العدد 533 - الجمعة 20 فبراير 2004م الموافق 28 ذي الحجة 1424هـ

أيهما قلب البحرينيات النابض؟

«الأعلى للمرأة» و«الأحوال الشخصية»

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

تفصح بعض المقتطفات التي سنوردها لاحقا عن خيوط متشابكة، وعن واقع يغص بأسئلة تجوب عن إجابات مباشرة أو غير مباشرة سواء عن القوانين والتشريعات، أو في الدهاليز وما يكتنفها من مجموع الممارسات والسلوكيات التي تتحسس مواضع التمييز ضد المرأة البحرينية، أو تلك التي تستل أدواتها وعدة شغلها اليومي من أجل تجذير أوسع لدونية المرأة وقهرها واستلاب إنسانيتها، وبما يقابله من خمول وعجز معرفي وعملي في كيفية توجيه دفة إدارة المعركة الحياتية والحقوقية للنساء.

ففي الأول من فبراير/ شباط 2004، أعلنت قرينة ملك مملكة البحرين ورئيسة المجلس الأعلى للمرأة في كلمة لها، عن «قرب» تفعيل توصية المجلس الأعلى للمرأة المتعلقة بكفالة حق المرأة المطلقة الحاضنة والمرأة المعيلة لأسرتها في الانتفاع من الوحدات السكنية، وإنشاء صندوق للنفقة الزوجية وإعادة تنظيم وثيقة الزواج بما يكفل حقوق الطرفين كاملة، واقتراح صفة الاستعجال لقضايا الأسرة واعتماد نظام المساعدة القانونية للمرأة. وجميعها بلا استثناء قضايا ملحة ومهمة ومتطلبة من جميع نساء البحرين. لماذا؟ لماذا بادر المجلس الأعلى للمرأة بالذات برفع التوصيات وتمت الاستجابة لمطالباته؟ أيكمن السبب فيما جاء بالكلمة ذاتها، في الرغبة من أجل تحقيق الأمن الاجتماعي والقانوني والاقتصادي للمرأة في ضوء القصور الموجود في القوانين والقرارات، وبعد تلك النصوص عن الواقع التطبيقي لها، وما يؤدي إلى زعزعة استقرار الوضع الأسري للمرأة، الذي بدوره يؤثر على مستوى إسهامها باعتبارها قوة بشرية فاعلة، تلعب دورا اجتماعيا ومهما في تشكيل حركة التنمية بعناصرها المتعددة، وأيضا تطبيقا لأهم مبادئ نص الدستور؟! إذا والحال هكذا، ما الاختلاف في توصيات المجلس ومطالبات الحركة النسائية التي لم يتم الاستجابة لها طيلة السنوات الماضية؟

وفي حلقة نقاشية عقدت في ديسمبر/ كانون الأول 2003، تتعلق بشئون قانون العمل الجديد، ناقش رؤساء النقابات وأعضاؤها مسودة قانون العمل الجديد الذي طرحته وزارة العمل والشئون الاجتماعية، والتي بموازاتها طرحت مسودة أخرى من قبل الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، تضمنت اقتراحات بالتعديلات وإضافة مواد جديدة على الباب السابع المتعلق بتشغيل النساء.

وجاء في تصريح للسيدعبدالله الغريفي لصحيفة «الوسط» 13 ديسمبر 2003، قال فيه: «عودة على قضية الأحوال الشخصية. لماذا هذه العودة؟ مازال هناك إصرار لدى عدد من النواب على طرح القضية على المجلس، ومازال هناك إصرار لدى بعض القوى والفعاليات على إثارة الموضوع وتحريكه في الصحافة والمنتديات، الأمر الذي يفرض علينا انطلاقا من مسئوليتنا الشرعية أن نؤكد موقفنا في رفض أي تدخل من قبل البرلمان في شئون الأحوال الشخصية». وأضاف: «أن تحويل الأحوال الشخصية من مظلة الشريعة إلى مظلة المؤسسة الوضعية جناية كبيرة، لها مردوداتها الخطيرة جدا ولن يشفع لدعاة التحويل مقولات يرددونها ويحاولون من خلالها أن يطمئنوا الناس بأن التقنين لن يتجاوز أحكام الشريعة مادام دين الدولة الرسمي هو الإسلام، ومادام الدستور ينص أن الشريعة مصدر رئيسي للتشريع. هذا الكلام لا يملك صدقية، فلا رسمية الإسلام كدين للدولة ولا مصدرية الشريعة وفق الصيغة المدونة في الدستور كل ذلك لا يحمي التشريع المدني من تجاوز أحكام الشريعة الإسلامية».

