في الحرب العالمية الثانية غيَّر الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر موعد هجومه على فرنسا 16 مرة. كان ذلك بغرض التمويه. لكن لم يكد الـ 10 من مايو/ أيار سنة 1940م أن يحل حتى هاجمها مُدمِّراً كل شيء فيها. التَهَمَ خط ماجينو وَوَلَجَ عاصمتها باريس. ولم يأتِ الـ 23 من يونيو/ حزيران (أي بعد شهر وأسبوعين فقط) إلَّا والفوهرر يتجوّل بالقرب من برج إيفل الشهير. احتاج الفرنسيون إلى أيّ شيء وإلى كل أحد كي يُنقذوا بلادهم من الهزيمة المدوّية بعد أن خسروا 92 ألف قتيل وربع مليون جريح.
من أؤلئك الذين لجأوا إليهم هم أبناء المستعمرات في إفريقيا والمحيطات، ومن بينهم السُّوْد (الزنوج). لقد جنَّدوا أصحاب البشرة السوداء للقتال إلى جانبهم. وقد أبلى هؤلاء بلاءً حسناً في قتال الجيوش النازية. لكن وعندما انقلبت موازين الحرب وأصبحت قوات هتلر تتقهقر حتى وصلت المعارك إلى تيركارتن وموابيب قررت القيادة الفرنسية تسريح كل أؤلئك الجنود «السُّوْد» كي يُصبح النصر من نصيب الجنود الفرنسيين «أنقياء العِرق»، وهو ما عُرِفَ حينها بـ «تبييض النصر».
كان ذلك المشهد قد عَكَسَ عنصرية لا مثيل لها. فأنا أحتاج إليك عندما تكون السكين على رقبتي، لكنني أستغني عنك كي لا تشترك معي حتى في «نشوة» التخلُّص مما كنتُ فيه، وكأنها شوفينية مُركَّبة يمتزج فيها «البخل» حتى في المشاعر، فضلاً عن «الامتياز» المادي الذي قد يناله المرء وهو يأتي منتصراً من معركة مصيرية. وللحقيقة نقول إن هذا الأمر لا يخصّ الذاكرة الفرنسية فقط، بل غيرها من الأمكنة في «العالَم الجديد» كذلك ومن أهمها بالتأكيد الولايات المتحدة الأميركية.
عندما جاء باراك أوباما إلى الحكم في العام 2009م كان ذلك حدثاً مدوياً في الولايات المتحدة في أن يأتي رجل أسْوَد ليحكم 279 مليون أميركي أبيض. ولو كان الأربعون مليون أسْوَد من الشعب الأميركي هو تعداد عِرقيّة أخرى ليس لها لون الزنوج لربما قبلوا به، لكن المشكلة هي في اللون. نحن لا نتحدث عن ممانعة عادية، من طبقات اجتماعية عامة داخل الشعب الأميركي، بل إننا نتحدث عن نخب فكرية وسياسية لم يستوعبوا أن يأتي رجل أسوَدْ ليحكمهم!
كان كثيرون يعارضون أوباما فقط لأنه أوباما «الأسوَد». مثلاً بعضهم كان ضد الضرائب على الفقراء، وحين قرر أوباما فرض ضرائب على الأغنياء عارضوه. وحين أقرّ التأمين الصحي كي يستفيد منه 20 مليون أميركي محتاج عارضوا ذلك أيضاً. المؤلم في كل ذلك هو أن هؤلاء جميعهم من «البِيْض» ومؤيدو أوباما جميعهم من السُّود. وعندما نقول «جميع» فإننا نعني أن الرقم «يكاد» أن يكون كاملاً، ما خلا كسور هنا أو هناك.
ولمزيد من الوضوح، فإن هذا النوع من «العنصرية» لا يخصّ الثنائية البيضاء والسوداء، بل هو ينسحب على كثير من الثنائيات الأخرى. في الأديان والمذاهب والطوائف والأعراق. وعندما تبحث عن «جوهر» الصراع فإنك تراه يشتمل على فوقية «الغيْر» والأهم «الامتيازات» التي ينالها الطرف المنتَجَب. فإذا كانت المنازل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية قد فرزت حجم الاستفادة بين هؤلاء وأؤلئك، فإن ما يجب أن يُعرَف هو أن أبناء الذوات والمتحالفين معهم يرون ما في أيديهم على أنه «غنيمة» وأن الدولة التي توفر لهم ذلك «الانتجاب» أنها تظللهم أينما حلُّوا.
