وصف الكاتب السوري خالد خليفة مدينته بالموحشة، وبأنها مدينة الظلام. وقال في لقاء مع إذاعة «بي بي سي» أن العيش لمدة طويلة في مدينة مظلمة وموحشة وغير آمنة بما تنطوي عليه من معانٍ موجعة، لا بد وأن تفقد الإنسان شيئاً من شجاعته. وقال عن نفسه أنه فعلاً فقد جزءًا من شجاعته، مع استمرار الحرب وما تجلبه من تردٍّ للأوضاع، وتلاشٍ للأمل في مستقبل أفضل.
يقول خليفة عن نفسه أنه وعلى رغم أنه شخص حالم و»عيّيش»، أي يحب الحياة، إلا أنه بات من الصعب أن يحتفظ بالأمل وسط احتمالية الموت والفقدان اليومية التي تستنزف القدرة على التفاؤل.
تلقى هذه الكلمات اليائسة والحزينة موقعاً حاضراً في أنفسنا كلما طرقت مسامعنا، ليس لبراعة قائلها في جرّنا إلى حالته الشعورية، بقدر معايشتنا للعوامل التي تنذر بأننا قد نكون سائرين، ربما بسرعات متفاوتة، في الطريق نفسها المؤدية إلى ما آل إليه حال قائل تلك الكلمات.
بالأمس عندما غصّت الأخبار بخبر تفجير كنيستين بمصر، برق وميض الذاكرة بسرعة كبيرة واستل منها أحداثاً جرت ذات جمعة سوداء قبل نحو عامين في 2015 في ثلاثة مواقع، تشبه حادثتي الكنائس المصرية. تلك الحوادث كانت تفجير مسجد الصادق في الكويت، وتفجير فندق في مدينة سوسة التونسية أدى إلى مقتل وجرح عشرات السوّاح، بالإضافة إلى حادثة ذبح وتفجير مصنع في فرنسا.
خلال العامين التاليين لتلك الحوادث التي لم تكن إلا تكراراً لما كان يحدث قبلها بسنوات، لم تهدأ الأوضاع ولم تتغيّر، ولم تتوقف حوادث التفجير والقتل واستهداف حياة واستقرار البشر في شتى بقاع الأرض، وإن تفنّن مرتكبوها في ابتكار أساليب جديدة تتيح لهم مباغتة ضحايا جدد، ولاقتناص أكبر قدرٍ من الأرواح، وتوسيع دائرة الإرهاب وما يجلبه معه من ارتباك وفزع.
ومع ذلك، لايزال العدو حراً طليقاً يتحدّى قدرات أكبر الدول جاهزية في مجال المخابرات وفي السلاح وفي التخطيط الاستراتيجي، لمواجهة الإرهاب والقضاء عليه، كما تدّعي. هذا العدو لا يزال غير معرّفٍ أصلاً، فما أن يُنفّذ أي عمل إرهابي حتى يحبس العالم أنفاسه انتظار أن تأتي الإشارة من واحد من الكيانات المتطرفة التي لا يشعر بغضاضة من الشعور بالعجز في محاربتها والقضاء عليها، مثل «داعش» حالياً، كي يغنيه ذلك عن البحث والتحقيق للوصول إلى الجناة في حق البشرية.
أن نعرّف عدونا، فهذا يتيح أن نتجنبه أو أن نُعد من العدة ما نحمي به أنفسنا منه، لكن أن يكون عدونا شبحاً لا مكان له ولا زمان، فهذا يجعلنا بالتأكيد في حالة عجز وتشوّش وارتباك، فإما أن تلفّنا السذاجة فلا نعود قادرين على قراءة الوجوه والأقوال والأفعال بشكل صحيح، أو أننا نقدّم شكوكنا ومخاوفنا على كل خطوة نخطوها، فلا نعرف إن كان عدونا جماعةً إرهابيةً أو مطامعَ دولٍ كبرى فيما تبقى من ثروات لم نحسن قط استخدامها؛ أو تردّياً اقتصادياً؛ أو ربما أشخاصاً مختلفين عنا يعيشون معنا وبيننا، قد يصل بهم التطرف أن يفكروا في إزاحتنا عن طريقهم.
لا نعرف إن كان هناك عدو حقيقي أم أن ذوي مصالح صنعوا أعداءً وهميين وزرعوهم في مخيلتنا، وما برحوا يتفننون في تعظيم المخاوف من هؤلاء الأعداء حتى أوصلونا إلى عدم وضوح الرؤية أمامنا!
في مقابلته، ذكر الكاتب خليفة أن خوفاً جديداً قد وُلد في الناس، وكان يتحدّث عن هذا الشعور المقلق الذي ينتابه وهو يسير في الشارع عائداً إلى منزله. وهو شعورٌ مؤلمٌ أن ينتاب الإنسان في وطنه، حيث يجب أن يلجأ إن كان يبحث عن الأمان والطمأنينة، أن يشعر أن الموت العبثي قد يكون مختبئاً له، ربما، في خطوته التالية.
