عندما تستمتع بعملك، تكون مبدعاً منتجاً متطوراً محباً لعملك، ومدافعاً عن المؤسسة التي تعمل لها. أما إذا كنت كارهاً لوظيفتك لأي سبب كان، فأنت تعمل فقط للحصول على راتب نهاية كل شهر، وتتمنى بل تعمل جاهداً بأن تلتحق بالمتقاعدين في أقرب فرصة ممكنة.
المحب لعمله له القدرة على التغلب على الصعوبات وإيجاد الحلول لها مهما كان حجمها وخطورتها، أما الذي لديه نفورٌ من العمل، فتراه موظفاً روتينياً كثير الإجازات المرضية، يشتكي دائماً من المصاعب والمشاكل المعقدة (حسب تعبيره) الموجودة في عمله؛ كثيراً ما يختلف مع زملائه في العمل؛ غير راغبٍ في بذل أي جهد للتغلب على تلك المشاكل، ولا يرغب أبداً في أن يدخل نفسه في أمورٍ هو غني عنها؛ كثير الطلب للدورات التدريبية وخاصة خارج البلد، يتقاعس في القيام بمهماته. ما هو السبب في ذلك؟
كشفت دراسات كثيرة أن السبب الرئيسي هو ليس فقط طبيعة الموظف ومؤهلاته وقدراته العلمية والمهنية؛ وإنما أيضاً بيئة العمل نفسها التي قد تكون طاردةً للعمل والمواهب. فبيئة العمل المملة والتي تفتقر إلى التحفيز والغير السليمة، تنعكس سلباً على الموظفين، فمثل هذه البيئة تنعدم فيها الإدارة الناجحة، والمدير المنصف الذي يتميز بثقة عالية في قدراته العلمية والإدارية، ولا يخشى كفاءة موظفيه حتى وإن كانوا أفضل منه، ويعمل جاهداً لاستغلال تلك الكفاءات.
في مجتمعنا تنتشر ظاهرتان اجتماعيتان لهما أبعاد خطيرة على التنمية الاقتصادية المستدامة، حيث تمثلان أولاً أن هناك نفوراً من بيئة العمل وهذا أمر خطير للغاية، وثانياً أن هذا النفور يمثل مصدراً لإهدار المال العام، وانخفاضاً في الإنتاجية العامة، وسوء استخدام للمرافق والخدمات العامة. وهذا سيقودنا في نهاية الأمر إلى فساد المجتمع. وكلا الظاهرتين تعبّران عن حالة اقتصادية سيئة، وعقبة أمام تطور المجتمع فكرياً واقتصادياً، لأنهما تشيران إلى حالة غريبة وهي نفور العامل من بيئة العمل.
تتمثل الظاهرة الأولى في ارتفاع عدد الإجازات المرضية، حيث أشارت دراسة حديثة إلى أن هناك إجازة مرضية تمنح لمرتادي المراكز الصحية في دول الخليج من بين كل أربعين زيارة، وهو عدد غير بسيط. وفي البحرين تصل عدد مثل هذه الإجازات إلى نحو 200 ألف إجازة في السنة، وبنحو تكلفة إجمالية 8 ملايين دينار. وقد ذكر أحد المسئولين في وزارة الصحة أن أكثر من 20 في المئة من إجمالي عدد مراجعي المراكز الصحية في مختلف محافظات البحرين يسعون لإصدار الإجازات المرضية يومياً. ويشتكي رجال الأعمال من أن العيادات الخاصة تمنح إجازات مرضية لمرتاديها من دون الحاجة إلى ذلك، الأمر الذي يؤدي إلى خسائر مالية فادحة سنوياً. وقد نشرت صحيفة «الوسط» تحقيقاً بشأن الإجازات المرضية، حيث نقلت عن أحد الموظفين «أن لديه قناعة تامة بالحصول على الإجازة الوظيفية حتى مع عدم الحاجة إليها»، متذرعاً بما أسماه «الحقوق الوظيفية الضائعة».
الظاهرة الأخرى لا تقل خطورةً عن الأولى، وهي تتمثل في الطلب المتزايد على التقاعد المبكر، (لا أتحدّث عن ظاهرة التقاعد التي تفشت حديثاً خوفاً من تغيير قانون التقاعد)، فهناك أعداد كبيرة من العمالة الوطنية في المؤسسات الخاصة والعامة تطالب بالتقاعد المبكر الذي يوفّره قانون الضمان الاجتماعي، وهذه الظاهرة موجودة قبل انخفاض أسعار النفط. الغريب في الأمر أن بعض المؤسسات تتجاوب مع هذا الطلب، وتلجأ إلى إحالة عدد من موظفيها الذين لا يتجاوز البعض منهم العقد الرابع من أعمارهم إلى التقاعد المبكر، بحجة أنها عمالة فائضة لا حاجة لها بها. لقد أصبح التقاعد الشبابي ظاهرة متفشية في مجتمعنا، وأصبح حلماً يراود المئات؛ بل الآلاف من الموظفين بمختلف الأعمار. نسبة كبيرة من المتقاعدين لم تتجاوز أعمارهم الأربعين أو الخمسة والثلاثين عاماً، بعضهم عمل لفترة 15 سنة فقط.
