تابعت بكل اهتمام تعليقات الجمهور حديثاً على فيديو نشر في أكثر من حساب على موقع «الإنستغرام» عن الجمعيات الخيرية بين الاتهامات والحقيقة. في الفيديو، الممثلان عيسى أحمد وموسى بحر يقدّمان أحد ممثلي الجمعيات الخيرية ليعرض بعض المؤن الغذائية لأحد أرباب الأسر المحتاجة، فيشكره رب الأسرة ويضيف بأنه لم يطلب مواد غذائية؛ ولكنه طلب مبلغاً من المال ليغطّي به بعض الاحتياجات لعلاج بناته، ومستلزمات وملابس ومصاريف دراسة ابنه. وينتهي الفيديو بزعل وتعليق من رب الأسرة يقول «بأنكم ما تخدمون إلا ربعكم بس».
لفتت انتباهي كثرة التعليقات التي وصل عددها على هذا الفيديو في أحد الحسابات إلى 266 تعليقاً، وبحكم انغماسي كثيراً في شئون وشجون الجمعيات الخيرية طوال سنوات كثيرة، فقد آلمني سماع بعض هذه التعليقات كما أسعدني البعض الآخر. الموضوع مميّز؛ ولكنه حساس بعض الشيء، ولذلك سأحاول في هذا المقال غربلة بعض هذه الآراء وتحليلها لكي أستنتج منها عدداً من الحلول، التي قد تساعد على تضييق الفجوة بين هذه التعليقات الإيجابية والسلبية، وبالتالي تعود الفائدة على الجمعيات الخيرية، ومن ثم على الأسر المحتاجة التي تخدمها هذه الجمعيات في البحرين.
تعليقات ناقدة ومؤيدة
يمكن تلخيص التعليقات السلبية المذكورة وتصنيفها إلى عدة محاور، أولها، وهذا هو صلب موضوع الفيديو، بأن بعض القائمين على الجمعيات «يساعدون ربعهم فقط»؛ وأن «تكون المساعدات نقداً بدلاً من المواد الغذائية التي قيمتها ضعيفة وغير مجدية ليستفيد منها الفقير بصورة أفضل»؛ وأن هناك «بيروقراطية زائدة في البحث الاجتماعي»، وأن «بعض الجمعيات تتصرّف بدون منطق أو حكمة»، وأن «بعض أعضاء الجمعيات لا يملكون حس المسئولية»، وأن «أغلب الجمعيات الخيرية تعيش الفوضى الإدارية، وليست لديها الخبرات والطاقات الأكاديمية المتخصصة في علم الاجتماع والاقتصاد».
أما التعليقات الإيجابية فهي تأتي دفاعاً عن الجمعيات الخيرية، فأحدهم يقول بأن «الجمعيات لم تعد كالسابق تقدّم مواد غذائية فقط؛ بل هناك كوبونات تتيح للعوائل شراء ما تراه مناسباً من أسواق كبيرة ومتنوعة. كما أن مساعدات العلاج والدراسة والزواج موجودة وكذلك مساعدات البناء والصيانة وغيرها».
وعن تسليم المساعدات نقداً يقول: «تسليم المبالغ باليد ليباشر رب الأسرة التصرف بمعرفته فهذا أمرٌ له سلبيات كثيرة، ولهذا تم تقنينه ووضع ضوابط له من قبل الكثير من الجمعيات». وأن «البعض مع الأسف لا يحسن التصرف في المال، فبمساعدته في هذه الحالة بالمواد أفضل سواءً مواد غذائية أو مواد بناء أو أي شكل من أشكال المساعدة العينية. وإذا كانت حاجته دراسة أو علاجاً أو غيره فيمكن للجمعية مساعدته بعد إجراء دراسة عليه».
أحد المعلقين يؤكد بأن «العمل الخيري والتطوعي يعاني من شحّ في الإمكانات البشرية، ومجالس إداراتها وكوادرها العاملة، مازالت الأسماء كما هي منذ سنوات طويلة لأنه لا أحد يريد وجع الرأس وتحمل المسئولية». كما أن «هذا العمل تطوعي، يعني أن الواحد يصرف من وقته الخاص وجهده مجاناً من أجل مصلحة المجتمع، لذلك تجد القصور في الكفاءات واليد العاملة في هذا المجال لأن الجميع يُعرض عن ذلك».
