كان، كلّ يوم، يخرج منذ الصباح الباكر، ولا يعود إلّا مساءً. قلقت أمّه عليه كثيرًا. ظلّت تلحّ عليه بأسئلة مكروهة: إلى أين ذهبت؟ ماذا فعلت؟ أمّا هو، فكان جوابه لها أنّه خرج للبحث عن المرأة التي نسي أين رآها! حين أصابها اليأس من إقناعه بعدم جدوى ما يفعله، عرضت حالته على طبيب نفسانـيّ. بالنسبة إليه كان يرغب في العثور على تلك المرأة، بأيّ وسيلة، حتّى لو كانت الوساطة بينه وبينها طبيب نفسانـيّ. - لقد عبرَتْ ذاكرتي! - هل عبرَت حافية؟ - لا. كانت ترتدي حذاءً ذا كعبٍ رأسه كرأس دبّوس. كان مرورها مؤلـِمًا. - هل تذكرها؟ - نسيتُ شكلها، أذكرُ ألمَ عبورها! - ما الذي يجعلك واثقًا بأنّها ليست من صنع خيالك؟ - أعرف هذا. ما زلتُ أشمّ رائحة عطرها. لا يمكن للخيال أن يصنع رائحة! - جيّد. هل تذكر ماذا كانت ترتدي؟ - كنت أظنّ ذلك، حتّى رأيت أمّي ترتدي الفستان الأسود عينَه الذي كانت ترتديه في عرس ابنة جارنا. ربّما اختلط عليّ الأمر! - لم لا تكون هي ابنة جاركم؟ - لا. ابنة جارنا مُفرطة في البدانة، وسليطة اللسان، لا يمكن لذاكرتي أن تحمل امرأة سيّئة، وبدينة بذلك الحجم، كلّ هذا الوقت. - ألديك فكرة، أو تخمينات عن المكان الذي قابلتها فيه؟ - لم أسافر قطّ، وهذا يلغي فكرة المطار، ما يعني أنّها لا تزالُ، هنا، في المدينة. أتعرف، مشكلتي أنّني لم أنتبه إلى وجودها في تلك اللحظة، غير أنّها بقيت عالقة بذاكرتي، وعبرتها فجأة بعد عدّة أيام. كنت قد نسيت كلّ شيء عنها، باستثناء شعوري تجاهها. على الأرجح في الصيدلية، السوبرماركت، حتّى ورشة السيارات التي اعتدت الذهاب إليها، كانت واحدة ضمن تخميناتي الكثيرة، لم أعثر عليها. لقد تعبت. - ليس أمامك سوى تجاهلها. ستظهر من تلقاء نفسها. - هكذا، ببساطة! ألن تكتب لي وصفة بأدوية، توقف طرْق كعبها، وهي تعبر ذاكرتي؟ - سأكتب لك مُسكّنًا للصداع. بعد مضي عدّة أشهر، لم يستطع نسيانها، غير أنّه كان حازمًا في قرار تجاهلها. ذات يوم، دفعه الملل لإعادة تنشيط حسابه في موقع "فيس بوك"، فعثر عليها، وكانت قد نشرت صورة جديدة لها، واحدة من الفتيات الكثيرات اللاتي قبل إضافتهن في قائمة الأصدقاء التي تجاوزت الأربعة آلاف.