لا تكاد تفتح صفحة صحيفة يومية، أو تتصفح وسائط التواصل الاجتماعي أو تفتح بريدك الإلكتروني، أو تشاهد التلفاز أو تستمع للراديو أو... إلا ويطالعك هجاء الربيع العربي، حيث يطلق عليه مختلف صفات التحقير «الخريف العربي»، «الخريف الدموي» إلى آخر المعزوفة. بالطبع فإن حدثاً استثنائياً مثل الحراك العربي وهذه صفة حيادية، لابد أن يكون محل خلافات شديدة وتشخيصات متباينة، ولكن أن يوصف حدث خطير بصفات تحقيرية، ويصنف كمؤامرة غربية صهيونية فهذا احتقار لملايين العرب الذين نزلوا إلى الشوارع في معظم العواصم والمدن على امتداد الوطن العربي من محيطة إلى خليجه.
كتب الكثير عن الربيع العربي، وعقدت بشأنه الكثير من المؤتمرات، ولايزال يوصم بصفات أبعد ما تكون عن الموضوعية، لكن الكثير من الحقائق أضحى معروفاً وكثير من الأسرار لم تعد أسراراً، ولذا لا يمكن تحويل ثورة إلى انقلاب، ولا يمكن تحويل الضحية إلى جلاد في ديماغوجية فاضحة.
بكل بساطه كانت الأوضاع في معظم البلدان العربية في أسوأ أوضاعها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وكذلك في علاقات العرب فيما بينهم وفي علاقاتهم مع محيطهم القريب والبعيد على رغم مظاهر الانسجام فيما بين الأنظمة العربية في حالة نادرة. عندما اجتمع الزعماء العرب في قمة شرم الشيخ في يناير/ كانون الثاني العام 2011، كان الغائب الوحيد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، والذي كان محاصراً بالثورة في قصر قرطاج، واضطر بعدها تحت ضغط الأحداث إلى مغادرة تونس إلى غير رجعة. وكان الزعماء العرب في أفضل حالات الانسجام فيما بينهم، بحيث التقطت لهم صور حميمية لأول مرة، وحتى القذافي المعروف بمشاغباته، وتهجماته على الزعماء العرب الآخرين، كان في حالة رضا. إذاً كيف تفجرت الأرض فجأة من تحت أقدامهم؟، وكيف عمد الغرب وخصوصاً أميركا والتي دان لها معظم الزعماء العرب بالولاء أن ترتد عليهم، وتحاول إسقاطهم كما يطرح أصحاب نظرية مؤامرة الربيع العربي؟ تتكرر أطروحة ما عرف بنظرية «الفوضى الخلاقة» التي طرحتها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس، كتعبير عن الاستراتيجية الأميركية للرئيس بوش الابن بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 بالهجمات الانتحارية لتنظيم «القاعدة» ضد الولايات المتحدة. وهنا يسترجع هؤلاء مقولة بوش «من لم يكن معنا فهو ضدنا»، والاستراتيجية الأميركية بمحاربة الإرهاب، ووجهها الآخر المشروع الأميركي بدمقرطة الأنظمة العربية التسلطية قسرياً، بعد تحميلها مسئولية خلق بيئة حاضنة للحركات التكفيرية والإرهابية. وقد بدأ المسلسل بغزو العراق في 2003 والذي تطور إلى تدمير بنية الدولة مادياً وتمزيق النسيج الاجتماعي، مما تطور لاحقاً إلى حرب أهلية وأحد تجلياتها بروز «القاعدة» ثم خلفتها «داعش».
أضحى الآن معروفاً أن الرئيس الأميركي بوش ووزير خارجيته كولن باول، ورئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، كذبوا على العالم بالادعاء أن العراق في عهد صدام كان يمتلك أسلحة دمار شامل، على رغم أن برنامج الأمم المتحدة لتدميرها، وذلك لتبرير غزو العراق، وما ترتب على ذلك من نتائج كارثية. وهنا يتوجب التنويه إلى أن غزو العراق الذي يوصف بالمؤامرة لإضعاف وتقسيم البلدان العربية الواحدة تلو الأخرى، تم بتعاون قام من أكثر من نظام عربي، وبالتحديد بلدان مجاورة للعراق، شكلت القاعدة الخلفية للقوات الأميركية والبريطانية الغازية.
