ما من أحد في هذه الدنيا الزائلة إلا تراه يشكو من بلاء معين، وقد نجد أن هناك تبايناً كبيراً بين شخص وآخر، في حجم البلاء ونسبة التحمّل ومقدار الصبر عليه.
فهناك من يبتلى بمرض عضال يمنعه من لذة الطعام والشراب ويحرمه من النوم الهادىء، وفي كل أوقات يومه يتألم ويئن أنيناً يقطّع القلوب، ولكنه تراه حامداً شاكراً لربه في كل وقت وحين، وإذا ما سأله أحد عن حالته تراه يردد: «الحمد لله رب العالمين». وهناك من ابتلاه الله ببلاء بسيط، فيعيش في قلق دائم، ويتأفف من كل شيء وعلى أي شيء، ونجده لا يطيق نفسه ولا يستأنس بغيره، ويكثر في كل أوقاته من العبارات الدالة على اليأس والقنوط، وتراه يعظم البلاء الذي يصيبه، ويهوّن كثيراً ما يصيب غيره من المصائب الكبيرة .
فالصابرون على البلاء العظيم بلا شك يريدون أن ينالوا الثواب الجزيل من الله عز وجل، ولا ينتظرون شيئاً من المخلوقين، والقانطون من رحمة الله لا يدرون أنهم يحرمون أنفسهم من العطايا الربانية الوفيرة التي كتبها للصابرين والمحتسبين والمتوكلين على رب العباد. ولا يمكن للمرء العاقل أن يقارن بين إنسان خسر جزءًا من أمواله في صفقة تجارية غير محسوبة العواقب بصورة جيدة، وبإمكانه تعويضها في صفقة أخرى، بإنسان آخر حاول الهروب بنفسه وعائلته من الإرهاب المقيت، الذي يستهدف الإنسانية جمعاء، وفي الطريق وقبل وصوله بدقائق معدودة إلى المنطقة الآمنة، التي كان يقصدها هو وعائلته، تأتيه قذيفة حاقدة مجنونة، فتصيبه بجروح بليغة تفقده وعيه، وتنهي حياة أفراد عائلته بأكملها بعد أن تمزقت أجسادهم إرباً إرباً، وتحوّلت إلى أشلاءٍ متناثرة. وعندما يفيق من غيبوبته في المستشفى ويسأل عن أحوال عائلته، ويقال له جميعهم رحلوا إلى بارئهم، ولم يبق على قيد الحياة إلا أنت، فيسلم أمره لله الواحد القهار، ويردّد وهو مطمئن بقضاء الله وقدره: إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
كثيرون عندما تصيبهم مصيبة كبيرة كانت أو صغيرة، تراهم يقولون عبارات غير لائقة، وكأنهم يعترضون على قضاء الله وقدره والعياذ بالله، وتراهم يسألون الناس: لماذا أصابتني هذه المصيبة دون غيري؟ وأكثر من هذا وذاك، بعضهم يمن على الله تعالى بصلاته وصيامه وحجه وزكاته، فيقول: أنا الذي أصلي لك وأقصد في كل عام إلى بيتك الحرام، وأبذل المال في سبيلك، وأتصدق على الفقراء والمساكين وأؤدي فريضة الزكاة، تبتليني بمثل هذه الإبتلاءات القاسية، وغيري العاصي الذي لا يصلي ولا يؤدي الفرائض، ينعم ويعيش في بحبوحة من العيش، وكأنه يؤدي واجباته الدينية من أجل أن لا يصيبه شيء في هذه الدنيا، ولا يدري أن الإبتلاءات التي تصيب الإنسان في مختلف مراحل حياته هي لتمحيصه، وصقله نفسياً ومعنوياً وروحياً، لنيل الجزاء الأوفى في يوم الفزع الأكبر.
فحياة الدنيا وإن طالت ستنتهي حتماً في وقت من الأوقات، فالصابر المحتسب والقانط اليائس، والمذنب المجاهر بذنبه ومعصيته والمنتهك لحقوق غيره، جميعهم سيموتون. وقد قال تعالى لأشرف خلقه رسول الله (ص): «إنك ميت وإنهم ميتون»، وسيلحدون في قبورهم، ويحاسبون حساباً دقيقاً على كل صغيرة وكبيرة، فكل المعاصي والذنوب التي بين العبد وربه حسابها يختلف اختلافاً كبيراً عن المعاصي التي ترتكب بين العبد وأخيه، فمثل هذا النوع من الذنوب لا يمكن إزالتها من ملف الشخص المعتدي إلا إذا ما صفح عنه الشخص المعتدى عليه، سواءً كان في الدنيا أو في الآخرة، ولا شك أن طلب الصفح في الدنيا أسهل بكثير من طلبه في الآخرة .
فالشخص الذي يمارس الإرهاب، ويقتل الأبرياء وينتهك حرماتهم، ويستولي على ممتلكاتهم وأموالهم تحت أي مبرر، إذا ما رحل من هذه الدنيا بصورة طبيعية أو غير طبيعية، بأن تحزم بحزام ناسف وتوسط جمعاً من الناس الأبرياء وفجّر نفسه بينهم، فمات وقتل بموته عشرات الأبرياء وهم يؤدون صلاتهم كما حدث في الكويت والمملكة العربية السعودية، أو وهم يتكسبون أرزاقهم أو يتسوقون كما حدث في الكرادة بالعراق، أو هم يحتفلون بزواج أحد أحبتهم كما حدث في تركيا، فبدل أن يصلحوا أوضاعهم مع عباد الله، الذين هتكوا حقوقهم وقتلوهم ونكلوا بهم، تراهم بهذا الفعل الشنيع خسروا دنياهم وآخرتهم يوم الحساب العظيم. لا ريب سيكون حالهم عصيباً في ذلك اليوم الرهيب، مثل هؤلاء لن ينالوا العفو والغفران من رب العباد إلا بعفو وغفران من نكلوا بهم، وقتلوهم وسلبوا أموالهم وعبثوا بحضارتهم الإنسانية وبممتلكاتهم الخاصة، وضيقوا عليهم الدنيا بما رحبت. فكيف بهم في ذلك اليوم العصيب، إذا ما اصطف طابور طويل من ضحاياهم الأبرياء، وكلهم ينادون ربهم: نريد أن تأخذ بحقوقنا يا عدل يا حكيم من الذين قتلونا وحرمونا من العيش في الدنيا بأمن وأمان؟
فمن يلتفت إلى نفسه قبل رحيله من هذه الدنيا، ويصلح ما أفسده بينه وبين خلق الله، يكون قد وفر على نفسه الكثير من المعاناة في اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 5288 - الإثنين 27 فبراير 2017م الموافق 30 جمادى الأولى 1438هـ
إنما الدنيا أعدت لبلاء النبلاء
نسأل الله تعالى العفو والعافية والمعافاة في الدنيا والآخرة
مختصر الكلام قول الامام علي عليه السلام: إن صبرتم اثبتم والقضاء جاري وان جزعتم أثمتم والقضاء جاري
كلام درر لكن هل من متعظ ؟ لا واللة في آذانهم وقر ولهم نار جهنم يصلونها بقوة الجبار