يقول أحدهم: «جزاهم الله خيراً، كل من يعمل في الجمعيات، فهم يعملون دون مقابل فلهم كل التقدير والاحترام لكونهم تركوا أسرهم وأعمالهم وتفرّغوا لعمل الخير وخدمة المجتمع، وعلينا أن نقدّرهم ونشكرهم». وقال آخر: «إن القائمين على الجمعيات بشر.. بني آدم.. يعني فيهم الصالح وفيهم الطالح.. فيهم الزين وفيهم الشين. فيهم ملائكة وفيهم الشيطان الرجيم». بالمقابل يقول أحد المعلقين: «تعاملت مع عدد من الجمعيات بحكم عملي ورأيت مدى إخلاصهم وتفانيهم وتحملهم للأذى في سبيل رسالتهم. الله يعينهم ويقويهم».
وطرح أحد المعلقين سؤالاً وجيهاً يستدعي التفكير والتقييم الموضوعي: «شخص طلب مكيف (ويندو) قيمته لا تزيد عن 80 ديناراً، وفي نفس الوقت لديه هاتف آيفون 6 قيمته ثلاثة أضعاف المكيّف، فهل توفّر له الجمعية ذلك؟».
واقع الجمعيات
الواقع يؤكّد حتماً وجود هذه السلبيات والإيجابيات؛ ولكن ما هو القائم حالياً من تطوير في بيئة هذا المجال الخيري التطوعي المهم للإستجابة لمضمون هذه التعليقات؟
يجب أن نؤكد، من واقع تجربة طويلة، أن الجمعيات تعيش ظروفاً استثنائية قاسية، بسبب عوامل كثيرة قد تم التطرق لها في مقالات سابقة، ونريد أن يستوعبها ويدركها الجميع. فالعوامل الخارجية فيها من السلبية الكثير بسبب عدم اهتمام السلطات المختصة بما يكفي لمساعدة هذه الجمعيات ودعمها وتطويرها، بل هناك من الإجراءات ما يعوّق هذا التطوير، ومنها على سبيل المثال فقط، تراخيص جمع المال، التي إما أن يتم التأخير في إصدارها أو رفضها بالكامل وبدون سبب.
وكذلك الظروف الاقتصادية السيئة للأسر المحتاجة بسبب التقشف الحكومي عموماً والعاطلين عن العمل من ذوي الدخل المحدود وأفراد الأسر المحتاجة، والظروف الصعبة للمانحين والمتبرعين والمحسنين من المواطنين ورجال الأعمال. أما العوامل الداخلية فهي أيضاً كثيرة، وتتلخص في شحة موارد الجمعيات المالية، عزوف الكثير من الكوادر من الرجال والنساء وحتى الشباب عن الدخول في هذا المجال، قلة عدد القيادات وأصحاب الخبرات والكفاءات المتخصصة، وعدم كفاءة الأنظمة الإدارية الحالية وضعف في آليات الحكم الداخلي، ونقص في التدريب على التخصصات المهمة للجمعيات مثل التخطيط الاستراتيجي والمالية والتسويق وإدارة المشروعات والبحث الإجتماعي وإدارة المتطوعين.
في ظل هذه الظروف الصعبة، فإن الجمعيات مطالبة بالمزيد لإرضاء المتعاملين معها ومن تخدمهم من الأسر المحتاجة وأفراد المجتمع، على رغم أن «رضا الناس غاية لا تدرك».
تطوير وحلول
هناك توجه بدأ منذ مدة في تطوير أساليب العمل بالنسبة لكيفية تقديم المساعدات ونوعيتها للفقير والمحتاج، مع العدالة في توزيعها، وهذا بالضبط ما يشكو منه الكثير من المعلّقين على الفيديو، حيث قامت الكثير من الجمعيات بإصدار دليل استرشادي للمساعدات الاجتماعية، ووضع أسس لها لضمان الشفافية والعدالة. ويتضمن الدليل آلية موحدة لاحتساب نصيب الفرد، معايير تصنيف الأسر المتعففة، نوع ومقدار المساعدات بحسب تصنيف الأسرة، وآلية احتساب مقدار المساعدة الشهرية مثلاً، ومعايير البتّ في طلبات المساعدات بكافة أنواعها. كما يتضمن الدليل آليات اتخاذ القرارات والتظلمات وحفظ كرامة المتعففين، والأجمل أن هذا الدليل يسلم إلى الأسر المستفيدة، للتعرف على حقوقها وكيفية اتخاذ الجمعية لقراراتها.
