يجوب حمال المياه الهندي شكيل أحمد الأزقة المكتظة في دلهي القديمة في الهند تحت أشعة الشمس الحارقة حاملاً وعاء من جلد الماعز لتقديم الماء للأشخاص الظمأى.
شكيل الرجل الملتحي الذي يغطي رأسه بعمامة تقليدية هو واحد من آخر أفراد قبائل بهشتي المؤلفة من حمالين للمياه والآخذة في الانحسار تدريجاً بعد قرون من العمل في قلب العاصمة الهندية. ويروي لوكالة "فرانس برس" من أمام المسجد الجامع الكبير في قلب نيودلهي "لقد أمضيت طفولتي هنا في القيام بهذا الأمر. أجدادي فعلوا ذلك أيضاً". ويقول "الآن أصبحت الأخير. لست متأكداً ما إذا كان أبنائي أو أفراد الجيل المقبل سيفعلون ذلك".
تاريخياً، كان أعضاء قبائل البهشتي يمدون المتاجر والحجاج والعابرين بجرعات مياه منعشة من أوعيتهم الجلدية الكبيرة. لكن وصول المياه الجارية إلى المنطقة شكل جرس إنذار للقضاء على أسلوب حياتهم.
فقد استخرج أفراد هذه القبائل على مدى قرون المياه من حوض عميق تحت الأرض في هذه المنطقة المليئة بالمعالم العائدة إلى حقبة المغول في دلهي القديمة، وهو حي لا يزال متخلفاً بدرجة كبيرة عن مظاهر الحداثة التي غزت أرجاء العاصمة الهندية المعاصرة.
وفي ضريح صوفي صغير، يملأ شكيل وعاءه الجلدي المسمى مشق بالكامل من الماء المستخرج من بئر عميقة.
ويقول مؤشراً بيده إلى القعر المظلم للموقع "الماء في هذه البئر لم تنضب منذ حفرها"، مضيفاً "لقد جفت المياه مرة واحدة عند بدء أعمال بناء قطارات الأنفاق في دلهي... غير أن الوضع عاد إلى طبيعته فيما بعد".
هذا العمل مضن بدرجة كبيرة كما أن درجات الحرارة في دلهي تتخطى في كثير من الأحيان مستوى 40 درجة مئوية وكل وعاء جلدي من المياه لا يوفر سوى إيرادات زهيدة لا تتخطى 30 روبية (نصف دولار).
ويقول "أبنائي سيجدون صعوبة في ممارسة هذا العمل". وإذا كانت المياه الجارية وعبوات الماء المعدنية المباعة في كل مكان قلصت أعداد أفراد قبائل بهشتي بدرجة كبيرة، لا يزال بعض العطشى يستعينون بخدمات شكيل.
ويقوم تجار مسنون منهكون بسبب الشمس الحارقة في عز حرارة النهار، بضم أيديهم لجمع الماء وسد ظمأهم. ويقوم باعة متجولون بملء وحدات التبريد الخاصة بهم ويجمعون المياه في دلاء.
مصائب قوم عند قوم فوائد، إذ إن حالات الانقطاع المتكررة للمياه الجارية عن الحي برمته تمثل نعمة بالنسبة لشكيل على رغم الإزعاج الكبير الذي تسببه للسكان.
ومع أن مهنته لا تحقق أي تقدم غير أنه يشعر بالرضا لرؤية الأنظار تلتفت إليه هو وهؤلاء الأشخاص المسنين من قبائل بهشتي مرتدين ملابسهم التقليدية، في مشهد يبدو أنه خارج من أزمة غابرة لم يعد لها وجود سوى في كتب التاريخ.
ويقول "أشخاص كثيرون يفاجؤون لرؤية أن هذه المهنة لا تزال موجودة وأن إرثاً من حقبة الملوك ما زال قائماً حتى اليوم".