وأنا أتابع في ارشيفي وأوراقي القديمة بعض المواضيع، وجدت بالصدفة قصيدة للشاعر الكويتي فهد العسكر ت 1951 منشورة في أحد أعداد جريدة البحرين العدد 250 الصادر في 9 من ذي الحجة سنة 1362 هجرية الموافق 16 ديسمبر/ كانون الأول 1943. وهي منشورة في الصفحة الأخيرة/ الرابعة من الجريدة، والقصيدة تحمل عنوان «ليلى تعالي» وإذا ما أخذنا سنة النشر وهي ربما تكون المرة الأولى لنشر هذه القصيدة، يكون بذلك قد مضى على نشرها 74 عاما. كما أنها نشرت قبل نشرها في كتاب صدر سنة 1956 من تأليف وجمع وتصنيف الأديب الكويتي عبدالله زكريا الانصاري بعنوان (فهد العسكر، حياته وشعره)، بثلاثة عشر عاما.
وعندما رجعت إلى الكتاب في طبعته الثالثة الصادرة في سنة 1972 لأطلع على القصيدة فوجدتها من بين قصائد الشاعر، وعند المقارنة بين القصيدة المنشورة لأول مرة في جريدة البحرين سنة 1943، والقصيدة المنشورة لاحقا في كتاب عبدالله زكريا الأنصاري وجدت بعض الاختلاف، بحيث يمكن اعتبار أن نص القصيدة في النشر الأول هو الأصل، وأنه قد تم بعض التغيير في القصيدة الواردة في الكتاب، أو في النشر الثاني للقصيدة. هذا التغيير الطفيف في بعض الكلمات يؤثر في المعنى في القصيدة بين النشر الأول، والنشر الثاني في كتاب عبدالله زكريا الانصاري. وهنا لابد من الإشارة إلى الاختلاف في القصيدة نفسها بين النشرين أو النصين.
-1 في نص القصيدة المنشور في مجلة البحرين كان عنوان القصيدة «ليلى تعالي» ، بينما كان عنوان القصيدة في كتاب (فهد العسكر حياته وشعره) هو «نداء» وما أشد الفرق بين العنوانين، وبالتالي اختلاف المعنيين.
-2 في البيت الأول من القصيدة المنشورة في الكتاب: ياطائر الفجر من بالراح أغرانا *** إلاك حين تناغي الروض سكرانا.
في حين ان البيت نفسه في القصيدة المنشورة في جريدة البحرين ينتهي بـ «نشوانا» وليس سكرانا، والفرق كبير بين المعنيين، على الرغم من أن الايقاع واحد.
-3 في البيت الثالث من القصيدة المطبوعة في كتاب فهد العسكر جاء التالي: وارقص وصفق وطر واهتف وغن به *** وحيه واسكب الأشواق ألحانا.
بينما نفس البيت في القصيدة المنشورة في سنة 1943 في جريدة البحرين يكون البيت كالتالي: واهتف وصفق وطر واهبط وغن به *** وحيه: واسكب الأشواق ألحانا
واضح مدى الاختلاف بين صدر البيت في كلا البيتين، حيث أضيفت كلمة وارقص في طبعة الكتاب وهي لم تكن موجودة في طبعة الجريدة، وحذفت كلمة واهبط من النص التالي وهي موجودة في النص المشور في الجريدة ، وللقارئ أن يفهم اختلاف المعنى بين البيتين في النص الأصلي وفي النص التالي.
-4 جاء في صدر البيت الخامس من القصيدة التالي: وسائل الروض عن احلام غفوته *** واستخبر الآس والنوار والبانا.
بينما كان صدر البيت في القصيدة في نشرها الاول هو: وسائل الروض عن احلام ليلته، وليس غفوته، وبطبيعة الحال الفرق كبير بين الكلمتين «الغفوة، والليلة» وبالتالي الفرق بين المعنيين.
-5 جاء نص البيت الحادي عشر من القصيد في الكتاب كالتالي: ياجيرة الروض والاحلام شاردة *** ما كان اسعدكم فيه واشقانا . في حين ورد نص البيت نفسه في نشر الجريدة السابق كالتالي: ياجيرة الروض والآمال ضائعة *** ما كان اسعدكم فيه واشقانا . حيث استبدلت كلمة والآمال بكلمة الاحلام، مما يعطى معنى مختلفا في البيتين.
-6 أما في البيت الثاني عشر من القصيدة فقد تم استبدال كلمة « ألا لا عاش» في النص الاصلي / الاقدم بكلمة «ألا سحقا» في عجز البيت بحيث يصبح في كلا الحالتين كالتالي:
في النص الاسبق: في ذمة الله ماضينا وحاضرنا *** بؤس ويأس ألا لا عاش من خان وفي النص التالي/ اللاحق: في ذمة الله ماضينا وحاضرنا *** بؤس ويأس ألا سحقا لمن خانا. اصبحت كلمة «سحقا» بدلا من «لا عاش»، وفرق كبير بين الكلمتين ومؤدى المعنيين.
-7 جرى تقديم وتأخير في البيتين 16، و17 من القصيدة في القصيدة المنشورة بالكتاب وذلك بخلاف عما هو منشور في النص الاصلي للقصيدة وذلك كما هو مبين ادناه:
اصبح البيت رقم 17 في القصيدة الاصلية هو البيت رقم 16، والبيت رقم 16 يصبح البيت رقم 17 في طبعة الكتاب وذلك كالتالي:
البيت رقم 16 في القصيدة وفقا لنشرة جريدة البحرين هو: ليلى تعالي فإن الشك خامرنا *** وكفكفي دمعنا فالوضع ابكانا
ليصبح البيت رقم 17 ويسبقه البيت التالي وهو: ليلى تعالي لنشكو ما نكابده ** في الحي مذ اصبح الاحرار عبدانا.
وهو موجود في القصيدة لكن ترتيبه هو 17 في النص الاصلي وليس 16 مما يخلق بعض الارباك في القصيدة او يشي بالتغيير دونما مبرر.
-8 ورد في البيت رقم 19 الاخير تغيير طفيف في الكلمة الاخيرة من البيت وذلك كالتالي: يقول البيت في نص الكتاب: ليلى تعالي وإلا فالحميم إذا *** لم تأت موردنا والنار مثوانا.
في حين ان البيت في النص الاصلي يقول: ليلى تعالي وإلا فالحميم اذا *** لم تأت موردنا والنار مأوانا.
هناك في النص اللاحق ينتهي البيت بكلمة مثوانا، وفي النص الاول الاصلي مأوانا، وبطبيعة الحال يؤدي ذلك الى اختلاف في المعنى وكذلك في الاثر النفسي للكلمتين بالنسبة للقارئ، فلا أدري كيف حلت كلمة مثوانا بدلا من كلمة مأوانا.
أما من حيث عدد الأبيات في الطبعتين فهما متفقان وعددها 20 بيتا، والاختلاف في بعض التفاصيل التي ذكرتها. وإذا كان لابد من حدوث بعض الارباك بسبب الاختلاف البسيط بينهما في النشر الأول والنشر الثاني، فإن النص المنشور والمطبوع اولا -اقصد في جريدة البحرين- يعتبر هو المرجعية الأصلية، والنص التالي يصبح تابعا للأول. وخاصة ان النص الاول نشر على حياة صاحبه وتم تذييله باسمه في أسفل القصيدة، في حين أن النص الذي نشره الاديب عبدالله زكريا الانصاري تم بعد وفاة فهد العسكر بخمس سنوات، وفي كل الأحوال لا يقلل ذلك من جهده في حفظ أشعار هذا الشاعر المتميز، وهي أشعار ضاع جلها أو أتلفت بفعل فاعل؛ ولكن جهد الانصاري أعاد الحياة لكثير من أشعار فهد العسكر، كما أنه أعاد له الاعتبار بعد أن ظلمه المجتمع ولم يتحمل أحلامه وتطلعاته ورؤاه.
إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي (كاتب بحريني)"العدد 5337 - الإثنين 17 أبريل 2017م الموافق 20 رجب 1438هـ