لتنظيم العمل الداخلي للجمعيات وحل بعض الإشكاليات، فإن الكثير من الجمعيات توجّهت لتغيير نمطية العمل من الأسلوب التقليدي إلى أسلوب الأنظمة الإلكترونية التي تمكّن أعضاء الجمعية من اتخاذ قراراتهم دون الحاجة لتواجدهم في مقر الجمعية، وذلك بالإستفادة من مبادرات بعض الجمعيات باستحداث نظام متكامل يربط عمل البحث الاجتماعي بالأنظمة المحاسبية بالتعاون مع عدد من المتخصصين في البرمجة الحاسوبية، وهو ما مكّن الجمعيات من زيادة معرفتها بالأسر المتعففة وسرعة البت في طلباتها. وأيضاً توفير بيئة محفزة للشباب والكفاءات للإنخراط في العمل التطوعي.
كما أن الكثير من الجمعيات الخيرية قد استفادت من توفر دورات تخصصية لتدريب العاملين في هذا المجال في مختلف التخصصات التي تحتاجها. وقد تم خلال العامين الماضيين عقد أكثر من 20 دورة تدريبية واستفاد منها 240 مشاركاً، آخرها دورة «أخلاقيات العمل بالمنظمات غير الربحية» التي من محاورها أهمية القيم المؤسسية في الإدارة، ودور مدونة السلوك الأخلاقي في إيجاد ممارسات عمل ناجحة، وتأثير ممارسات مجلس الإدارة في صنع الثقافة المؤسسية.
نعتقد بأن الوقت مناسب لقيام الجمعيات بصياغة مدوّنة قواعد السلوك الأخلاقي، وهي قيم أساسية لأخلاقيات العمل الخيري التطوعي، ومن مبادئها الشفافية والنزاهة والأمانة والإستقامة والحيادية والموضوعية والعدالة والمساواة؛ وتهدف إلى غرس مكارم الأخلاق لدى المتطوع، والنأي بنفسه عن مواطن الشبهات التي قد تنال من كرامة عمله التطوعي وهيبته، وتوجيهه لضرورة تقديم خدمات الجمعية بصورة سريعة وبجودة عالية للفقراء والأسر المحتاجة، ولباقي أفراد المجتمع البحريني.
يبقى أيضاً على الجمعيات الخيرية أن تبذل جهوداً مضاعفة في تطوير أساليب عملها الإعلامي، والذي بدوره سيسهم بشكل كبير في إيضاح الصورة الحقيقية للجهود التي تبذلها هذه الجمعية أو تلك. بل أصبح في اعتقادنا أن العمل الإعلامي المحترف من الضروريات الأساسية لتطوير العمل الخيري وتنميته، وبه يرد على كثيرٍ من الشبهات التي تؤثر سلباً على العمل الخيري، وبما لا يمسّ من كرامة الأسر المتعففة.
إقرأ أيضا لـ "حسين مدن"العدد 5318 - الأربعاء 29 مارس 2017م الموافق 01 رجب 1438هـ
في كل مكان يوجد الزين والشين لانعمم لكن هناك صناديق اوجمعيات خيريه لاتعمل على ايجاد المحتاجين المتعفيين الفقراء عندهم عزة نفس خاصه اللي رواتتبهم 250او 300 وعندهم اولاد وعايشين في غرفه اما بالنسبه للاخ يقول واحد يشتري صافي يعني تباه ياكل عدس طول عمره لو لان مخباك مليان تستكثر على هالفقير اكل السمج ارتقو قليلا
بعض اعضاء الجمعيات متواجدون مند التأسيس ياريت يتركون المكان للشباب والوجوه الجديده
ترى الجمعيات ما تقصر بس فى اشخاص من الجمعيات ابدون ربعهم وهاده واقع وليس غريب
اتذكر ما يسمون بالفقاره ( جمبازبة ) في احد المحسنين طلب منه فقير مبلغ من المال وعطاه واذا بالفقير اتى الى سوق السمك واخذ كيلوبن من الصافي الغالي ولما شافه المحسن قال انا ما اشتري الا الرخيص واساوم بعد وهذا سيده عذاه الفلوس واخذ الصافي
هذا نموذج للذين بستلمون المساعدات وهم جمبازيه
من واقع خبره ، اكثر المتقدمين للاستفاده من دعم الجمعيات الخيرية جمبازية وليس لهم الحق في اموال المساعادات
وبصراحة تامة الان لايوجد فقير في البحرين ولا يوجد شخص ليس لديه ما يأكل واذا وجد فهو بسببه لانه لا يعرف كيف يدير اموره الماليه ، الارامل والمطلاقات والايتام وغيرهم احين الشئون الاجتماعية تعطيهم
يجب قصر المساعدات على
الصيانة والبناء
الحوادث والحريق
التعليم
اما عن الاكل والاثاث وغيرها يجب ان تتوقف
شكراً لكاتب المقال وبارك الله فيك، بقي أن نوضح للمسؤولين في مملكتنا الحبيبة الالتفات للعاملين في مجال العمل الخيري والاهتمام بهم بسبب تحملهم مسؤلية كبير عن عاتق وزارة التنمية ولابد من تسهيل جميع أمور الجمعيات لا أن تضع المعوقات أمامهم كما يحدث للأسف الآن بخصوص طلبات المال فهي العمود الفقري للجمعيات وتوقفهم يؤدى للشلل تام للعمل الخيري في البلاد. شكراً لكم.
