اختلفت القراءات بشأن لقاء أبوظبي الذي جمع الثلثاء (2 مايو/ أيار الشهر الجاري) بين قائد القوات الليبية المنبثقة عن برلمان «طبرق» المشير خليفة حفتر، ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج؛ فمِن متفائل بمخرجات هذا اللقاء الخاطف لأنظار العالم، إلى متشائم لا يرتجي منه نتائج ملموسة على أرض الواقع الملغوم في ليبيا.
غير أنّ هذا اللقاء الذي ترعاه الإمارات العربية المتحدة بمساعدة مصريّة، والذي يبدو في ظاهره مفاجئاً كانت قد هيّأت له ظروف كثيرة مباشرة وغير مباشرة؛ فقد تعدّدت الوساطات العربية والأجنبيّة للجمع بين الرجلين على طاولة المفاوضات، ذلك أنّ التحركات العربية وبالخصوص الإقليمية قد تكثّفت ولاسيّما بعد استشعار فشل تطبيق مخرجات اتفاق الصخيرات (ديسمبر/ كانون الأول 2015) بسبب ما تشكّله المادة الثامنة المتعلّقة بسلطة المجلس الرئاسي في التعيين بالمناصب العسكرية الأمر الذي يرفضه حفتر؛ إذْ اعتبر أنّ القبول بهذه المادة تفريط في الجيش الليبيّ.
ثمّ كانت مبادرة دول الجوار التي أطلقتها تونس وساندتها الجزائر ثم مصر، وانعقدت لقاءات في شهر فبراير/ شباط الماضي بين وزراء خارجية هذه الدول المجاورة والمتضررة مباشرة من الوضع الليبي غير المستقرّ، وقد كان من المنتظر أن تمثّل هذه المبادرة أرضيّة لحوار ليبيّ داخليّ يعقبه اتّفاق بشأن خريطة طريق لإنهاء الأزمة في البلاد. لكنّ هذه الجهود ذهبت سدى لعدم استعداد خليفة حفتر للانخراط فيها إضافة إلى التوتّر العسكريّ الميداني في ليبيا في شهر مارس/ آذار وأبريل/ نيسان ما حَكَمَ على هذه المبادرة بالشلل.
ثمّ طفت على السطح المبادرة الإماراتية لتعلن وأد المبادرة المغاربيّة، التي لم تكن تملك خيوطاً مؤثّرة في المشهد الليبيّ كما تملكها الأطراف الراعية للمبادرة الإماراتية، فضلاً عن عدم تحمّس الدبلوماسيّة المصريّة لمبادرة دول الجوار لاختلاف التصوّرات والمواقف بين الجار الشرقيّ لليبيا من جهة، والجارَيْن الغَربِيَّيْن لها. بل لعلّ الاختلاف جوهريّ إذا ما تعلّق الأمر بالتهديد الإرهابيّ والأمن القوميّ والمصالح الخاصّة لكل دولة من دول الجوار.
ولم يكن من السّهل إقناع خليفة حفتر بالجلوس والتفاوض مع حكومة السراج لولا بعض التدخلات الغربيّة؛ إذ يبدو أنّ دوائر رسميّة أميركية قد أكّدت للحكومتين المصرية والإماراتية أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب لن يلتقي حفتر إلا بعد تصفية الخلافات مع السرّاج، والتوصّل إلى نقاط اتفاق مشتركة من شأنها تهدئة الأوضاع في ليبيا.
وقد تمثّلت أهمّ مخرجات لقاء أبوظبي في الاتفاق على معظم النقاط الخلافية جرى تلخيصها في ثماني نقاط أهمها توحيد الجيش وعمله تحت سلطة المجلس الرئاسي، وتكوين حكومة ممثلة لكل الأطراف، والتأكيد على التعجيل بالاستفتاء على الدستور، والدعوة إلى انتخابات رئاسيّة وبرلمانية في موعد أقصاه مارس العام 2018، بالإضافة إلى تشكيل فرق عمل مشتركة للتنسيق والمتابعة. كما نصّت المسودة على سريان الاتّفاق بمجرّد توقيعه، مع تأكيدها على مرجعيّة اتفاق الصخيرات.
لكن تَحولُ دون هذه الاتفاقات عراقيلُ جمّة؛ ففايز السرّاج لا يملك تفويضاً من القوى العسكرية والسياسية في المنطقة الغربية؛ إذْ يؤكّد أغلب المتابعين أن السرّاج ينطق بما لا قدرة له على تنفيذه نظراً للثقل السياسي والعسكري للجماعات المقاتلة في الغرب وتحديداً في طرابلس، ولا يخفى ما ينطوي عليه خطاب مفتي الديار الليبية الصادق الغرياني الذي يدعو إلى التصدي لأي تقارب مع المشير حفتر، هذا بالإضافة إلى مواقف القوى التي لم تنخرط منذ البداية في اتفاق الصخيرات مثل حكومة الإنقاذ والقوى العسكرية المؤيدة لها غرب البلاد، فضلاً عن التشكيلات العسكرية ضد خليفة حفتر في الشرق (مجلس شورى ثوار بنغازي) الذي قال عن الاجتماع الأخير: «إنّ العدوّ اجتمع وهو على باطل». وعليه، فإنّ السراج وحفتر لا يمثلان أطراف النزاع كاملاً.
ومن جهة أخرى فإنّ رهان انتخابات مارس 2018 لا يبدو مفروشاً بالورود؛ فهو يتطلب استصدار قانون انتخابيّ واتفاقاً على المفوضية الانتخابية التي ستشرف على الاستفتاء على الدستور وعلى الانتخابات المتفق عليها، وضمان إخضاع كل المجال الجغرافي الليبي للعملية الانتخابية ما يتطلب انخراط كل القوى السياسية والعسكرية في هذه العملية وهو ما يبدو صعباً إن لم يكن مستحيلاً في سقف زمني كالذي تمّ تحديده.
أمّا على مستوى التحركات السياسية الموازية، فإنّ ظهوراً لافتاً لرئيس المؤتمر الوطني العام نوري أبو سهمين في هذا الوقت بالذات، بعد غياب عن الأضواء دام أكثر من سنة، يطرح أكثر من سؤال؛ فقد قام بزيارة إلى دولة غينيا كوناكري برفقة رئيس حكومته خليفة الغويل عقب لقاء أبوظبي، واستُقبِلا هناك بشكل رسميٍّ والتقيا رئيس الدولة ألفا كوندي رئيس الدورة الحالية للاتحاد الإفريقي. فهل أنّ هذا الظهور المفاجئ جاء لعرقلة جهود التقارب بين سلطتي طرابلس وطبرق، أم أنّ المؤتمر يبحث عن موقع له في هذا الاتفاق بوصفه السلطة الأعلى الشرعية في البلاد.
إنّ اللقاء الشهير الذي جمع حفتر بالسراج وإن نعته البعض بالمفاجئ والاستفزازيّ فإنّه يمثّل بارقة أمل تعطي لعموم الشعب الليبيّ فرصة الحلم بليبيا تحتضن الجميع، وتبعدها عن شبح التدخل الأجنبي المباشر وتنقذها ممّا بقي من جيوب الدواعش المنتشرة هنا وهناك في التراب الليبي.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 5358 - الإثنين 08 مايو 2017م الموافق 12 شعبان 1438هـ
نأمل أن تحتكم أطراف النّزاع في ليبيا إلى العقل، فهو مفتاح الخروج من التشرذم والمحافظة على البلاد والعباد....