المعروف عن المجتمع الياباني أنه مجتمع منظم ومنضبط وملتزم بالقوانين، والأهم من ذلك أنه مجتمعٌ يزدري الفاسدين ويحتقرهم ويرمقهم بالنظرات القاسية والمهينة، فليست القوانين والقضاء والمحاكمات هي وحدها ما يخيف الفاسد في هذه البيئة المجتمعية فحسب، ولكنها سياط عيون الآخرين الذين يحيطون بالفاسد، حيث يحملونه على الشعور بالذنب والعار بوصفه موظفاً رديئاً ومسيئاً وخائناً للأمانة الوظيفية وللوطن أيضاً.
فالبلد الذي ينهض على الاقتصاد يعتبر الفاسد مواطناً مسيئاً لاقتصاد بلده وقيم مجتمعه، ونموذجاً غير جدير بالاحتذاء ويجب محاسبته فوراً، كي لا يشيع الفساد بينهم ويصبح كالسوس غير المرئي الذي ينخر في الداخل حتى يحيل المكان يباباً.
الفساد في المجتمع الياباني لا يترك الفاسد مرتاحاً أو متكيّفاً مع وضعه الجديد بعد اكتشاف فساده، بل يظل يضغط عليه كل يوم وبشتى الوسائل والطرق إلى أن يوصله إلى الانتحار. أما الفاسدون في الأرض العربية فلا يردعهم قانون ولا دين ولا ضمير ولا وطنية ولا حياء. ومما يؤسف له ويثير الأسى، أن تسجّل الدول العربية سنوياً درجات متدنية في معدلات الشفافية، وتصاعداً في مراتب الفساد بسبب انعدام الديمقراطية وغياب الحريات، في حين لا يقع في شباك القضاء والمحاكمات والمساءلة إلا الصغار وغير المحميين أو الذين يُراد التضحية بهم لأغراض سياسية أو دعائية.
قبل فترةٍ وقعت بالمصادفة على موقع الكتروني عربي بعنوان «تعالوا نروي حكايات الفساد»، أبطاله موظفون صغار وكبار وسياسيون ونواب ورجال أعمال يخوضون غمار الفساد يومياً. ووجد هؤلاء الكتاب الصغار ملاذاً آمناً في الفضاء الالكتروني للتعبير عن وجوه الفساد حولهم، والتي لا يجرأون على الإفصاح عنها في صحفهم العربية المقيدة والمحكومة بالرقابة الخارجية والذاتية. ورغم أن قصص الفساد مثيرة صحافياً وباعثةً على التحرك الرسمي والشعبي من أجل إخضاعها للمساءلة وإيصالها إلى النيابة العامة وأقسام الشرطة والقضاء والصحافة، إلا أن الكثيرين يُحجمون عن ملامستها خشية على أنفسهم وأرزاقهم وعائلاتهم، فمن يجازف ومن يعلق الجرس؟
قبل فترة زمنية وجيزة ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي والوسائط الجديدة في خلق المواطن الصحافي والناشط الحقوقي والذي ينطلق منفرداً بكاميرته وقلمه، فيوثّق ويرصد ويبثّ مادته الكترونياً، وينشر ما تمتنع الصحف عن نشره، فلم لا نعمل ونساهم في خلق وتمكين المواطن المكافح للفساد في كل موقع باعتبار أن هذا الفعل أسمى درجات الوطنية والولاء للوطن. فكرة خيالية قد تقولون، وقد يرد آخر: إن الفساد منتشر ومستفحل ومتجذر، وأقول: مادام الأمر كذلك، إذاً فهذا هو الوقت الملائم لنشر هذه الفكرة على أكبر نطاق. فسرد حكايات الفساد لا تعدو كونها قولاً دون فعل، وثرثرةً غير مجدية ولا تنتج شيئاً ذا قيمة، والفعل هو أن يكون لكل فرد منا دور حقيقي في كشف أوجه الفساد وفضحه والاستفادة من كل الوسائل والأجهزة المتاحة للتبليغ عنه.
إن شعار مكافحة الفساد عبر الاتفاقية التي أقرّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي اقتضت وضع استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد رسمياً هنا في بلداننا، لن تتحقق دون شراكة مجتمعية متكاملة من جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني ومن الأفراد أيضاً. فلدينا اليوم نيابة عامة وإدارة عامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والالكتروني، وخط هاتفي وطني (نزاهة) تتيح لكل مواطن التبليغ عن كل شبهة فساد. وبدايةً فإن الاتفاقية الأممية لمناهضة الفساد تريد القول أن دور الأفراد مهم ولا يُستهان به، وقبل عدة سنوات كنت أدير زاويةً لبريد القراء، ونشرت قصةً عن فساد إحدى الشركات الوطنية، وما هي إلا أيام حتى توالت حكاية فضح الفساد في الشركات والمؤسسات. لذا فإن تمكين المواطن المكافح للفساد هو حلقة مهمة لن يتأتى لها النجاح إلا بغرس القيم الاجتماعية التي تنبذ الفساد وتكافحه وتعاقب عليه في المناهج وفي الإعلام، وضمن القوانين والتشريعات.
