عندما تكتب كلمة: Trolling أو الشغب الإلكتروني في محرك البحث تظهر لك نتائج كثيرة. اذهب إلى الصور لترى وتستمتع بما يفيض به عليك المحرِّك من صور ورسومات مُضحكة لكنها ذات دلالة. بالتأكيد أغلبها رُسِمَت كاريكاتورياً لكنها تمنحك الفرصة كي تعرف ماذا يعني الشغب الالكتروني في ثقافة دول كثيرة حول العالم، وفي طريقة نظرتها للغوغائيين في وسائل الإعلام الالكترونية وشبكة الانترنت عموماً.
واحدة من الرسومات تُظهِر وجهاً يقوم صاحبه بإخفائه عبر قناع. رسمٌ آخر يُظهِر كائناً غريباً وهو يستخدم حاسب آلي مرتبط بالشبكة العنكبوتية للمعلومات وتعلو وجهه ابتسامة خبيثة. وثالث ورابع على ذات المنوال. هي في النهاية تريد أن تصِفَ واقعاً منتشراً في وسائل الميديا الحديثة أو شبكات التواصل الاجتماعي، وكيف يتم استغلالها بطريقة سيئة للإساءة للآخرين والأفكار المطروحة بطريقة صريحة أو مستترة.
دعوني أتحدث لكم عن حادثة لم تحصل لي شخصياً لكنني تابعتها عن بُعد. هي تخصّ العالِمَة البارعة في فيزياء الفلك كاتي ماك. هذه المرأة نشيطة على برنامج «تويتر» للتغريدات القصيرة. وهي تكاد تُغرِّد يومياً وتنشر معلومات وأشياء تخصّ شأنها الأكاديمي، وأخرى لها علاقة باهتماماتها الشخصية في الشأن العام ومتابعاتها مثل فوز ماكرون في الانتخابات الفرنسية حديثا.
في مساء أحد الأيام من شهر أغسطس الماضي كَتَبَت ماك تغريدة تقول فيها بأنها حزينة وخائفة من التغيُّر المناخي الذي يحصل للأرض « climate change scares the heck out of me and it makes me so sad». تفاعل مع ما كَتَبَتهُ كثيرون، لكن أحدهم أصابها بالإحباط عندما طلب منها أن تتعلم بما يكفي، وألا تستمع لما وصفهم بالمجرمين أو المحتالين الذين يُروّجون للاحتباس الحراري.
ولأن كاتي امرأة متعلِّمة وصاحبة ذوق رفيع ردَّت عليه قائلة «لا أعرف أيها الصديق، فقد نِلْتُ درجة الدكتوراه في فيزياء الفلك. والذي يظهر لي أن السَّعي وراء ما هو أزيد من ذلك حالياً سيصبح شيئاً زائداً عن الحد». لكن ذلك المتداخل ردّ باستهجان بأن عليها أن تطلب تعويضاً مالياً عن أتعاب دراستها الدكتوراه! وكأنه يريد أن يقول بأن دراستك يا كاتي لا فائدة منها وهي مجرّد هراء!
لقد سفَّهَ ذاك المتداخل المسجَّل باسم جيري جاكسون أشياء كثيرة في حياة كاتي، متجاهلاً كونها عالِمة ومُدرِّسة في جامعة ميلبورن الاسترالية، وقضت ردحاً من عمرها في طلب العلم، ليتفوّه ببضع كلمات أقل ما يقال عنهما بأنها تفتقد اللياقة. وبالمناسبة ما قاله جيري واستخفافه بما يُقال عن الاحتباس الحراري للأرض هو رأيٌ موجود لدى البعض ومنهم سياسيون في إدارة الرئيس الأميركي الحالي ترامب بل هو ذاته.
بالتأكيد هناك قرابة الـ 120 ممن ردّ على جيري جاكسون كتابة، كثيرون منهم ساءهم حديثه، وهم ينظرون إلى عالِمة متخصصة وهي تُخَاطَب بطريقة غير لائقة من قِبَل أحد المحافظين (كما يُعرّف نفسه) لكن في المحصلة، هذا الأمر حصل وهو يعيدنا إلى ما بدأنا به حديثنا وهو موضوع الشغب الالكتروني أو الـ Trolling. هذا الأمر لا يخصّ دولاً في الغرب فقط بل هو واقع في جميع الدول تقريباً.
