في مسألة العلاقة بين عمال المنازل وأرباب عملهم، أصحاب الأسر التي يعملون لديها لا تنتهي مقاومة الكثير من هذه الأسر لترقية هذه الفئة في نظرها إلى مصاف البشر الذين يتساوون في التوق للعيش بكرامة. وما قطع هؤلاء آلاف الأميال وتركوا أهلهم وبيوتهم وانسحبوا من مشاهد الحياة اليومية مع أحبابهم بحلوها ومرها، لأعوام قد تمتد العمر كله، إلا من أجل صيانة كرامتهم هذه، وكرامة من يحبون من العوز بما يكسبونه.
قد يكون البعض محظوظاً بالعمل لدى أسر تتفهم وضعهم الصعب بالعيش وسط أسرة غريبة ومجتمع غريب، ومتطلبات عمل قد تفوق قدرتهم على الاستيعاب والأداء، فيعاملونهم بالحسنى، وقد يُلقي الحظ السيء بأصحابه من هذه العمالة في بيوت لا تميّز بين الأجهزة الالكترونية وبين العاملة أو العامل، فتتحوّل حياتهم إلى جحيم ويتحوّلون بالفعل إلى وقود يحترق ليضيء لمن يعيلهم بعيداً في موطنه.
ناقش برنامج الرأي في تلفزيون البحرين حديثاً، مسألة تفتيش عاملات المنازل قبيل مغادرتهن أو تفتيش أمتعتهن التي يرسلنها بالشحن إلى أهاليهن. وانقسمت الآراء أو هكذا أريد لها من قِبل مقدمي البرنامج، لتحفيز النقاش الدائر بين رأي يؤيّد تفتيش أمتعة العاملات قبيل مغادرتهن بناء على القصص الكثيرة التي تروى عن «تفنّن» البعض في السرقة وفي إخفاء هذه المسروقات، واعتبر هؤلاء التفتيش حقاً من حقوق أصحاب العمل، أرباب الأسر التي تعمل لديها هذه العاملات. فيما البعض وجد أن في التفتيش، سواءً بعلم العاملة أو بغير علمها، فهو انتهاك لخصوصيتها.
الآراء القليلة التي استطلعها البرنامج من أصحاب الأسر كشفت عن حس إنساني عالٍ لدى الغالبية، بعدم تعريض العاملة للإهانة بالتفتيش في أمتعتها الخاصة، ذلك لأن التفتيش بحد ذاته يعني الشك في الأمانة. أكثر من رأي نأي عن انتهاك خصوصية العاملة الذي يعني اتهامها ضمنياً بالسرقة. فيما البعض اعترف بتفتيش متعلقات العاملة الخاصة في غيابها المتعمد لهذا الغرض. إحدى السيدات قالت إنها تفتش بشكل دوري غرفة عاملتها للبحث عما قد تخفيه هذه العاملة سواء أشياء مسروقة أو أي شيء آخر. البعض لم يجد حرجاً في تفتيش العاملة أمام عينها للتأكد من أنها لم تأخذ، والنية في الحقيقة أنها لم «تسرق» شيئاً أثناء خدمتها لديهم.
هناك أمران أساسيان يحكمان الجدل في مسألة التفتيش، الأول إنساني، إذ ينطوي الأمر على الكثير من المهانة للعاملة التي تتعرض لتفتيش أغراضها، خصوصاً إذا ما كانت تربطها علاقة جيدة بالعائلة، وهذا الجانب يخضع خضوعاً تاماً لصاحب العمل الذي بيده الأمر والنهي في مصير العاملة التي تعمل لدى أسرته.
والأمر الآخر قانوني، فلا توجد بنود تحمي الخصوصية الشخصية في القانون، وإن وجد فسيكون من الصعب تطبيقها على عاملات المنازل، شأنه شأن كل البنود الخاصة بتنظيم العلاقة بين عمال المنازل وأصحاب العمل والتي أضيفت لقانون العمل من بينها إلزامية أوقات الراحة والإجازات، وذلك لصعوبة الرقابة في البيوت الخاصة، وكذلك لجهل العاملات بحقوقهن أو لقلة حيلتهن تجاه انتهاك رب العمل لهذه الحقوق.
وهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال تجاهل انحراف سلوك بعض عاملات المنازل وتدني قِيمهن في التعامل مع الأمانة التي يؤتَمَنّ عليها في بيوت أرباب أعمالهن، فهن في النهاية بشر يتفاوت منسوب الخير والشر بداخلهم. أحياناً بمبرر الرد على المعاملة السيئة التي يلقينها من أرباب أسرهم، وأحياناً لتكوينهن الشخصي واستعدادهن. لذلك لا يجب أن يُلغى الحذر تماماً في التعامل معهن كعمال غرباء، وآتين من مجتمعات مختلفة، وثقافات قد تكون متدنية وفقيرة، يندمجون تدريجياً في البيوت التي يعملن فيها.
على رغم تنامي فئة عمال المنازل التي تشكل ما يقارب 10% من إجمالي السكان بما يزيد عن 100 ألف عامل وعاملة، وعلى رغم تعاقب الأجيال على الاستفادة من هذه الفئة التي تعتبر من أساسيات تمكين الأسر خصوصاً الزوجة من الخروج من المنزل للعمل، إلا أن الثقافة المجتمعية لاتزال تصنّف العلاقة بين الطرفين كعلاقة الأسياد بالعبيد. لا تُمنح الحقوق الأساسية لأنها حقوق إنسانية أصيلة؛ وإنما لتكرّم صاحب العمل بها على العاملة أو العامل، ولتحلّيه بضمير إنساني يقظ. ذلك كله على رغم أننا نستأمن هذه الفئة تحديداً على أهم وأغلى ما نملك، بيوتنا، وصغارنا ومطابخنا، وحتى أسرار حياتنا التي تنكشف لهم لعيشهن بالقرب منا.
تفاوت السلطة والقدرة بين أصحاب الأسر والعاملين لديها، وخصوصية العمل في المنازل بعيداً عن مصادر الحماية الرسمية، يضع مسئولية كبيرة على الطرف الأول، فقليل من الناس يتنازل عن استغلال القوة إن وضعت في يده دون رقيب أو حسيب.
هناك مثل بالإنجليزية تقول ترجمته «ضع نفسك في حذائي»، أي ضع نفسك مكاني لتعاملني المعاملة التي تريد لنفسك. وعاملة المنزل لا تختلف متطلبات الاحترام والكرامة الإنسانية لديها عن متطلبات الاحترام والكرامة الإنسانية التي نحرص أن نحظى بها في أعمالنا. في أعمالنا وفي بيوتنا علاقة العمل واحدة. في إحداها نحن أصحاب العمل، وفي الأخرى نحن العاملون لدى أصحاب عمل. سيحتاج الأمر إلى حس إنساني عالٍ يزيح عنا سحر القدرة التي تدفع للإستقواء على الطرف الأضعف في علاقة العمل، ويمكننا من أن نضع أقدامنا في حذاء عمالنا المنزليين لنمنحهم المعاملة ذاتها التي نريد.
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 5303 - الثلثاء 14 مارس 2017م الموافق 15 جمادى الآخرة 1438هـ
أوافق بالرأي الزائر 2 و3 أن لا توجد جهة رسمية تهتم بالمواطن عندما يكون هناك ظلم من قبل الخدم.
مقال في عين الصواب و من المهم أن يكون التعاطف و الانسانية من أهم المبادئ في هذه العلاقة قبل تبعية العامل لرب العمل فهم ليسوا عبيد لم أصبحت عادة أن يحتفظ رب العمل بهويتهم و جوازهم؟ هذه العادة غريبة و تناقض حقوق الانسان ولا بس يبونها تنطبق على من يريدون.
ومن يحفظ لنا حقوقنا اذا سلبها الخدم . ندفع الآلاف لجلب خادمة للأسرة ونعاملها كسيدة البيت ثم تهرب وحين نطالب بحقوقنا منها تتمنع الاجهزة الرسمية من اخذ حقنا او حتى مساءلتهن
المشكلة ان الخدم اذا حاولنا انصافهم ظلمونا .
عن نفسي كنت اعاملهم باحترام واعطيهن حقوقهن كما امرنا ديننا الحنيف، لكن للاسف هن يسيئون لنا ولأنفسهن وكمواطنين في دولة تهتم لحقوق الاجانب فقد ضاعت حقوقنا نحن واذا تحدثنا مع الاجهزة الرسمية فإنها ترفض مساعدتنا
المثل ضع نفس في حذاءه يعني اجعل نفس مكانه في ضروف
فقط تصحيح المثل