إن هذا الوضع يشوّه بيئة العمل، وله أبعاد خطيرة على الوضع الاقتصادي، ويجب معالجته فوراً من خلال دراسة الأسباب الحقيقية وراء نفور العامل والموظف من بيئة العمل واتخاذ الإجراءات المناسبة. إن خطورة هذا الوضع يكمن في تفشي أمراض مزمنة في سوق العمل، أهمها انحدار مستمر في الإنتاجية، وزيادة عدد المتقاعسين عن العمل، إضافةً إلى زيادة المصروفات غير الإنتاجية، الأمر الذي قد يؤدي إلى زيادة تدهور الوضع المالي والاقتصادي في الكثير من المؤسسات الإنتاجية.
التقاعد المبكر الذي يشرعه القانون بشروط معينة، والذي تطالب بتطبيقه في كثير من الأحيان النقابات العمالية ومنظمات العمل الدولية، تستخدمه الحكومات والمؤسسات الخاصة لتصحيح التشوهات والإختلالات في سوق العمل، كما أنه يعتبر حلاً ملائماً وفعالاً لمشكلة البطالة، ويستخدم أيضاً كوسيلة لإدخال دماء جديدة في الإدارة الإنتاجية لغرض زيادة الإبداع والإنتاج، وأداة مهمة للحفاظ على التوازن في الميزانية العمومية للمؤسسات والشركات خاصةً تلك التي تواجه صعوبات مالية. إلا أن ظاهرة التقاعد المبكر المتفشية لدينا هي ليست بالضرورة سياسة مبرمجة لمعالجة تلك التشوهات التي قد تحدث في سوق العمل، وإنّما هي ظاهرة قد تساهم في تفاقم تلك التشوهات.
نعتقد أن هناك حاجةً لدراسة أسباب هذه الظواهر السلبية المشوّهة لبيئة العمل، حتى لا تتحوّل إلى كارثةٍ تهدّد مستقبل الأجيال المقبلة. ويجب تدارس أبعاد هاتين الظاهرتين على مجتمعنا ووضعنا الاقتصادي، والتعرف على كيفية معالجتهما .
إقرأ أيضا لـ "جعفر الصائغ"العدد 5266 - الأحد 05 فبراير 2017م الموافق 08 جمادى الأولى 1438هـ
عندما لا يستلم الموظف راتبه نهاية كل شهر فهذا سبب غير محفز على الانتاج والعمل ، وهذا ما اعانيه منه كموظفة في مدرسة.
دكتور الغالي جعفر الصائغ سلمت أناملك على كتابة هذا المقال الذي يعتبر حديث الساعة في بيئة العمل .ان اسباب التنفير من بيئة العمل وذلك لوجود نقص في الكفاءة الإدارية لدى الكثير من المقلدين مناصب الرئاسة فلا يمكن فاقد الكفاءة والخبرة والتعليم الجامعي والرغبة في جعل العمل أولويات حياته أن يجعل الموظف يحب عمله أو يعطيه فرصة ليبدع. ما تتوقع من مسئول يسخر الموظف فقط لكي يرضي غروره ونقصه والحوافز له والموظف يقف عند أقل من درجته المقررة أو في ظل شاغر وظيفي الموظف المجد يحرم منها واذا طالب ينقل إلى قسم اخر
قلة كفاءة القيادات الإدارية وجهلها بأساليب العمل المنتج والمحفز، ومعايير الترقي القائمة على كل شيء الا الكفاءة تصيب الموظف بالإحباط المميت مما يحوله من مبدع الى متخاذل محبط ينتظر التقاعد، للأسف نحتاج الى معالجة سريعة للوضع، كما انه للأسف هناك من يسيس كل شي ويحاول أن يصخر مكان عمله لأهداف سياسية مما يجعلنا ندخل في نفق الفئويات والحزبيات ....
لوبيات العرب والاسيويين
اللوبيات اللي يسوونها العرب والاسيويين وخصوصا المصاروه والفلسطينيين والكيرليين . يصيرون مثل العصابة على البحريني لحد التطفيش ومن التفتيش. وهذي من الأسباب الرئيسية للبيئة الوظيفية الغير نظيفة لهروب المواطن
يمثلني (فأنت تعمل فقط للحصول على راتب نهاية كل شهر، وتتمنى بل تعمل جاهداً بأن تلتحق بالمتقاعدين في أقرب فرصة ممكنة).. ماصار ليي سنتين واطمح لهالشي
وثانيا 15 سنة عمل في البحرين تعتبر انجاز لصاحبها وواجد وتخب على العمل الي هو فيه، بل ويجب ان ترفع القبعة للي داوم هالسنين :)
المقال يعبر عني ...سابقا كنت اداوم ساعتين اضافيتين يوميا غير مدفوعتي الاجر و لما اصبحت بيئة عملي طاردة لكفائتي صرت احلم بالتقاعد المبكر و احرص على ان لا ابقى في العمل دقيقة اضافية واحدة
ويجب معالجته فوراً من خلال دراسة الأسباب الحقيقية وراء نفور العامل والموظف من بيئة العمل واتخاذ الإجراءات المناسبة. (الإجابة عن الاسباب في مقال الاستاذ هاني الفردان)