يُقرّ الإنسان أن المعارف في هذه الدنيا كثيرة ولا تُعد. وهي لا تُدرَك حتماً من شخص واحد، فهي مُوزّعة كأجزاء متناثرة على 7 مليارات إنسان، في حين أن بعضها مايزال غامضاً. وما دام الحال كذلك تصبح معارفنا نسبية. لكن الحديث لا يخص هذا التفصيل أو التوصيف، بل يقع ضمن دائرة أخرى حين ينبري البعض للتحدث بطريقة مهينة وغير مسئولة أمام القناعات والأفكار الأخرى.
فاللغات هي وسائل للتخاطب بصور متعددة. وهي تمنح ناطقيها مساحة كبيرة من الخيارات في وضع هذه الكلمة وحذف أخرى وصناعة سياق ينتمي إلى مدار فكري محدد يتم اختياره بشكل حر. لذلك يصبح الأمر معيباً عندما يقوم أحدهم بالتلفظ بكلمات غير لائقة لأنه حتماً قام باختيارها عن قصد، وخصوصاً إذا كان تكرارها يُثبت أنها لم تكن زلة لسان أو قيء قلم منكسر.
هناك صورة أخرى في هذا المشهد تصبح أكثر ألماً وحرقة حين يأتي البعيدون عن التخصص للجِدال أمام أهل الدراية في تخصصاتهم التي كتبوا فيها وقدموا الدراسات العلمية المُحكَّمة، وفي المقابل لا يمتلك المعترضون أيّ أساس علمي لأقوالهم. هنا لا مجال إلاّ أن نعترف بأن هذا شغب إلكتروني ولا شيء آخر. وربما من المهم التأكيد الآن على ضرورة أن يُدرِّب المرء نفسه على ما جدَّ في حياته من أشياء لم يكن يتعامل معها من قبل ومنها وسائل التواصل الاجتماعي التي غَزَتنا.
صحيح أن هذه الوسائل هي أدوات إلكترونية لكنها ليست كذلك فحسب؛ بل هي تمنحنا القدرة على التخفي إلى حدّ ما، وبالتالي تعطينا مزيداً من الجرأة كي نقول ما نتردد في قوله أمام بعضنا بعضا، وكأننا نصرخ من وراء جدار يحجب وجوهنا ويُبقِي صوتنا فقط. فكل الأشياء التي لم نعتَدْ عليها تجعلنا نتعامل معها بطريقة ساذجة أو غير مناسبة، وهو ما ينطبق على تعاطينا مع وسائل التواصل الاجتماعي.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 5360 - الأربعاء 10 مايو 2017م الموافق 14 شعبان 1438هـ
التخفي هو ما يمنح هؤلاء الجبناء فرصة للشتم والسب ومع الاسف مواقع التواصل تحولت لفوضى تحت اسماء وهمية.
ظاهرة الترولز Trolls تم اسثمارها سياسيا من أجهزة مخابرات عديدة، أول من استخدمها كانت اسرائيل فكانت تجند جيوشا الكترونية للرد على منتقدي الدولة العبرية ... ثم المخابرات الإيرانية التي لديها جيوش الكترونية عربية وانجليزية تدافع عن ايران على المواقع الالكترونية العربية والانجليزية وشبكات التواصل الإجتماعي ... إلا أن من فاق هؤلاء كلهم هو المخابرات الروسيةـ شيء لا يمكن تصوره! اختراق فكري للمنظومة الغربية حتى قيل أن هناك مراكز ضخمة لآلاف المعلقين الروس المتخفين كغربيين للدفاع عن النظام الروسي.
رااااائع....كلما كان المجتمع فاشل كان الشغب الالكتروني اوسع ومأساوي خصوصا على المراهقين وصغار لان الوسائل التواصل هو مصدرهم الاساس للاسف...اتالم كثيرا اني يكون ابنائنا يتغذون يوميا على سخافات