إننا اليوم نعيش مرحلةً اقتصاديةً صعبةً، وقريباً سيتم إنشاء جهاز للضرائب بهدف رفد ميزانية الدولة المتضررة بفعل انخفاض أسعار النفط. والملف الاقتصادي بحاجةٍ إلى استراتيجية جديدة وفكر جديد يبدأ بمعالجة الاختلالات وتعيين الأكفاء والمؤهلين لإدارته، والنظر بعين الاعتبار لإحداث التوازن المطلوب رسمياً وأهلياً، وحماية أصحاب المداخيل الصغيرة، لذلك تقتضي الضرورة العمل على سيادة القانون وتعزيز الحوكمة الرشيدة والقضاء العادل والإعلام المستقل، وتوفير المعلومات التي تساعد على كشف الفاسدين في كل موقع.
ومن الضروري التأكيد على حقيقة أن عهد شد الأحزمة هو زمن مكافحة آفة الفساد المستشري في أوصال أجهزة الدولة كما يشير ديوان الرقابة المالية والإدارية على مدى سنوات، وهو منتشر أيضاً في الشركات والمؤسسات الخاصة أيضاً وبين مدرائها الذين قد يلجأون إلى أساليبهم القديمة والمعهودة في الاحتيال للتهرّب من دفع الضرائب والرسوم المستحقة عليهم راهناً ومستقبلاً. فأجهزة الدولة تصل إلى صغار الموظفين وتعرف مداخيلهم عبر أجهزتها، لكنّ كبار الموظفين والتجار والمستثمرين لهم وسائلهم في الهرب، وهذا ما يجب تداركه مسبقا .
لقد سادت في الأرض العربية للأسف بيئةٌ لا تجد في الفساد نقيصةً ولا عيباً ولا عاراً، ولا ترى الفاسد مسيئاً ومساهماً في تردّي الاقتصاد وخائناً للأمانة وللوطن معاً؛ بل إن هذا الفاسد ينهض بعد كل كبوة أو سقطة أو انكشاف، ويذهب لمواجهة المجتمع الذي ينافقه علناً ويزدريه سراً، ما يمكّنه من الاستمرار في فساده متمنياً من ربه وفي صلاته ودعائه أن يرزقه في كل خطوة مشروع فساد جديد!
ليست القوانين الرادعة هي المطلوبة فحسب، بل هناك دور آخر على المجتمع أيضاً، وجدير به أن يغيّر نظرته للفاسدين ويسهم في تعريتهم وفضحهم ولو بأضعف الإيمان، فالمجتمعات المتساهلة مع الفساد تجعل الفاسد يلج عميقاً في فساده بسبب التسهيلات المتوفرة له والاحترام المجتمعي الظاهري الذي يحظى به والذي يمنحه راحة واطمئناناً. فلنتمثل قيم اليابانيين في التعاطي مع الفاسدين كي نحملهم على نهج الاستقامة أو الانسحاب .
إقرأ أيضا لـ "عصمت الموسوي"العدد 5311 - الأربعاء 22 مارس 2017م الموافق 23 جمادى الآخرة 1438هـ
لا يعتر اليابان من الدول المتخلفة ولا من المتقدمة!!
فالتقدم في التكنولوجيا والتصنيع يقال له تقدم تقني. اين اليوم تقدم الانسان الياباني اذا جرد من الصناعة? اين الطبيعة الخلابه للشعب الياباني ?
اليابان غير واحنه غير
ان شاء الله نصير مثلهم بعد 100سنة
هذه في اليابان
اما عندنا فالله يستر عليه!
ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ......
عدتِ والعود أحمد ..
المشكلة استاذة اننا نظل في خشية و حذر من كل شيء و من كل أحد .. ولا احد يجرؤ على الكلام او الاشارة .. وإن فعل فإما يتم تكذيبه إن كان مسنوداً او يتم ... ان كان منكودا.
هذاك في اليابان
مب ندنا
عندنا ثقافة الله لا يغير علينا
وليس من شيم العرب.
ويش تقولين سيده....الفساد ملأ البر والبحر ...وعينك عينك ...انا احتاج الى ورق ككيس سميت واكتب فيه ...ولكن منه المجيب...خليه على الله
ممنوع ... يعاقب عليه القانون (النشر بدون ترخيص)!!