إن الشركات الصغيرة والمتوسطة، وعلى رغم أهميتها لأي اقتصاد كما بيّنا في مقال سابق، إلا إنها تواجه تحديات وصعوبات جمة، تؤدي إلى تصفية أعمال بعضها خلال مدة قصيرة من تأسيسها، ما ينتج عنه خسائر مالية للمؤسسين وخسائر وظائف للعاملين. ونذكر أدناه بعضا من التحديات التي تعاني منها هذه الشريحة من الشركات:-
- غياب الخطط الحكومية لمساندة الشركات الصغيرة والمتوسطة، حيث قد تكون متطلبات التأسيس تطبق على جميع أنواع الشركات بلا استثناء. وفي هذه الحالة تجد الشركات الصغيرة والمتوسطة نفسها غير قادرة على تقديم مستندات معينة أو تقديم ضمانات مطلوبة؛ وذلك لكون المؤسسين يحاولون الشروع في تأسيس الشركة لأول مرة، وليست لديهم أدنى فكرة عن المتطلبات الرقابية. مثال ذلك، الطلب من مؤسس الشركة تقديم حسابات مدققة لسنوات سابقة مع العلم بأنه في طور التأسيس.
- القوانين التنظيمية لهذا النوع من الشركات قد لا تكون موجودة في البلد، ولذلك يتم تطبيق قانون الشركات العام على الجميع. وهذا بدوره يوجد صعوبات عملية على مؤسسي الشركات الصغيرة والمتوسطة على الوفاء بالمتطلبات التي تريدها الجهة المعنية في الحكومة. على سبيل قد يطلب من المؤسس شهادة من البنك الذي يتعامل معه تفيد بحالته المالية وطريقة عمله مع البنك. وحيث أن المؤسس قد يكون في بعض الحالات قد عاد للتو من دراسته الجامعية خارج البلد، ويصعب عليه الحصول من بنك محلي شهادة عن مركزه المالي؛ وذلك لعدم تعامله مع المصارف أصلا. وعليه قد تقوم الجهة المعنية في الحكومة برفض طلب تأسيس الشركة ما يعرض المؤسس إلى إحباط وخسائر مالية.
- عدم وجود برامج مساندة وبرامج حوافز في البلد لتشجيع هذه النوعية من الشركات على المساهمة الفعالة في اقتصاد البلد. وغياب برامج المساندة يجعل من الصعب على مؤسسي الشركات الإستمرار.
- عدم قدرة مؤسسي هذه الشركات على الحصول على التمويل اللازم من المصارف أو أي جهة حكومية. فالمصارف قد يكون لديها سياسات معينة لا تشجع على تمويل هذه النوعية من الشركات، وخصوصا عندما تكون في مرحلة التأسيس وليس لديها بيانات مالية أو ضمانات تقدمها للبنوك. وسنتحدث عن هذا الجانب من التمويل في مقالات مقبلة. وكذلك الجهات الحكومية لا تستطيع مساعدة هذه الشركات إذا لم يكن هناك برامج تمويل من قبل الحكومة.
- إن معظم الشركات الصغيرة والمتوسطة يتولى أمر تأسيسها أشخاص مبدعون، ولذلك يحتاجون في مرحلة التأسيس لأشخاص ذات مهارات ومعارف معينة للمساهمة مع المؤسسين في خلق الشركة. وفي غياب الأشخاص ذوي المهارات لإدارة الشركة، فإن الصعوبة في إدارتها كبيرة.
- غياب البرامج الحكومية الموجهة نحو توعية أصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة بأن الحكومة على سبيل المثال تساند هذه النوعية من الشركات من خلال برامج محددة، مع رسم الطريق وبوضوح عن كيفية الاستفادة من تلك البرامج، وكيفية تقديم الطلبات والمتابعة.
في البحرين، توجد مؤسسات رائدة في توفير الدعم والمساندة للشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال «تمكين» ومجلس التنمية الاقتصادية» وبنك البحرين للتنمية، وحاضنات الأعمال المشهود لها بالنشاط. وما لا شك فيه، فإن وجود هذه المؤسسات وبما تقدمه من برامج وحوافز يعتبر خطوة متقدمة في الاتجاه الصحيح. المطلوب زيادة جرعات المساندة وزيادة وسائل الإعلان عن البرامج، وإيصالها بدرجة أشمل للراغبين في تأسيس الشركات الصغيرة والمتوسطة. يبقى أن يكون دور المصارف أكثر إيجابية تجاه هذه الشركات، وذلك عبر تقديم برامج تمويل بالتعاون مع جهات حكومية وأخرى. والمصارف تعرف أكثر من غيرها عن حجم الخسائر التي تتكبدها عند تعرض الشركات الكبيرة إلى متاعب مالية؛ وذلك لضخامة القروض الممنوحة لها، حيث يمكن للبنك أن يغلق أبوابه نتيجة لتعسر العملاء الكبار من الشركات الكبيرة، بينما تأثير المشاكل المالية على عدد من الشركات الصغيرة أقل بكثيرعلى البنوك.
بعد قضاء ما يزيد على 35 عاما في المصارف أتفهم تحفظ بعض المصارف في تمويل هذه الشركات وخصوصا الناشئة حديثا منها، وأتفهم المتطلبات الرقابية من المصارف المركزية، ولكن هذا لا يمنع من قيام المصارف بدور محدد يساعد هذه الشركات، ويؤدي جزءا من المسئولية الاجتماعية الملقاة على عاتق هذه المصارف.
سنتحدث في المقال المقبل عن برامج تشجيع الشركات الصغيرة وسبل التمويل، من الجهات الحكومية وغيرها، والاستفادة من البرامج المختلفة المساندة للشركات الصغيرة والمتوسطة من تقديم المشورة والتوجيه.
إقرأ أيضا لـ "صالح حسين"العدد 5343 - الأحد 23 أبريل 2017م الموافق 26 رجب 1438هـ