الرئيس ترامب الذي لم يكمل شهوره الأربعة الأولى هو عملياً أضعف رئيس أميركي على مستوى الإنجاز والشعبية، وأكثرهم تورطاً في تحقيقات قد تطيح به وبمعاونيه... ترامب هو الرئيس الذي يريد بناء أطول جدار مع المكسيك ويسعى لجعل إسرائيل في قلب الواقع العربي دون أدنى تعامل مع الحقوق التاريخية للشعب العربي الفلسطيني.
لقد ووجه ترامب بمقاومة أميركية جديدة وذلك عندما رفضت محكمة أميركية، في أول حكم فيدرالي، قراره بإيقاف دخول المسلمين من عدة دول عربية وغير عربية بصفته قراراً يناقض الدستور، وبل ووفق المحكمة التي صوّت 10 قضاة منها ضد قرار ترامب مقابل 3 قضاة، فالقرار بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة ينم عن عنصرية مسبقة... قرار المحكمة لم يترك أمام الرئيس سوى الذهاب للمحكمة الدستورية العليا، وذلك لإقرار منع ما يقارب 200 مليون مسلم وعربي من دخول الولايات المتحدة... وعلى الأغلب لن ينجح في قراره، فالواضح أن قوى كثيرة تشتبك مع الرئيس وسياساته وأسلوبه في التعامل مع الأصدقاء والأعداء والحلفاء والناتو.
سيبقى الرئيس ترامب في مرمى النيران والارتباك، فهو في حرب مع الإعلام، وفي حرب مع مؤسسات الدولة الأميركية ومع قطاعات كبرى من المجتمع المدني الأميركي... هذه المواجهة الداخلية بين ترامب وفريقه وبين فئات كبرى تدخل كل يوم في مرحلة جديدة تحملها نحو أبعاد لم يكن يتوقع أحد بأنها ستصل إليها... هناك بالفعل واقع جديد تفرزه الأوضاع الأميركية.
والجديد في سياسة الولايات المتحدة، كما تصدر من البيت الأبيض أنها لن تتعامل مع حقوق الإنسان إلا في الدول والمجتمعات التي تناصبها العداء، هذا أسلوب خطته الولايات المتحدة في زمن الحرب الباردة وشابه الكثير من النقد بسبب تحالفها مع ديكتاتوريات في دول في آسيا وأميركا اللاتينية وغيرها... ترامب لا يتحدث عن إصلاح أو حقوق إنسان إلا إذا كان الأمر يتعلق بمن صنفهم في خانة الإرهاب.
إن الأجواء التي يثيرها الرئيس ترامب ستنتهي بنا إلى العكس تماماً من إعلاناته، فهي ستزيد من الاحتقان في العالم، ولكنها في الإطار العربي ستسهم في توتر الحالة المذهبية، بالإضافة للتوتر بشأن غزة بما في ذلك آفاق قتال جديد وضربات إسرائيلية دون تحقيق انتصار ضد حماس، وسيزداد التوتر في جنوب لبنان بما في ذلك آفاق محاولات إسرائيلية باتجاه الجنوب تدميراً دون أن يعني هذا المقدرة على التقدم والاحتلال... وفوق كل هذا سيزداد الإرهاب اشتعالاً، نظراً لعدم المقدرة على التعامل مع مسبباته الحقيقية المرتبطة بالبطالة والحقوق والعدالة. بوجود ترامب في قيادة الولايات المتحدة سيزداد المشهد عبثية، وهو لن يضعف الدور الروسي في الإقليم وإن كان سينجح نسبياً في بعض التعديل.
لكن المعضلة الأكبر ليست في السياسة الخارجية فقط، بل في الإدارة الراهنة، فكلما طال أمد وجود ترامب في الحكم سيكون التغير الأميركي القادم أكبر وأعمق، ففي انتخابات 2018 للكونغرس سنرى حجم التغير المضاد لسياسات ترامب، لكن في انتخابات 2020 سيقع زلزال كبير في الساحة الأميركية، وهذا بدوره سينعكس على العالم، حينها ستفتح ملفات كثيرة تتعلق بالحقوق والإصلاح والحروب، بوادر هذا واضحة الآن في الساحة الأميركية وفي كبرى الصحف والمؤسسات... التغير القادم في الولايات المتحدة سيكون أكثر ديمقراطية وحقوقية ونقدية تجاه إسرائيل وعنصريتها وأكثر التزاماً بحقوق الإنسان تجاه العالم... إن الولايات المتحدة التي يمثلها ترامب ليست كل الولايات المتحدة، بل يمثل ترامب الرئيس الآن فريقاً صغيراً سيزداد تراجعاً مع الوقت... ترامب ليس زعيماً من العالم الثالث يحكم بلا مساءلة وخارج فضاء الشعب والمؤسسات، إنه بالكاد يمسك بخيوط البيت الأبيض نفسه.
إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"العدد 5383 - الجمعة 02 يونيو 2017م الموافق 07 رمضان 1438هـ