العدد 5324 - الثلثاء 04 أبريل 2017م الموافق 07 رجب 1438هـ

انتهزوا فرص الخير

جاسم الموالي feedback [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قال الإمام علي عليه السلام: انتهزوا فرص الخير، فإنها تمر مر السحاب. وقال: إذا أمكنت الفرصة فانتهزها، فإن إضاعة الفرصة غصة.

الكثير من الفرص لم ننتهزها وضاعت، في الحياة الأكاديمية والمهنية والتجارية والاجتماعية. لكن كيف يتعامل اليابانيون مع الفرص؟

في سنة 1971 عُقد مؤتمر لصناع الساعات السويسرية في العاصمة السويسرية (جنيف) لمدة يومين، حضره علماء ومفكرون، كان المؤتمر يناقش سبل تطوير صناعة الساعات.

قبل نصف ساعة من الاستراحة في اليوم الثاني اقترح باحثان غربيان فكرة صنع ساعة تعمل بالبطارية. فتعالت الضحكات الساخرة من الفكرة، الأمر الذي أصاب هذين الباحثين بالخيبة والحَرَج.

بعد أن حان وقت الاستراحة تقدم ممثل للحكومة اليابانية - خارج قاعة المؤتمر وبشكل سري - بعرض لذينك الباحثين مفاده دعوتهما لزيارة اليابان لمناقشة الفكرة، مع التكفل بجميع مصاريفهما، وشيك بقيمة مليون دولار مقدماً حتى إذا لم تنجح الفكرة، أما إذا نجحت الفكرة فالمكافأة ستكون أكبر بكثير.

لاحظ أيها القارئ الكريم، في نصف ساعة اتصل ممثل الحكومة اليابانية ببلاده، وأخذ الموافقة على دعوة الباحثين، وتكفل نفقات سفرهما وتحمل مكافأة ضخمة لمناقشة فكرة قد تنجح وقد لا تنجح.

نحن نكرر أن الغرب دائماً يشجع الأفكار ونحن العرب والمسلمين نسخر من كل فكرة جديدة. لاحظ أيها القارئ الكريم هنا أن الذين سخروا من الفكرة هم علماء - ولعل أكثرهم غربيون - وفي مؤتمر في الغرب أيضاً. قد يقول قائلٌ هذا استثناء وليست القاعدة.

ونظراً لإيمان الباحثين بفكرتهما، ودفعاً لما هما فيه من حرج وخجل بسبب استهجان فكرتهما، وأيضاً لأن المكافأة سخية، وافقا فوراً على تلبية الدعوة وسافرا لليابان بعيد انتهاء المؤتمر. كان نصيب اليابان من سوق إنتاج الساعات يومها هو 17 في المئة ونصيب سويسرا وحدها هو 71 في المئة.

في اليابان، نوقشت الفكرة ونجحت وتم إنتاج الساعات التي تعمل ببطارية، وبعد خمس سنوات ارتفع نصيب اليابان من سوق الساعات إلى 72 في المئة.

هذا مثال على اغتنام اليابانيين للفرص والأمثلة كثيرة.

ومثال آخر هو ما تحدث عنه رجل أعمال أميركي: قال حضرت مؤتمراً لرجال أعمال في إحدى البلدان الغربية لمدة 3 أيام. وبعد نهاية اليوم الثاني كنت أسبح في بركة الفندق الذي يعقد فيه المؤتمر. كان الجو بارداً بعض الشيء وبدأ المطر يهطل شيئاً فشيئاً، ما جعل مرتادي البركة ينسحبون واحداً تلو الآخر. حتى بقي القليل منهم. في هذه الأثناء اقترب مني ياباني وبدأ يجاذبني أطراف الحديث ثم فتح جرار «تُبانه» سرواله القصير، وأخرج منه بطاقة أعمال Business Card وناولنيها. كانت البطاقة مغلفة بنايلون لمقاومة الماء laminated. سألته - وقد وعيتُ الدرس - هل كل بطاقاتك بهذه الصورة؟، فضحك وقال: كلا، فقط ما استخدمه في وقت السباحة في بحر أو بركة. ويوم غدٍ سينفض المؤتمر وقد لا ألقاك، فأحببت أن أغتنم فرصة لقائك. قال الأميركي: فقلت في نفسي كيف وأنى للأميركيين أن ينافسوا شعباً هذا مستوى حرصه على اغتنام الفرص.