نظل نعتقد، نحن البشر، أن بعض حوادث الدهر تصيب غيرنا ولا تصيبنا، وأنه ربما لو أصابتنا فلن نقوى على تحملها، وأنها قد تميتنا؛ لكننا نكتشف أن للإنسان قوى تحمّل وتعايش مع ما يصيبه من مصاعب ومصائب أكبر بكثير مما يعتقد أنه يمتلكها، لكن هذه القوى شأنها شأن قدرات البشر، هي قابلة للتآكل مع الوقت، ومع تردّي الأحوال وتلاشي الأمل بتغيّر الأحوال.
الخوف الجديد هو عنوان حالة تراجع الشجاعة وتزعزع الثقة وغياب الأمل والحلم، وارتباك المستقبل. هو حالة سبقتنا إليها الشعوب التي تورطت في حروب مع أعداء حقيقيين ووهميين. نقرأ عنهم ونشاهدهم على الشاشات ونحن نحتسي قهوتنا كل صباح، وتعتصر قلوبنا ألماً ونغضن جباهنا حزناً ثم نطوي الصحف ونغلق أجهزتنا الالكترونية ونمضي، معتقدين أن كوننا أكثر حظاً من هؤلاء اليوم سيستمر إلى الأبد، لكننا في أعماقنا نستقوي على خوفنا المتنامي، ونتعلق بمن يربت على هذا الخوف، ونصدق المستغلّين الذي يقدمون لنا حماية وهمية من أعداء وهميين، في مقابل أثمان باهظة لا تفعل شيئاً سوى أنها توفّر لنا وهم الاطمئنان من وضعٍ آتٍ لا محالة.
يذكّر ذلك بقرابين هي عبارة عن سلة كبيرة من الفواكه الطازجة، يضعها سكان جزيرة هاواي الكبرى عند الفوهة الرئيسية لبركان كيلاوا، الأكثر نشاطاً بين خمسة براكين تقع على سطح الجزيرة. الدليل السياحي لا يعرف منذ متى بدأ طقس وضع هذه القرابين، وتحمّل مشقة تغييرها يومياً ويضحك من سخرية السوّاح من هذا الاعتقاد الذي لم يوقف على مدى السنين هذا البركان من الغليان والثوران بين فترة وأخرى، ويقول: «يوفّر الاعتقاد اطمئناناً زائفاً بأن ثورة البركان ربما تكون أشد وأكثر تدميراً لولا هذه القرابين».
نتشابه مع سكان هاواي في تقديم القرابين تقرباً من مدّعي الحماية، لكن كلنا نعرف أنه لا سبيل لوقف ثورة البركان لأسبابها الطبيعية الخارجة عن إرادة العلم والبشر السيطرة عليها، بينما نعرف أن نجاتنا ممكنة لأن أسبابها من صنع البشر وليست ظواهر طبيعية. ولذلك لن تفيدنا القرابين الباهظة، فعدونا الأكبر هو تأجيلنا مواجهة أنفسنا، ووضع أصبعنا على موقع الألم لعلاجه، علاجاً ناجعاً من الجذور مهما كلفنا هذا العلاج.
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 5331 - الثلثاء 11 أبريل 2017م الموافق 14 رجب 1438هـ
الانسان هو العدو الأكبر لنفسه ، لذلك اذا أردنا بناء أمة صالحة يجب ان نبدأ بالطفل ، يجب ان نغذي ابناءنا بالمحبة لكل البشر ،.يجب أن نعلمهم التعاون و التعاضد بدل المنافسة ، يجب تعليمهم أن الدين المعاملة أما اختلاف العبادات فهي علاقة خاصة جدا بين الانسان و ربه لا يستطيع أحد الحكم عليها ، يجب تعليمهم البحث و تحري الحقيقة للوصول الى الحق عن طريق التفكير لا التكفير ، إن ما يحدث في العالم من هدم نحن جميعا شركاء فيه ، إذا لم نتخلى جميعا عن الآنا و إبداء المصلحة على حساب الآخرين .
أن نعرّف عدونا، فهذا يتيح أن نتجنبه أو أن نُعد من العدة ما نحمي به أنفسنا منه
عدونا معروف كالشمس في رابعة النهار ؟
اين يتعالج مصابين النصرة وداعش في مستشفيات الصهيوامريكية ، اخر هجوم على سوريا العالم لاحظ العلم الامريكي مرفوع مع علم داعش ؟؟؟
فات الاوان للأسف
مادامت الشمس تشرق كل صباح فلا اوان يفوت