صحيح أن العرب ينحدرون من قبائل لها جذور موغلة في القدم، ولهذا نجد أنهم مازالوا يحملون العادات والتقاليد نفسها على رغم مجيء الإسلام بأخلاقيات المحبة والسلام غير أن ذلك لم يهذب كثيرا من السلوك وبقي الحنين التقليدي في حب المعارك والقتال لأسباب ربما تكون في كثير من الأحيان لا تستحق تلك المعارك.
ولأن المثقف العربي ينحدر من تلك الفخوذ والبطون المنتمية للقبائل المتصارعة في الجزيرة العربية، لذلك فإن هذا التأثير امتد حتى اليوم على رغم التطور الفكري والعلمي وعلى رغم أننا في عصر التكنولوجيا والانترنت والفاكس والفضائيات إلا أن هذا العربي لا يمكنه أن يطور نفسه ويمزق الشرنقة الضيقة التي اعتاد التقوقع فيها. وما يجري في وزارة الإعلام من صراع نتيجة رغبة بعض المهيمنين على دوائرها تأكيد لهذه النظرية فشيخ القبيلة يصعب عليه الاستسلام لمنطق التطور فهو يرى أن على الذين لا يرغب فيهم التخلص منهم حتى لو اضطر إلى أن يفعل ذلك بشكل جماعي.
جلس بقربي في الملتقى الثقافي الأهلي مصادفة أحد الموظفين بعد عودته من تقديم رسالة الماجستير على أساس تعيينه رئيسا فور انتهائه من الرسالة، لكن ما إن توجه شطر البلد الاخر لاستكمال دراسته حتى تم تعيين شخص آخر في مكانه ولما عاد وطالب بتنفيذ الاتفاق قيل له ما قاله النبي يوسف وهو في سجنه بعد ان استمع إلى رؤيا الشخصين اللذين كانا معه في السجن «قضي الأمر الذي فيه تستفتيان» (يوسف: 41) ولوضع نهاية لاحتجاجه أغروه بحافز مادي لاسكاته غير أنه رفض ذلك لشعوره بالظلم الواقع عليه. وأضاف ها أنا منذ شهور أدور في ردهات الدوائر من دون ان يسند إلى وظيفة أو مكان ثابت استقر فيه لوضع حد للقلق الذي اعيشه. لفتت انتباهي مثل تلك الشكوى التي تقدم بها عدد من خيرة فنانينا الموسيقيين ممن تم تهميشهم ونقلهم عن دائرتهم إلى مواقع أخرى لا تتناسب مع طاقاتهم ودورهم الفعال بوصفهم واجهة موسيقية وغنائية لهذا الوطن بعد ان أثبتوا أن لديهم فرقة متجانسة ومتناغمة قادرة على تشريف هذا البلد أمام ضيوف البحرين عدى حصولهم على تقرير واعتزاز المواطنين.
تذكرت وأنا استمع ما يقوله الآثاري الذي استكمل دراسته وعاد ليجد أن كرسيه طار مثل تلك الفصول التي لعبت في جهاز التنمية. وحكاية عبدالعزيز علي ميرزا الذي أغروه باستكمال دراسته ليعود وقد طار كرسيه ما اضطره ان يهاجر إلى استراليا لتحتضنه تلك الدولة البعيدة لما يملك من طاقات عملية هائلة وتخسره بلده: البحرين
العدد 538 - الأربعاء 25 فبراير 2004م الموافق 04 محرم 1425هـ