أما الورقة التي وزعتها لجنة العريضة النسائية بمناسبة انعقاد منتدى التنمية الخليجي الخامس والعشرين في الشهر الماضي، فقد تضمنت الآتي: «فإذا تطرقنا إلى وضع المرأة البحرينية في ظل دستور مملكة البحرين سنجدها أخذت كل حقوقها السياسية والاقتصادية أو الثقافية والاجتماعية، ولكن عندما ننظر إلى تلك القوانين على أرض الواقع سنجد أن هناك فجوة كبيرة بين القانون والواقع»، ونوهت - أي الورقة - إلى عذابات المرأة البحرينية من حيث مزاجية القضاء في تحديد النفقة الشهرية للمرأة أو للأطفال في حال التطليق وإجبارها أي المرأة على التنازل عن حقوقها الشرعية من أجل الحصول على حريتها، وانعدام وجود صندوق للنفقة تدعمه الدولة لمساعدة الأسرة، وعدم وجود محاكم تنفيذية متخصصة، وسلب الحضانة من الأم دون النظر إلى مصلحة الأطفال، وعدم وجود رقابة للحد من تعدد الزوجات. هذه جزء بسيط من معاناة النساء داخل المحاكم، كما شرحت أسباب استمرار هذا الواقع المتمثل في اختلال نظام القضاء الشرعي بحسب الورقة، وتفاوت معاييره مع المعايير الدولية في اختيار القضاة، وانتهت إلى أن معاناة المرأة البحرينية من هذه الإشكالات سببها غياب قانون الأحوال الشخصية وانعدام تجديد الفقه الديني والسياسي.

وفي «الوسط» في 13 ديسمبر 2003 ثانية، وبقلم حسين خلف: «تأكيد الشيخ عيسى قاسم خلال خطبة يوم الجمعة أمس معارضة العلماء تقنين الأحوال الشخصية عبر البرلمان».

نكتفي بهذا القدر، فالقائمة تتسع للكثير من الشهادات المؤدية جميعها إلى دروب الأسئلة والخواطر التي مفادها:

1- ما المختلف بين تصريح الأول من فبراير 2004، وبين تصريحات علماء الدين الرافضين لتقنين قانون الأحوال الشخصية؟ وهل يمثل المختلف ثابتا أم قابلا للتحول في أية لحظة وتحت أية اعتبارات سياسية كانت أو غير سياسية؟ فالتصريح تناول بعض القضايا التي هي في الأساس تشكل أحد مضامين قانون الأسرة (الأحوال الشخصية)، على سبيل المثال صندوق النفقة الزوجية، وإعادة تنظيم وثيقة الزواج، فهي جميعها تتضمن جزءا من مقترح القانون الذي قدم لنواب البرلمان العام الماضي، بغية تشريعه وسنه كقانون مدني، تمت مواجهته والتصدي له بخطاب متحامل ورافض لتقنين قانون الأسرة من قبل البرلمان، هذا وإلى الآن لم نتلمس أي رد فعل بمستوى ردود الفعل السابقة من قبل بعض علماء الدين، بشأن تصريح فبراير 2004، هنا يطرح السؤال، هل تحقيق المطالبة بسن قانون للأحوال الشخصية، سيتم وبالتدريج والتقسيط وعلى دفعات، ويأخذ شكل قرارات فوقية من سلطة الحكم بعد أن يتم رفعها كمقترحات من قبل المجلس الأعلى للمرأة، وعليه يفترض في المجلس الأعلى للمرأة أن يمثل القلب النابض للنساء البحرينيات والمعبر الحقيقي عن وجودهن وتطلعاتهن في المجتمع؟

2- من المفرح ولاشك، تبني القيادات العليا للمطالب الحقوقية والتشريعية للنساء والأهم تحسس همومهن، وخصوصا هي - أية القيادات - تمتلك مفاتيح الحل والربط، والنفوذ والمال والسلطة، فهي المتربعة على المقاعد الوثيرة لصنع القرار، وبالتالي فاعليتها على تحقيق المبتغى ستكون بالطبع أسرع وأجدى وأكثر فعالية. ومن المحزن كثيرا، أن الدعوة لتحقيق بعض المطالبات لم تتزامن مع الحركة المطلبية النسائية المستمرة من قبل الجمعيات النسائية طيلة الفترة السابقة والحالية، على رغم تصدرها وخوضها المعارك التاريخية للمطالبة بتحسين ظروف المرأة البحرينية، فضلا عن اشغالها والهاها خلال العامين الماضيين وإلى الآن بلعبة القط والفأر من أجل الاعتراف بشرعية ووجودية الاتحاد النسائي البحريني قيد التأسيس، وهو الإطار الشعبي الذي يفترض من خلاله تأطير الجهود والمطالبات الحقوقية للمرأة البحرينية.

