لا أحد ينكر «أن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي» (يوسف: 53) كما تقول الآية الكريمة، ولا أحد ينكر أن التجاوزات المالية والإدارية منتشرة في كل مكان، ولا أحد ينكر أن هناك عناصر من المتنفذين دائمة المحاولة للتجاوز المالي، ولا أحد ينكر أنه لو تمت محاسبة بعض المسئولين في المنطقة من منطلق «من أين لك هذا؟» لانكشفت فضائح وبلاوي وأن المصارف متخمة بالأموال التي يودعون فيها ثرواتهم وخصوصا الخارجية منها، وسيتضح كم من الملايين تمت سرقتها ونهبها من قوت الشعب الخليجي... ما يراهن عليه البعض هو أن النفط سينضب في بعض هذه الدول بينما الشعب لم يذق حلاوته، فالبطالة مازالت منتشرة والرواتب متدنية وهناك مواطنون لم يستقروا بعد في بيوت تكون ملكا لهم، ولا أحد ينكر أن بعض الأنظمة العربية مازالت تحكم شعوبها من منطلق تمييز طائفي أو عنصري أو طبقي، ولا أحد ينكر أن في الكثير من البلاد العربية مازال يتم توظيف المواطنين من منطلق (من تعرف وليس ما تعرف)، ولا أحد ينكر أن كثيرا من الوزراء في الوطن العربي وخصوصا في دول الخليج من لا يقل استهتارا من الوزير المبجل الذي خسر مليون جنيه استرليني على مائدة القمار وقال وهو يبتسم (بكرة باسترجعها).
لكن ما يحجم كل هذه التجاوزات وكل هذا النهب للمال العام والفساد الإداري والأخلاقي ويجعل «النفس الأمارة بالسوء» تحسب ألف حساب قبل أن تمد يدها إلى المال العام وجود مجلس نيابي قوي يتحرك من خلال مساحة واسعة من الحرية والديمقراطية، لأنه مع وجود دساتير فاعلة سيتم وضع حد للنفوس الضعيفة التي تفرض (كوميشنات) على كل مشروع يقام في البلد صغيرا كان أو كبيرا من دون أي حساب لا لله وآخرته ولا للشعب ورقابته مادام اولئك فوق القانون، إن الدستور الصارم الذي يشبه الدستور الكويتي سيكون حماية لهؤلاء في الدنيا والآخرة، إذ حين يحد من نهبهم سيجعلهم أقرب إلى الجنة من النار يوم القيامة وأقرب إلى احترام الناس من منطلق المحبة لا من منطلق الخوف وقوانين الطوارئ.
توالت على رأسي هذه الأفكار وأنا أقرأ نبأ عن قرب محاسبة أحد الوزراء من العائلة الحاكمة في الكويت وكما سبق أن تم منع وزير نفط سابق فيها من الأسرة الحاكمة كذلك من السفر ريثما يتم الانتهاء من التحقيق معه وعندما يكون الجميع تحت القانون ساعتها يشعر المواطن أن ديمقراطيته حقيقية ودستوره محترم
العدد 529 - الإثنين 16 فبراير 2004م الموافق 24 ذي الحجة 1424هـ