مؤسف أمر القرارات المتتالية التي تتخذها السلطات في مجال الحريات. آخرها تصريح وزارة الداخلية بشأن الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات المنشور أمس، ووجوب إخطار المدير العام للشرطة قبل عقد الاجتماع بثلاثة أيام على الأقل. وانه لن يسمح لأي تجمع أن يتم إذا خالف هذه الشروط والإجراءات مستقبلا.
والسؤال هنا: ما الاجتماعات التي تقصدها الداخلية؟ إذ لا تتضمن نصوص القانون رقم 18 لسنة 1973 - الذي تستند إليه الوزارة في بيانها - تعريفا يرفع اللبس. فهل المقصود الندوات السياسية التي تنظم بين حين وآخر، أم المنتديات الأسبوعية في الجمعيات الأهلية والسياسية والأندية والمجالس؟ هل تجمع كل خمسة أشخاص في مكان ما يجب أن يرخص؟ وهل يشمل ذلك المحاضرات في المآتم والمساجد ومنتدى «الوسط»؟
إذا أضيف هذا الإجراء إلى جملة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة ضد المؤتمر الدستوري بدءا من محاولة إرباك انعقاده، ومنع ناشطين عرب وأجانب من المشاركة فيه بصفة مراقب، وصولا إلى القوائم السوداء، وعدم الدفاع عن المواطنين الذين يرفض دخولهم في الدول المجاورة... كل ذلك قد يقود إلى أن السلطات عندها ما يكفي للرجوع إلى المربع رقم واحد إذا استدعى الأمر. الشيء المعروف أن الحكومة لم تطبق القوانين السيئة التي أصدرتها في حقبة قانون أمن الدولة وقبيل تشكيل البرلمان، ولو فعلت لكممت الأفواه وأغلقت الأندية والجمعيات والمآتم والصحف ودور النشر. لا أعرف إن كان ذلك مناسبا أم لا؟ كما لا أعرف إلى أي مدى يمكن التعويل على البرلمان للوقوف مع حرية الاجتماعات، وأخشى أن أعضاءه يقابلون تحرش الحكومة بالمعارضة على أنه عمل إيجابي يضر بخصومهم، ويجب أن يدرك النواب أن الفهم السليم للعمل السياسي يقول: «أكلت يوم أكل الثور الأبيض». آمل أن توضح لنا وزارة الداخلية مفهومها للاجتماع. فصدور البيان أمس الأول زاد الأمور لبسا ولم يوضحها. وفاقم من الشعور أن التراجعات في تزايد. ورجعنا نلامس الشوارع كما قال زميلي غسان الشهابي، وآمل أن لا ننزل تحتها
العدد 530 - الثلثاء 17 فبراير 2004م الموافق 25 ذي الحجة 1424هـ