لا يستطيع احد ان ينكر كلّ ما ذكرت ففيه الكثير من الحقائق ولكن:
انا من خلال عملي في احد الصناديق الخيرية لاحظت سلبية المجتمع في العمل التطوّعي فغالبية الناس ليسوا على استعداد للمشاركة في العمل التطوّعي لكنهم جاهزون للنقد ومحاولة تكسير المجاديف ولا يقدّرون أي عمل مهما
كان .
نعم نحن مجتمع تعوّد على الكسل والجلوس ونريد من يخدمنا واذا وجد من يقوم ببعض الاعمال التطوعية لا يسلم
من السنة الناس بحجة او بدون
مقال ممتاز. نحتاج تفعيل اتحاد للجمعيات الخيرية بصورة قوية وجادة. للدفاع عن مصالح الجمعيات والمستفيدين في مختلف المواضيع. أتمنى أن يتحرك الناشطين في هذا المجال على الأمر.
نعم الجمعيات الخيرية بحاجة إلى مدونة الأسلوك الأخلاقي، وكل متطوع أو موظف بالجمعية عليه أن يقرأها ويقوم بتوقيعها
حبيب الهملي
مقالات رائعة نتمنى أن تصل إلى آذان المعنيين من الحكومة حيث التضييق والتقشف ومن إدارات الجمعيات للتطوير وأخذ الإنتقادات على محمل الدراسة ومن الناس الذين لايجدون سوى اللإنتقاد ويبتعدون عن تحمل المسؤولية ... بورك قلمك أبا علي
أكبر مشكلة تواجه العمل التطوعي في البحرين هي خدمتهم لربعهم فقط!كل من يجر گرص الخبز لصوبه!الفؤية والحزبية مسيطرة وإذا إنته ما تنتمي لحزبهم وما إتوالي زعيمهم إذا أنت من المغضوب عليهم وفي القائمة السوداء فلا يساعدونك!
عريزي ... ما راح اتجادل معاك ... بس عشان تثبت ها الكلام لازم تعرف الجمعية تساعد من من افراد المجتمع وليش ساعدته وهذا من الامور الاخلاقية والسرية لعمل جميع الجمعيات الخيرية وكذلك وزارة التنمية الاجتماعية ... ما حد راح يعطيك اسم حتى الوزارة نفسها اللي من قبل كانت تعطي الجمعيات اسماء المستفيدين من المساعدات الاجتماعية واللي يعتبر مصدر دخل للاسر ... وبما ان الاستاذ من القوائم السوداء ليس ما تدخل ادارة الجمعية اوتخلي نسيبك يدخل عشان تستفيد وتفيد ترى ما حد بيقول لك لا
سؤال لك .. هل فكرت يوما بدخول هذه الجمعية لتصمت قليلا عن هذا الكلام التافه .. أتصورك أنك حتى لا تقدم دينارا للجمعية
الرد مالك يوحي انك من النوع اللي يبي أيسي قيمة ب٨٠ وعنده آيفون قيمته ٤٠٠ دينار ويتحلطم
الف شكر لكم استاذ حسين على هذا التوضيح مقال في الصميم / المحرقي
مقالك يا ابا علي غاية في الموضوعية اقد أصبت عين الحقيقة