إنها قضية قديمة جديدة، فقديماً خاطب أبو الطيب المتنبئ سيف الدولة الحمداني لمّا كثرت سرقة معانٍ سامية كان يضمنها شعره، بقوله:
أجِزْني إذا أُنْشِدْتَ شِعراً فإنّمَا ... بشِعري أتَاكَ المادِحونَ مُرَدَّدَا
لن أتناول هنا سرقة الجهود العلمية والفكرية والإعلامية، إذ الخَطْبُ فيها فظيع والكَلْمُ رحيب، وكفى بـ»غوغل» فاضحاً، وإنّما سيقتصر هذا المقال على سرقة جهود الآخرين في الحياة الاجتماعية والمهنية فقط، ولسرقة جهود الآخرين مساوئ كثيرة، ليس القارئ الكريم بغافل عنها. يقول الشاعر
كل من يدّعي بما ليس فيه... كذّبته شواهدُ الامتحانِ
ولا تحصل سرقة الفِكَرِ والجهود في العالم المتقدم إلا نادراً، لا عفةً ونزاهةً في الناس هناك، ولكن القوانين تُجرِّم هذا الفعل وتعاقب عليه. ففي اليابان ومن أجل علاج هذه الظاهرة، صمّموا نظاماً لاقتراحات الموظفين يمنع بصورة حازمة فاعلة سرقة الجهود في مجال الفِكَر، ويطلقون على هذا النظام مسمى «الاستثمار في العنصر البشري في مجال الاقتراحات»، يقوم على تشكيل لجنةٍ تسمى «لجنة الكايزن» في المنظمة، مهمتها النظر في الاقتراحات وتقييمها وتقويمها وتطبيق الصالح منها بشفافية تامة، ويتم مكافأة الاقتراحات المقبولة بعدالة منقطعة النظير.
وتقول أنديرا غاندي، وهي البنت الوحيدة لجواهر لال نهرو أول رئيس وزراء هندي بعد الاستقلال، (وبالمناسبة فعائلة غاندي هذه لا علاقة نسب لها مع المهاتما غاندي، وإنما هو تشابه في الاسم، ليس إلا)... تقول أنديرا غاندي: «قال لي أبي جواهر لال نهرو: هناك من يقوم بالعمل، وهناك من يَدَّعِي أنه قام بالعمل، أوصيك يا بُنيتي، كوني ضمن الطابور الأول، لأن الطابور الثاني مزدحمٌ كثيراً».
ما يريد نهرو أن يقوله هو أن من يعمل بصمتٍ قليلون، والكثيرون من ناحية أخرى لا يعملون، وإنّما يسرقون أعمال وجهود الغير وينسبونها لأنفسهم.
وتسأل ما رأي الشريعة الإسلامية في هذا الشأن؟ ويبرز قوله تعالى كجواب شافٍ وصريح، حيث يقول سبحانه وتعالى في الآية 188 من سورة آل عمران: «لا تَحْسَبَنَّ الذينَ يَفرحُون بما أَتَوا ويُحِبُّون أَنْ يُحْمَدوا بما لم يَفْعلُوا فلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمفازةٍ من العذابِ ولهُمْ عذابٌ أَليمٌ».
ولعل القارئ الكريم قد صادف في حياته الاجتماعية والمهنية بعض هؤلاء المتسلقين على رقاب الآخرين، من يسرقون فِكَرَ وجهود الآخرين وينسبونها لأنفسهم طمعاً في المكاسب الدنيوية، وهم يعلمون جيداً قبح ما يجترحون، ولكن، لمن تقرأ زبورك يا داوود؟
تكتب أنت التقرير وتبذل فيه جهوداً كبيرة، ثم تراه بعد فترة مُذيَّلاً بتوقيع رئيسك أو مديرك، ولا تستطيع أن تفعل شيئاً، ولو قلت ما سُمع قولك ولا صغى أحدٌ لشكواك. لا تملك إلا أن تدعو ربك بقولك: اللهم غيِّر سوء حالنا بحسن حالك يا كريم. وتسمع صدى الجواب: إن الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم.
يصلح غيره بين فئتين من المؤمنين، فينسب الفضل لنفسه كذباً، أو يقترح غيرُه فكرةً نافعة، فيزعم أنه هو صاحب الفكرة، وأنها من بنات أفكاره.
وهنا بعض أسئلة موجهة للقارئ الكريم للنظر فيها:
1.هل لمستوى التعليم والثقافة أثر في ادعاء الإنسان ما ليس له وسرقة جهود وفِكَرِ الآخرين؟
2.هل تتميز مجتمعات عن غيرها في هذا الشأن؟
3.هل ثمة فرق بين الرجال والنساء في هذا المضمار؟
4.هل هذه الظاهرة في ازدياد أم اضمحلال؟
و5.ما سُبُلُ الحد من هذه الظاهرة يا ترى؟
إقرأ أيضا لـ "جاسم الموالي"العدد 5317 - الثلثاء 28 مارس 2017م الموافق 29 جمادى الآخرة 1438هـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته )(جعفر الخابوري
الفساد وسوء النفوس والحقد من المسببات لهذه الآفه
الرادع عن هذه الأفعال وغيرها من الأفعال المشينة اثنان: 1- رادع خارجي متمثل في قانون صارم يطبق بعدل على الجميع. ورادع داخلي متمثل في الضمير. وهذا الضمير يقويه الثقافة والتعليم والدين (الورع والتقوى).
نعم تتميز مجتمعات عن غيرها بتغير العاملين السابقين. لا فرق بين الرجال والنساء.
والله يا أستاذنا عندنا سرقات مجهود عيني عينك، اتجي المسؤولة ما تعرف اترد على ايميل، تعالي يا فلانة وكتبي الإيميل وطرشيه اليي ولا بعد ذكريني اني اطرشه، ويا ويلها الا ما تعبدها واتنفذ أوامرها، كل هذا عشان كل شي يجي باسمها وبمجهود اللي حواليها.
أحسنت
نائب اخواني سابق كان يسرق مقالات لكتاب آخرين ويضع عليها اسمه
زين غذا كنت مب قدها ليش تكتب وتحشر نفسك مع الكتاب؟
سرقة بيوت المقشع
أعجبني الموضوع كثيرا شيخ جعفر الموالي! أحسنت!