يُحصِي الأميركيون نفوسهم كل 4 سنوات تقريباً. آخر إحصاء جرى قبل ثلاثة أعوام أشار إلى أنهم زادوا عن العام 2010م بـ 11 مليون و350 ألف إنسان. هذا يعني أن تعدادهم الكلي بلغ 320 مليون نسمة. لكن مساحة هذا البلد ذات الـ 9 ملايين و800 ألف كيلومتر تسمح بذلك وأكثر.
هذا البلد الكبير يملك أهم أربعة أشياء: القوة والثروة والجغرافيا والعلم. في القوة هو لا يملك فقط التفوق على جيوش 193 دولة؛ بل بامتلاكه نظاماً سياسياً متماسكاً ووفرة في المعلومات الاستخباراتية تبدأ من كندا حتى أستراليا ومن أقصى جنوب غرب أميركا اللاتينية وحتى أقصى شمال شرق آسيا يغطيها العملاء السريون على الأرض ومن الفضاء أقمار اصطناعية متطورة.
وعندما نقول ثروات فإننا نتحدث عن ثروات طبيعية هائلة من النفط واليورانيوم والفحم والحديد، وفي الزراعية هناك قمح وذرة وصويا وشعير وقطن وكميات هائلة من النباتات والزهور، وثروة حيوانية تتكوّن من أبقار وماعز وخلافها، مع أصول متراكمة ضخمة تزيد عن الـ 40 تريليون دولار، ما جعل الولايات المتحدة الأميركية أغنى بلد في العالم من شرقه إلى غربه من دون منازع.
وعندما نقول جغرافيا، فإننا نتحدث عن موقع لم يكتشفه العالم إلاّ قبل خمسة قرون يفصله عن العالم القديم بحر لُجِّيّ هو المحيط الأطلسي كان بمثابة الصد الطبيعي ضد أطماع الخارج واعتداءاته وأثبت جدواه خلال الحربين الكونيتين الأولى والثانية. يُضاف إلى ذلك مساحة من الجيران تزيد مساحتهم عن الـ 14 مليون و900 ألف كم باتوا كحدائق خلفية لتلك القوة الجبارة.
وعندما نقول علم فإننا نتحدث حتماً عن بَوْن شاسع يجعل الولايات المتحدة متقدمة عن أوروبا بأزيد من 60 سنة. أما عن العالم العربي أو الإسلامي فالله أعلم كم تبلغ تلك السنين. لقد أنفق الأميركيون 16 تريليون دولار على التصنيع والاختبارات البحثية طيلة 60 سنة. وعلى مدى كل تلك السنين كانت واشنطن تستثمر سنتاً واحداً في كل دولار من الموازنة لإنفاقها في الأبحاث في الجامعات والمعامل البحثية وفق ما قاله إيريك لاندر وإيريك شميدت قبل أيام في واشنطن بوست.
هذه الدولة التي نكره سياساتها هي خطيرة بالمقدار ذاته الذي جعلها مهمّة. خطورتها ليس على الآخرين فهذا أمر معروف، لكنها خطرة على ذاتها. فبلد بهذا الحجم والقوة لا يحتمل أن يدخل في صراع داخلي يجعل كل تلك القوة والبيروقراطية والسياسة التي تسالم عليها المجتمع والشركات الكبرى في ميزان مهزوز. فهو أمر كأنه يدفع صخرة من فوق جبل شاهق كي تسقط وسط الماء.
هذا بالتحديد ما يتم الحديث عنه اليوم في الولايات المتحدة الأميركية مع مجيء دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لتأتي إدارة غير متجانسة ومتقافزة في تعييناتها يقودها رئيس يُخطئ أكثر مما يجب. عندما هممت بكتابة هذا المقال، كانت أمامي مجموعة ليست بالقليلة من الأخبار التي تتحدث عن تلك المخاوف أو تغذيها. كنت أقرأ أن لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي أصدرت بياناً تقول فيه إن مدير مكتب التحقيقات الاتحادي السابق جيمس كومي، الذي أقاله ترامب وهو يجري تحقيقاً بشأن الأخير سيُدلي بشهادته أمام اللجنة في جلسة استماع علنية.
