضِّل الإنسان أن تبقى بضاعته مُكدّسة حتى تهلك لكنه لا يستطيع أن يجدها في أفواه ذابلة وألسن يابسة وبطون خاوية؟ إنه الجشع لا غير!