بعدها طرح الرئيس الأميركي بوش الابن مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير، والممتد من أفغانستان حتى المغرب، في مؤتمر في سي آيلاند بولاية جورجيا الأميركية في يونيو/ حزيران 2004 وحضره زعماء عرب وغير عرب، والذين امتنعوا عن الحضور، التحقت دولهم بالمشروع الذي أرسيت دعائمه في اجتماع لوزراء خارجية الدول الثماني الكبرى ودول الشرق الأوسط الكبير على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول 2004، برئاسة كولن باول، حيث أقرت الوثيقة الرئيسية لمنتدى المستقبل، وقرر أن يعقد لذلك مؤتمر سنوي تناط رئاسته الثنائية بإحدى الدول الثماني الكبرى، وإحدى دول الشرق الأوسط الكبير. وهكذا كان واستضافت الرباط الدورة الأولى لما عرف بمنتدى المستقبل برئاسة ثنائية من الولايات المتحدة والمغرب في نوفمبر/ تشرين الثاني 2004. وحينها لم يدعَ أي من منظمات المجتمع المدني للاجتماع، حيث عقدت بعض هذه المنظمات ومعظمها حقوقية مؤتمراً موازياً. وتتالى بعد ذلك عقد الاجتماع السنوي في عدد من العواصم العربية، حيث استضافت مملكة البحرين الدورة الثانية برئاسة ثنائية للمملكة المتحدة ومملكة البحرين في أكتوبر/ تشرين الأول العام 2005، وباستثناء تخلف بلدين هما الجزائر وليبيا، فقد كان الكل حاضراً. وبالنسبة للمجتمع المدني فقد بادرت عده جمعيات أهلية بحرينية إلى تنظيم مؤتمر موازٍ في أكتوبر 2005 حضره ممثلو أكثر من مئة مندوب لمنظمات المجتمع المدني في الدول المشمولة بالمشروع بما في ذلك الدول الكبرى، وحضر برعاية رسمية ممثلة بوزارة الخارجية التي دعمته مادياً من دون التدخل في مجرياته وتسهيلات من وزارات الدولة المعنية. وكذلك دعم البنك الدولي. وقد دعي ممثلون عن المؤتمر الموازي للمشاركة في الاجتماع الرسمي، كمراقبين وألقيت كلمة باسم المؤتمر الموازي. وعلى رغم تباين المواقف تجاه دور ومشاركة منظمات المجتمع المدني وتحفظ البعض، إلا أن المجتمع المدني كان ممثلاً في جميع الدورات اللاحقة التي تتابعت في الإمارات العربية المتحدة واليمن والأردن، وقطر والكويت وتونس. كما أن أحد مشاريع منتدى المستقبل إنشاء مؤسسة منتدى المستقبل ومقرها عمّان، العاصمة الأردنية، لتمويل مشاريع التحول الديمقراطي، والتمكين للفئات الاجتماعية المستهدفة، وتشجيع مشاريع الشباب الاقتصادية. كما أن الولايات المتحدة أنشأت وكالة عرفت لمشروع مبادرة الشرق الأوسط (MEPI) لتمويل مشاريع المنظمات الأهلية في بلدان الشرق الأوسط الكبير، ومشاركتهم في دورات منتدى المستقبل.