3- يستوقفنا كثيرا، وندعو للتأمل فيما قيل إن تحويل الأحوال الشخصية من مظلة الشريعة إلى مظلة المؤسسة الوضعية جناية كبيرة، ويحق السؤال هنا، ما جناية وذنب نساء البحرين في استمرار معاناتهن في المحاكم وفي القهر والإذلال والعنف الذي يعانين منه يوميا، لا مبرر له إلا غياب القانون والتشريع الذي يحمي المرأة والأسرة على السواء، والتحكم في مصيرهن من قبل نظام قضائي شرعي وصفته لجنة العريضة النسائية بالمختل بسبب تفاوت معاييره مع المعايير الدولية التي تنحو صوب شرعة حقوق الإنسان وكرامته.

4- ويفرح كثيرا تنبه الحركة العمالية البحرينية، وتلمسها لمواضع معاناة المرأة العاملة البحرينية، والمتمثلة في مظاهر التمييز ضد المرأة في الحصول على الأجر والعلاوات والامتيازات المماثلة للرجل في حال قيامهما بالعمل نفسه وتحمل المسئوليات ذاتها، وفي التعرف على عمق وأبعاد المعاناة الإنسانية لها كإنسانة عاملة وأم في الوقت نفسه يتحتم عليها تمثل أدوارها كطرف مسئول عن استقرار الأسرة، وعليه طالب الاتحاد العمالي وكما ورد في خبر الورشة الآنفة الذكر، بتمديد إجازة الوضع بالأجر لتكون (70) يوما بدلا من (45) يوما، والتأكيد على وجوب توفير دور الحضانة في المؤسسات التي تستخدم أعدادا كبيرة من النساء، إما من قبل صاحب المؤسسة بمفرده، أو بالاشتراك مع مؤسسة أو مؤسسات أخرى وتحت شروط ومواصفات نظام دور الحضانة التي تقررها وزارة الصحة، وغيرها من البنود، كل ذلك الجهد عملا والتزاما بالاتفاقات العربية والدولية التي وقعت عليها حكومة البحرين بشأن إجازة الوضع وحماية النساء العاملات، خصوصا ما ينص منها على: «أن يكون للمرأة العاملة الحق في الحصول على راحة قبل الوضع وبعده لمدة لا تقل عن 10 أسابيع وتمنح أجرا كاملا أثناء الراحة يؤديه صاحب العمل أو هيئة التأمينات الاجتماعية بحسب الأصول». نكرر ثانية ونعبر عن الفرحة بهذا الجهد، لكن المحزن هو خفوت صوت الجمعيات النسائية التي طالما أكدت في مختلف المحافل والمنتديات تمثيلها للمرأة البحرينية، فالأعمال ليست بالنيات الإنتظارية، إنما الأعمال هي بالأعمال، وما يتحقق منها على أرض الواقع.

5- الكل يدرك أن الاجتهادات والمطالبة بسن التشريعات، أو تعديلها أو إنجازها لصالح المواطن عموما، وللمرأة خصوصا تتطلب قانونيين، وإعلاميين وسياسيين ونقابين، ومن كلا الجنسين، بيد أن العبء والأساس يتشكل ويتجسد من قبل النساء، وأي نساء؟ طبعا اللواتي يتحسسن هموم المرأة في المجتمع ومعاناتها مع الفقر والمرض والجهل، وانعدام فرص الاستقرار أما بسبب عدم توفر السكن الملائم، أو بسبب التمييز السلبي ضد المرأة وعدم ضمان فرص العمل، أو ظرد وف العمل السيئة، التي تمارس فيها ضغوط قد تؤدي إلى خسارة المرأة لوظيفتها، أو بسبب الغبن وانخفاض مستوى أجور النساء مقارنة بالرجال، أو عند تعليق حياة بعضهن بسلسلة المحاكم بسبب حالات الطلاق التي تستند على قرار تلك المحاكم التي تدور في أفلاكها ردحا من السنوات، وتصل فيها المساومات إلى خسارة كل ما لها من حقوق، أنها مشكلات بحاجة إلى معاينة دائمة، يومية وأزلية، أن تتمثل أهداف تلك النساء في حل الأزمات وليس رفع الشعارات والدخول في حروب ومنافسات لا تحقق إلا مزيدا من التشرذم والابتعاد عن النساء البسيطات اللواتي هن في أمس الحاجة إلى من يأخذ بأيديهن. هذه الملامسة تحتاج إلى التفات جاد ودراية أوسع من قبل الجمعيات النسائية، بحاجة إلى وعي وحسن نظر لسلم الأولويات والأجندات التي لن تتجسد على متن الواقع إلا من قبل الملتهبة أيديهن في النار والمغمورة في الأوحال

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 533 - الجمعة 20 فبراير 2004م الموافق 28 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً