يأتي موضوع النظام الضريبي في صدارة المواضيع التي تناقشها الفعاليات الاقتصادية في دول مجلس التعاون منذ تدهور أسعار النفط، حيث يناقش المجتمع وصناع السياسة المالية أهمية هذا النظام وأبعاده الاقتصادية وإمكانية الاعتماد عليه كمصدر دخلٍ للدولة، بدلاً من النفط الذي تراجعت إيراداته في الآونة الأخيرة بشكل كبير، ما أدى إلى عجوزات مالية في الموازنة العامة وارتفاع غير مسبوق في الدين العام وركود اقتصادي يهدّد الاستقرار الاجتماعي.
لقد بات واضحاً أن دول الخليج الغنية بالموارد النفطية، ونتيجة لوضعها المالي الصعب، بدأت وبشكل جدي في تحريك سياسات فرض الضريبة المباشرة بعد أن حسمت أمرها بالفعل في فرض ضريبة القيمة المضافة بواقع 5 في المئة مطلع العام المقبل 2018 .
هذه الدول التي تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط في تمويل موازناتها، بدأت بطريقة ما ومن خلال تصريحات بعض المسئولين وتنظيم ورش العمل المتخصصة، تشرح لمواطنيها الأسباب والمبررات التي يستند إليه العمل بالنظام الضريبي. فما هي شروط ومتطلبات النظام الضريبي؟ هل حقاً حان الوقت لفرض ضرائب مباشرة؟ وهل يمكن تحقيق العدالة من خلال النظام الضريبي؟
ويقصد بالنظام الضريبي جميع أنواع الضرائب التي تفرضها الدولة على الأفراد والشركات والمبيعات، حيث تقوم الدولة باستقطاع نسبة معينة من أرباح الشركات ودخول الأفراد مقابل تقديم مجموعة من الخدمات وتوفير الحاجات الأساسية العامة لأفراد المجتمع. ويلعب النظام الاقتصادي والسياسي السائد في البلد دوراً كبيراً في تحديد شكل ونوع وأهمية وحجم هذا النظام. فعلى سبيل المثال في البلدان الأكثر ديمقراطية وذات النظام الاقتصادي الحر، والذي تكون فيها الدولة مشرفاً وليس منتجاً، وتتمتع بمؤسسات رقابية ومحاسبية وقضائية مستقلة، يكون فيها النظام الضريبي واسعا وشاملا لأغلب أنواع الضرائب المباشرة وغير المباشرة، في مثل هذه الدول تمثل الضرائب الجزء الأكبر من إيرادات الدولة، وتكون الدولة أكثر حرصاً وشفافية في استخدام الإيرادات الضريبية، لكونها معرضة للمحاسبة من قبل المؤسسات الرقابية.
بشكل عام تعتبر الضرائب جزءاً مهماً من النظام الاقتصادي في البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء، وهي تمثّل المصدر الرئيسي لتمويل مصروفات الدولة، وتتفاوت نسبتها ما بين 9.8 في المئة من دخل الفرد في المكسيك إلى 13.4 في المئة في كوريا الجنوبية، وإلى 24.1 في المئة في المملكة المتحدة، وإلى 42.6 في المئة في بلجيكا. وعلى رغم أهميتها الاقتصادية، إلا أنه وبسبب سوء تنفيذها واستخدامها وتوزيعها فقد أصبحت الضرائب تمثل عائقاً أمام تقدم كثير من البلدان النامية، حيث ساهمت في زيادة الفساد الإداري والمالي مما أدت إلى مشاكل سياسية واجتماعية في تلك البلدان.
إنه ولنجاح الدولة في اختيار النظام الضريبي الأنسب والأكثر فاعلية، ينبغي منها أولاً معرفة كاملة للوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لأفراد المجتمع وإيديولوجياته، سواءً أكانت قيماً سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية، والأهم من ذلك ينبغي معرفة مدى قدرة النظام الضريبي على تحقيق العدالة الضريبية والمساواة وملاحقة الفاسدين ومنعهم من نهب المال العام أو التهرب من دفع الضرائب، وكذلك الوضع الاقتصادي المناسب لفرض النظام الضريبي، فمن الخطأ مثلاً فرض أو زيادة الضريبة عندما يكون الاقتصاد في حالة ركود، وهو الوضع السائد حالياً في دول المنطقة، حيث أن هناك انخفاضاً ملحوظاً في النشاط الاقتصادي وارتفاعاً في البطالة وانخفاضاً في الناتج القومي الإجمالي. ففي مثل هذه الحالة تكون للضرائب نتائج اقتصادية عكسية، حيث يزداد الاقتصاد ركوداً ويزداد الفقراء فقراً. كما أن هناك حاجة لدراسة تأثير الضرائب على استقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية وذلك حتى لا تكون الضرائب طاردةً للاستثمارات، خاصةً أن كثيراً من الاستثمارات والشركات الأجنبية الموجودة حالياً في بلداننا جاءت بسبب غياب الضرائب المباشرة، حيث كانت دول المنطقة تعرف بـ»جنة الضرائب».
الضريبة بشكل عام لها أوجه مختلفة، فهي أداةٌ لتمويل نفقات الدولة، كما أنها أداة لتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية من خلال إعادة توزيع الدخول والثروة، وهي أيضاً أداةٌ لتوجيه النشاط الاقتصادي. فمن الخطأ أن تكون الضرائب فقط لتمويل نفقات الدولة، فعندها يكون النظام الضريبي أداةً لزيادة التفاوت الاقتصادي داخل المجتمع وليس أداةً لتصحيح انعدام المساواة وتقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
النظام الضريبي يكون هادفاً مثمراً وفعالاً عندما يكون قادراً على تحقيق الأهم وهو العدالة الضريبية والتي يقصد بها الإنصاف في توزيع الأعباء الضريبية على أفراد المجتمع، بحيث يتحمل كل فرد جزأه العادل وحسب قدراته المالية، فيدفع الأغنياء النسبة الأكبر، وقد يعفى الفقراء وذوو الدخل المحدود من دفع الضرائب.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الصائغ"العدد 5336 - الأحد 16 أبريل 2017م الموافق 19 رجب 1438هـ