قبل فترة ليست ببعيدة، بعث لي أحد معارفي من رجال الدين الذين تربطني بهم اهتمامات لغوية مشتركة، وسبق له أن أمتهن مهنة التربية والتعليم، بفيديو تربوي نفسي أراه على درجة من الأهمية والفائدة لفهم المتغيرات القيمية والسلوكية التي طرأت على أكثر من جيل من أجيالنا العربية، منذ مطالع ثمانينات القرن الماضي، الفيديو الذي يتحدث فيه جون روزيموند JOHN ROSEMOND البروفسور في علم النفس العائلي بجامعة بيرجر parger الأميركية ينبّه كيف خلق الآباء والأُمهات خلال هذه العقود الماضية جيلاً أو أكثر من الأبناء الاتكاليين، بسبب الإفراط في الدلال أو ما نسميه في عاميتنا «التدليع الزايد» وكيف أن ذلك ألحق بهم في كبرهم أشد الضرر.
يرمز روزيموند إلى عدم رفض الأبوين لأي طلب من طلبات أبنائهم لشراء ما يشاؤون مهما كان ثمنه أوعدم أهميته أو فائدته بـ «فيتامين N»، بمعنى أنهم لم يتعودوا أن يسمعوا من أبويهم كلمة «NO» أو «كلا» في مطلق الأحوال، وحينما يصبح الأطفال مُدللين بهذه الطريقة والإفراط الزائد عن اللزوم، فإنهم يعجزون عن الإندماج بالمحيط الاجتماعي من أقرانهم، وتتأصل فيهم الأنانية وكراهية العمل أو الاعتماد على النفس؛ لأنهم لم يدركوا طوال حياتهم قيمة العمل، وثمرة الكفاح، فقد تعودوا على حصول كل رغباتهم المزاجية بسهولة، وتعودوا على مدحهم في كل شيء دون أن يتربوا على النقد الذاتي، والاعتراف بالخطأ، فيصبحون بعد مايشبوا كارهين لأي نقد أو ملاحظة تُوجه إليهم، مهما كانت بسيطة ويكابرون على الاعتراف بها، والسبب لأن عندهم، على حد تعبير البروفسور روزيموند، نقص في «ڤيتامين N»، بمعنى لم يسبق أن سمع من آبائهم واُمهاتهم طوال حياتهم كلمة NO أو كلا، بينما هذا الفيتامين شديد الأهمية في تربيتهم وصحتهم النفسية السوية، ومثل هؤلاء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب في كبرهم، لعدم قدرتهم على الاندماج والتكيّف بالمجتمع المحيط بهم؛ بل وتراهم ينقلون عدوى ما ورثوه من آبائهم واُمهاتهم إلى أبنائهم بعد تكوينهم اُسر.
ويشير البروفيسور التربوي إلى فارق كبير بين أطفال خمسينات القرن الماضي باعتبارهم الأكثر سعادةً مقارنة بأطفال العقود الثلاثة الماضية، ويوصي بأن تلبية ما نسبته 25 في المئة من رغبات الأطفال يُعد كافياً ومنطقياً باعتبار إن 75 في المئة من طلباتهم تُعد صبيانية لا عقلانية تتحكم فيها نزواتهم المزاجية، عدا ذلك فإنهم قلما أولوا اهتماماً وعنايةً بالأشياء والحاجيات التي تم شراؤها لهم؛ لأنهم متيقنون بأنه سيقوم الوالدان أو أحدهما بتعويضهم عنها.
وإذا كانت هذه الحالة التي يشخصها بروفيسور علم النفس العائلي من واقع خبرته المديدة تبدو ظاهرة، حتى الأميركيين أو الغرب الأوروبيين أخذوا يعانون منها، فما بالنا بمجتمعاتنا العربية؟
والحال فلطالما خطرت ببالي مسألة قلما وجدتها مثار اهتمام التربويين ورجال الدين، وأعني بها مدى تأثير دور النقص في «فيتامين N» لدى الزوج الشاب والزوجة الشابة في كثرة حالات الطلاق التي في مجتمعاتنا العربية بوجه عام ومجتمعاتنا الخليجية بشكل خاص، ذلك بأنه باعتقادي حينما يكون كلا الطرفين يعاني من هذا النقص، وغير قادر أن يتحمل تبعات مسئولياته الزواجية، أو يتفهم ملاحظات الآخر، فإنهما أو أحد الطرفين يلجأ سريعاً بدون أدنى صبر أو تؤدة إلى أسهل الطرق ألا وهو أبغض الحلال، على عكس جيل آبائهم الذين تعودوا الصبر والكد والعمل، وتربوا بدلال معتدل إن لم يكن بالشدة والحزم وذاق الكثير منهم مرارة العوز وشظف الحياة، وعملوا في مختلف الأعمال الشاقة.
ويبدو أن مجتمعاتنا العربية ستظل تعاني لفترة طويلة من هذا النمط من الصراع في المتغيرات التربوية والسلوكية الحادة التي طرأت على أجيالنا الشابة، لأكثر من جيل القيمي قبل أن يفيق المجتمع إلى مخاطرها المدمرة ليس على الشباب فحسب؛ بل وحتى على أوطانهم التي تطمح إلى رجال شباب أقوياء شجعان في الدفاع عن ترابها، لا رجال شباب مدللين يهربون من الأعمال والمهام الشاقة والصعبة.
إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"العدد 5355 - الجمعة 05 مايو 2017م الموافق 09 شعبان 1438هـ
والله صادق استاذ من كثر ما دلعناهم ولما تزوجوا مو قادرين يحملون المسؤولية والالتزامات الاسرية ويعني شنو زوجة واهتم فيها كانت النهاية الطلاق
وربما يكون بسبب زيادة في (فيتامين N)
صح استاذ الدلال الزائد أحيانا يفسد الاولاد اني اختي عندها بنت اخرالعنقود دلعتها واجد وعطتها حريتها في كل شئ لما كبرت صارت سمعتها زي الزفت وتعرف عنها لكن ماتبغي أحد يكلمها والحين هي عار على العائلة
فعلا الدلال الزائد يضر وما ينفع. أحاول قد ما اقدر ما اعطيهم كل رغباتهم لكن الحنة أحيانا تخليني اتنازل عن بعض الأمور. شكرا أستاذ على تذكيرنا ولفت انتباهنا
كلامه صحيح وهذه نقطة ضعف لدينا في التربية أدركتها متأخرا رغم انني احيانا كنت امارسها لكن من غير علم