خبر آخر من صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية يقول نقلاً عن مصادر عليمة إن مستشاراً كبيراً في البيت الأبيض ومقرباً من الرئيس يخضع لتحقيق تجريه معه سلطات إنفاذ القانون، والتهمة هي «صلات محتملة بين حملة دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة وروسيا». في الوقت ذاته تنشر فيه صحيفة «نيويورك تايمز» خبراً مسنوداً ببعض الوثائق يفيد بأن ترامب عقد اجتماعاً في البيت الأبيض مع مسئولين روس قال لهم فيه إن إقالته لكومي خففت ضغوطاً هائلة كانت تمارَس عليه نتيجة تحقيق استخباراتي يجري على قدم وساق بشأن علاقة روسيا بفوز ترامب بالرئاسة.
قبل ذلك، كانت الأنباء تتحدث عن أن ترامب وخلال اجتماعه بوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف والسفير الروسي في الولايات المتحدة الأميركية سيرغي كيسلياك أباح بمعلومات استخباراتية لهما كانت غاية في الحساسية قدمها الموساد الإسرائيلي لـ «سي آي أي» ما أثار موجة غضب عارمة على ذلك في الولايات المتحدة وفي إسرائيل على حدّ سواء.
وقد تحدّث رئيس سابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي وهو شابتاي شافيت بلهجة حادة بشأن ذلك معتبراً تصرفات ترامب بأنها «تضع جهود تبادل المعلومات الدولية في خطر»، واصفاً إيّاه بأنه «ثور في فيل في محل خزفيات». زميل آخر له وهو داني ياتوم الذي ترأس الموساد في حقبة ما قال: «على إسرائيل معاقبة الولايات المتحدة على تسريبات ترامب لأنه من شأن هذه الأفعال وضع المصادر الإسرائيلية في خطر». والمصادر التي يعنيها هي الجاسوس الذي زرعته تل أبيب داخل «داعش».
هذه مشاكل جديّة تواجه الولايات المتحدة. بالتأكيد ليست القضية في أن يُخطأ ترامب وهو بجانب نظيره الكولومبي خوان مانويل سانتوس عندما لم يُفرِّق بين زراعة الكاكاو وإنتاج الكوكايين في كولومبيا ما أثار بشأنه السخرية لعدم تفريقه بين اللفظين على رغم أن الخطاب كان مكتوباً له؛ بل القضية هي في سلوكه الرئاسي وفي تعاطيه مع القضايا الكبرى والمعلومات الاستخباراتية.
لن نُردّد ما ذكره استطلاع مؤسسة رويترز إبسوس بأن شعبية ترامب هَوَت لأدنى مستوى لها منذ تنصيبه (38 في المئة أيّدوه و56 في المئة عارضون) لكننا حتماً نقرأ أشياء أخرى لا تفضي إلاّ لهكذا حال وربما أكبر من بكثير.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 5374 - الأربعاء 24 مايو 2017م الموافق 28 شعبان 1438هـ
دائما مبدع استاذي
يقول الكاتب: ( نحن نتحدث عن موقع لم يكتشفه العالم إلا قبل خمسة قرون ).. عجبًا!!! كيف يكون قد اكتشفه، والحال أن بشرًا يعيشون عليه بالفعل ؟ لماذا نظل نردد أكاذيب لمئات السنين ؟؟!! قل: تم الاستيلاء عليه، أو استعماره، أو الهيمنة على مقدراته،، الخ.
ماعهدناك يا محمد في هاليومين تكتب اشياء لا تمت للوضع الماساوي الذي نعيشه....
الافتقار إلى الأهلية وتدني الكفاءة لا يمكن أن يستمر إلا في البلدان النامية