في ضوء ذلك كيف توصم منظمات المجتمع المدني المشاركة في منتدى المستقبل ولاحقاً في الربيع العربي، بأنها عميلة للغرب ولأميركا تحديداً وأنها متأمرة، وخائنة لأوطانها، وهي المشاركة بموافقة ورقابة البلدان التي تنتمى إليها في منتدى المستقبل؟ وكيف يتم وصف مشروع منتدى المستقبل بأنه مؤامرة أميركية للإطاحة بالأنظمة العربية، وتفتيت البلدان العربية، وهذه الدول مشاركة في المشروع وتستضيف مؤسساته ودوراته السنوية؟ بالطبع فإن الولايات المتحدة الأميركية وخصوصاً في ظل رئاسة بوش الابن اليمينية، لم تكن مؤهلة لإنجاح مشروع تحول ديمقراطي حقيقي، فقد كان همها فتح الأسواق، وتطبيع علاقات الدول العربية مع إسرائيل، ولبرلة الاقتصاد. كما أن الدول العربية المشاركة لم تكن أصلاً مخلصة أو راغبة في تحول ديمقراطي وانخرطت في المشروع مراعاة لعلاقاتها مع أميركا واسترضائها في ظل سياسة أميركية هجومية تجسدت في غزوها للعراق وأفغانستان. كما لم تكن لدى معظم منظمات المجتمع المدني العربي، أوهام في أن الدول العربية راغبة في تمكينها وإشراكها في عملية تحول ديمقراطي، وأن فهمها للديمقراطية وتحولاتها تختلف كثيراً عن الفهم الأميركي والغربي. لكن منظمات المجتمع المدني العربي وخصوصاً منظمات حقوق الإنسان، وجدتها فرصة للنفاذ إلى دوائر التأثير سواء في بلدانها أو في الدول الثماني الكبرى، واستفادت فعلياً بتمويل بعض مشاريعها من صندوق منتدى المستقبل أو مشروع مبادرة الشرق الأوسط وكذلك التدريب والتأهيل للفئات المستهدفة وخصوصاً النساء والشباب. لكن المشروع تراجع وتوقف في دورة تونس في نوفمبر/ تشرين الثاني العام 2012، لعدة أسباب، ومنها تشكك الرئاسة الأميركية حينها بقيادة الرئيس باراك أوباما، وعدم تعاون الدول العربية المعنية، ولا مبالاة الدول السبع الكبار شركاء الولايات المتحدة.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 5355 - الجمعة 05 مايو 2017م الموافق 09 شعبان 1438هـ
كعادتك متألق اخى عبد النبى
تحليلك رائع
إلى زائر 7 كذلك المالكي خرج من الباب ودخل من الشباك وكذلك الاسد ينفذ مقولة أبيه "من القصر إلى القبر"!!!
عاملان أحرقا الزهور وأوراق الربيع:
1-وجود ثروة هائلة لدى بعض الدول سخّرت كلها لايقاف عجلة الربيع.
2-دول غربة جشعة وطامعة ويسيل لعابها على خيرات الوطن العربي . وهذه الدول تخاف من ان يصبح للشعوب العربية رأي في ثروتها وكيفية استثمارها بالطريق الأمثل والتي ربما تجعل هذه الدول تفقد بعض امتيازاتها
الربيع العربي الذي حورب بالمال العربي كي لا يصل ربيع الى بلاد العرب ولكي يبقى الخريف العربي مستمّرا.
كل بلاد العالم حصل فيها مخاض وتقلّبات لكي تصل الى برّ الديمقراطية والمشاركة الشعبية وعدم استفراد افراد قلائل بخيرات البلاد.
لكن هذه البلدان تخطّت هذه العقبات ووصلت الى الجزء الأكبر مما تطمح له الشعوب ولا زالت في حالة تطوّر.
أما نحن الأمّة العربية فلا أعتقد اننا سنصل الى ما وصلت إليه هذه الشعوب الا بعد أن تنفذ ثرواتنا التي هي السبب في دمار هذه الشعوب بدل التنعم بها.
...
كاد ان يمر الربيع الي البحرين وبفضل الله اصبح خريفآ علي من اعتقد إن مجارات هذا الربيع ا..
قول لنا اي دولة مر عليها الخريف العربي وتغيرت الى الافضل وراح نغير الخريف الى ربيع
مهما دأفعت عن الربيع العربي او سمه ما تشاء فهو لم يجلب إلا الدمار وأعتقد أن في حساب الأرباح والخسائر فإن كل الدول العربيه التي مر بها هي مدمره ولم تستفد شيئا ابدا ومن نجا فإنه يعاني .مشكلتكم الكبرى انكم تومنون بأن التغيير يجب أن يكون بالتدمير أولا ثم بعد ذلك تأسيس نظام يناسبكم ولا تومنون بالإصلاح التدريجي.
هنا وهناك ومابعد هناك وماقبل هناك رفض التغيير التدريجي وإلا ماوصلت الأمور لهذا المستوى إلا بسبب رفض التغير التدريجي من قبل أكثر من 40 سنة وإحنه على هذا الحال محم
سوهارتوا 20 سنة منتخب وبنا نهضة بلاده وتيسر وصار مواطن عادي