تطرقنا في مقالين سابقين إلى محورين أساسيين للنهوض بمشروع طموح متكامل لتكنولوجيا المعلومات في دولنا، وكان التعليم اول تلك المحاور، وعرضنا لكيفية النهوض به واهميته بالنسبة إلى الدول وتطرقنا بعد ذلك إلى أهمية ثقافة واعلام تكنولوجيا المعلومات واتضحت نظرة الاعلام الهادف المتخصص في هذا المجال وخلصنا إلى ضرورة تفعيله وتنشيطه في مختلف القنوات سواء المقروءة أو المسموعة أو المرئية أو عبر الانترنت. المحور الثالث الذي نرى من الضروري ان يهتم به هو الاتفاق على من سيكون صاحب المبادرة في اطلاق العنان وافساح المجال وتسهيل الامور واعطاء القروض: هل الحكومة ممثلة في إحدى هيئاتها او مؤسساتها أم ان هذا من مسئولية القطاع الخاص أم انه مسئولية غرفة التجارة والصناعة والجامعة وغيرها من مراكز الدراسات والبحوث والاستشارات؟ صحيح ان طبيعة العلاقة ومن سيكون صاحب المبادرة تعتمدان في جزء كبير منهما على النظام الاقتصادي في البلد، اي ان يكون الثقل الاكبر على عاتق القطاع الخاص. هذا صحيح في ظل منظومة متكاملة من التشريعات وبيئة عمل مناسبة لتأسيس هذا النوع من الصناعة ومن ثم دعمه والنهوض به، كما هي الحال في شركة صخر المتخصصة في صناعة الرمجيات. ولكن بنظرة فاحصة سنكتشف ان هذا التوجه قد يكون صحيحا عموماً في الدول الغربية ولكنه صعب وربما اقرب إلى المستحيل في دولنا العربية، خصوصا الآن مع اشتداد المنافسة في مجال صناعة البرمجيات من مختلف الدول التي ترى فيها نوعاً من الدخل الجديد والاضافي من خلال فرض الضرائب على تلك الشركات مقابل حصولها على دعم حتى سياسي لضمان حصولها على نسبة من السوق العالمية. هذا بالاضافة إلى ان لغة الارقام غير مشجعة على الاطلاق، فعدد الشركات الكويتية المتخصصة على سبيل المثال في صناعة البرمجيات لا يتعدى اصابع اليد في مقابل 300 شركة تبيع اجهزة وملحقات الكمبيوتر. تبيع فقط. اي ان تلك الشركات نيف وثلاثمئة لا يمكن ادخالها ضمن الشركات المتخصصة في صناعة البرمجيات، فهي فقط مستوردة وموزعة وبائعة بوصفها وكيلاً للسيارات. فبيع السيارات لا يعني على الاطلاق وجود صناعة مركبات بأي شكل من الاشكال. والملاحظ ايضا ان هناك شركات انشئت متخصصة في صناعة البرمجيات ولكنها وبعد مدة توقفت على خلفية خسائر فادحة لانعدام الدعم الحكومي وايضا قلة التشريعات الحامية لها. فكيف يمكن لشركة مثلا ان تنافس وهي تفتقد إلى أهم وحدة وهي البحث والتطوير. يتضح من الصعب على القطاع الخاص البدء بذلك، ناهيك عن النهوض بهذا المجال من الصناعة المعلوماتية، وهنا يأتي دور المبادرات الحكومية إذ شهدنا حديثاً افتتاح واحة السيليكون في دبي وهذه الواحة متخصصة في صناعة شرائح السيليكون، اساس الثورة المعلوماتية. نعم هناك مشروعات تنموية مهمة وقد لا تقل اهميتها عن انشاء مستشفى او مدرسة او كلية او خط سريع او ميناء أو مطار، نعم فكل تلك المنشآت، التي تشكل بمجموعها البنية التحتية لأي بلد، من المفروض ان تهيئ بيئة مناسبة لإنشاء مصانع متخصصة في مجال تكنولوجيا المعلومات تساهم في دفع عجلة الاقتصاد المحلي وتكون رافداً مهماً، وخصوصاً مع تقلب الاوضاع وتسييس سلعة النفط وعدم قدرة منتجي النفط، مع شديد الاسف، حتى على تحديد والتحكم بأسعاره في مفارقة عجيبة، على رغم انقضاء شهر العجائب رجب، اذ يحدد الزبون السعر للبائ
إقرأ أيضا لـ "أنور الحربي"العدد 53 - الإثنين 28 أكتوبر 2002م الموافق 21 شعبان 1423هـ