أما نحن العرب فقد يسافر بعضنا لمؤتمر أو معرض وينسى أن يحمل بطاقاته معه - حدث لي هذا شخصياً غير مرة -. وتسألني هل كان نسيان البطاقة قبل قراءة هذه الحادثة بين الأميركي والياباني أم بعدها؟ والجواب للأسف «من قبلُ ومن بعدُ»!

وهذا ما يؤكد أن امتلاك المعرفة ليس قوة، إنما القوة في تطبيق المعرفة. بل إن الناس تلوم من يعلم، وتخالف أكثر ممن لا يعلم، وهم محقون في هذا.

وتجربة أخرى في اغتنام اليابانيين للفرص، حدثني بها متدرب خليجي، كان قد حضر عندي دورة تدريبية في مدريد، قال لي ونحن نناقش موضوع اغتنام اليابانيين للفرص، هل تسمح لي أن أشارك المتدربين تجربة حدثت لي شخصياً، قلت له تفضل. فقال كنت أعمل مدير مكتب أحد الوزراء في إحدى الدول الخليجية، وكان السفير الياباني قد جاء لزيارتنا في الوزارة، فكلفني الوزير أن أكون في استقبال السفير عند مدخل المبنى، وأن أصطحبه للدور الذي يقع فيه مكتب الوزير، وهكذا كان، ما حدث أن المصعد الذي استقليته أنا والضيف تعطل لمدة دقيقتين ونحن في جوفه، ما أصابنا بالحرج أمام الضيف الكريم، وعندما انفتح باب المصعد كان الوزير في استقبالنا عند باب المصعد، وقدم اعتذاره للضيف، الذي أجاب، لا، لا داعي للاعتذار، فقط، المصعد لم يكن يابانياً وإلا لما تعطل، ضحك الجميع وزال الحرج. اغتنم السفير الفرصة في الدعاية للمصاعد اليابانية بنكتة صغيرة مناسبة جداً للموقف.

وهذا تطبيق عملي للقول المأثور عن الرسول الأعظم (ص): الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها. يقال إن إحدى مرادفات كلمة مشكلة في اللغة اليابانية هي فرصة، فالمشكلة عندهم تعتبر فرصة وليست مصيبة. اللطيف أن لفظة «صد دام» بالفارسية تعني مئة مشكلة. تلفظ كما نلفظ نحن العرب كلمة «صدَّام».

ولفظة «كابل» بالأفغانية هي ماء في وسط وردة. واللطيف أيضاً أن البرلمان في اليابان يسمى «دايت»، أما هل هو فعلاً دايت أم لا؟ فلا أدري.

إقرأ أيضا لـ "جاسم الموالي"

العدد 5324 - الثلثاء 04 أبريل 2017م الموافق 07 رجب 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 4:23 ص

      احسنت دكتور جاسم الموالي ..كم انت موسوعة علمية ,مقال معبر .

    • زائر 3 | 6:37 ص

      للأسف في مجتمعاتنا العربية اذا ألقيت السلام البعض لا يرد السلام فكيف لنا بفتح حوار وكأنك تريد من هذا الشخص شيء او انت انسان سهل يمكن الضحك عليك بسهوله ولعل المجتمع البحريني بالأخص يفتقر لأساليب التواصل الاجتماعي وأسلوب الحوار فيا حبذا لو كان هناك مواد تدرس في المدارس والجامعات لها علاقة بكيفية التواصل مع الآخرين وكيفية فتح حوار مجدي ومفيد بدل من المواد الجافة التي تدرس كالتاريخ وغيرها الذي لا يجدي نفعا فالطالب يتخرج من المدرسة ولا يعرف يتكلم كلمتين

    • زائر 1 | 11:24 م

      أحسنت أستاذ جاسم الموالي! مقال رائع! ومن الفرص التي أتعجب للناس عدم الإستفادة منها هي أدوات التواصل الإجتماعية! هي فعلا أدوات رائعة وفرصة مهمة لخلق أجواء التشاور ولكنها تحولت بفضل الفهم الخاطئ للعقيدة إلى أدوات نشر العصبية والصراع للأسف!

اقرأ ايضاً