لا يتوقف الأمر عند مسألة «الغنائم» ولا ظِلال الدولة الممتد، بل حتى نظرتهم للقيم وللأشياء الموجودة وللعلاقات البينية، بل وحتى لتعريف الجرم والضحية والجلاد. فبما أن منازل الأفراد تختلف فإن قيمة الدماء تختلف عند هؤلاء كذلك. فهم لا يُحرّكون ساكناً حتى ولو رأوا جثة ممزقة وحولها نساء تنتحب وأيتاماً مدهوشة. فالمشاعر تنكسر عند هذا الحدّ لتأتي الحيوانية مكانها. ليس الإحجام عن تحريك ساكن أو ذرف دمعٍ على موت إنسان بل رَكْلٌ بالأرجل له لو أتيح لهم ذلك!
عند هؤلاء يتوقف الزمن ما دامت «الغنيمة» بينهم. هم يعتقدون أن الانتماء للدولة هو عبر القيم الكلاسيكية الأوّلية. بمعنى الدولة التي يُفكِّرون مثلها ويتحدثون بلغتها ويكتبون بحروفها لا يرون في استعبادها لهم غضاضة أو خطأ دون أن يجعلوا تقييمها ينطلق من القيم الحقيقية للعدالة، القائمة على منحهم القدرة على التغيير وحرية الحديث والعيش الكريم والتضامن الأوسع نطاقاً. فهذه الأشياء تُصبح «عَرَضِيّة» في سبيل الامتيازات والعطاءات.
في خمسينيات القرن الماضي كتبَ الفيلسوف الفرنسي «الأسْوَد» فرانز فانون قائلاً: «ليس اللون هو أساس الهوية، لكن الضمير. والضمير المضطهد والمظلوم والمحبط لا يعرف اللون». ثم قال: «ليس البياض بياض اللون، لكنه بياض الضمير. الحل هو أن يتحرر الأسود من سواده، ويتحرر الأبيض من بياضه». وحين يُوجد «ضمير نقي وشريف وشفاف» ستكون «الألوان مجرد ألوان». لكن هذا الأمر عند العنصريين شيء صعب جداً، ليس رفضه على المستوى العملي فقط بل حتى نظرياً.
فـ جامعة ليون الفرنسية لم تقبل أطروحة فانون في الدكتوراه عندما عنونها بـ «عدم غربة الرجل الأسود»؛ لأن هؤلاء يعتقدون أن مجرّد التفكير في مثل هذه الأشياء أو الدعوة إلى تغيير الثقافة السائدة هو تحريض على مسلّمات «الغنائم» و «الامتيازات» التي يجب أن تبقى موزعة وفق المنازل الاجتماعية السابقة. هذه ثقافة لا تنحصر بين السُّوْد والبِيْض ولا في فرنسا وأميركا بل هي في كل مكان بما فيه أجزاء من عالمنا العربي والإسلامي. وربما هي متجددة لدينا أكثر من تلك الدول.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 5266 - الأحد 05 فبراير 2017م الموافق 08 جمادى الأولى 1438هـ
الحمد لله ان زمن اوباما ذهب الى غير رجعة و أهلاً و سهلاً بترامب عدو الإيرانيين
لو دُرِسَت هذه العبارة لمنقذ البشرة محمد ص في مدارس العالم (لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى) وفهمها الناس وطبقوها، لاستوت البقاع جنانا لا محال
ذكر في الاثر " أن أبا ذر وبلالاً الحبشي رضي الله عنهما تغاضبا وتسابا، وفي ثورة الغضب قال أبو ذر لبلال: يا ابن السوداء! فشكاه بلال إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر: "أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية "":
العنصرية تمارس تحت مسميات عدّة وليس فقط اللون واكثر من ركّز ممارستها هم البريطانيون الذين مارسوها في مستعمراتهم في افريقيا والهند وحتى مع الشعب الايرلندي ، وهم الآن يبيعون خبراتهم في هذا المجال على كل بلد
يطمح لممارسة هذا الخبث البشري
والان نجد في أوروبا المساوات بين جميع الناس لا فرق بينهم من تحصيل الضريبي وتوزيع المساعدة على جميع، ولكن تبقى الشعوب العربية على ما هو عليه لم يتغير فيها شيء