هناك بندان رئيسيان في سياسة ترامب الاقتصادية - الحمائية التجارية والتحفيز المالي من خلال خفض الضرائب والإنفاق على البنية التحتية. وفي حين يُرجّح أن يكون التحفيز المالي الأميركي عاملاً إيجابياً لكل من الولايات المتحدة وبقية العالم، غير أن الحمائية التجارية يمكن أن تكون عامل إعاقة بدرجة كبيرة، بل قد تؤدي إلى إشعال حرب تجارية عالمية. فمنذ تنصيبه في 20 يناير، دفع دونالد ترامب قدماً بسياسة الحمائية التجارية، فيما اتخذت التحفيزات المالية مقعداً خلفياً. ولذلك يبدو من المرجح استمرار الاتجاه الهبوطي الذي شهدناه مؤخراً في نمو التجارة العالمية.
وقد قام ترامب بالفعل باتخاذ خطوات ملموسة نحو الحمائية التجارية. ففي أول يوم عمل كامل له في منصبه، انسحب ترامب رسمياً من اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ، فليس من المحتمل أن يتم استبدال هذا الاتفاق الذي كان من شأنه أن يؤدي إلى خفض الرسوم الجمركية في عدد من البلدان التي تمثل 40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، باتفاق تجاري ضخم مماثل في المدى القريب. وبالإضافة إلى ذلك، أعلن ترامب أنه يخطط لإعادة التفاوض بشأن منطقة التجارة الحرة لشمال الأطلسي واقترح فرض تعريفات جمركية بنسبة 45% و35% على كل من الصين والمكسيك على التوالي إضافة إلى فرض رسوم عامة على جميع واردات الولايات المتحدة. ولكن بسبب النفعية السياسية، فإن المقترح الذي يرجح تنفيذه أكثر من غيره هو إعفاء الشركات من الضريبة على مداخيلها في الخارج، أي ما يعرف باسم "تعديل الحدود"، كجزء من القانون الجديد لضرائب الشركات.
وسيمثل النظام الجديد لضرائب الشركات تحولاً من النظام الضريبي الحالي، حيث لن تكون عائدات التصدير مشمولة في الدخل الخاضع للضريبة، ولن تكون الواردات قابلة للخصم كتكلفة. وسيكون للنظام الجديد نفس الأثر الكلي لفرض تعريفه على الواردات ودعم الصادرات، مما يعني أنه سيتم فرض ضريبة على الإيرادات والتكاليف المحلية للشركات. وكمثال مبسط، في حال كان إجمالي إيرادات شركة ما يبلغ 100 مليون دولار وتكاليفها تبلغ 60 مليون دولار ستكون الشركة مطالبة بدفع ضرائب على مجموع أرباحها البالغ 40 مليون دولار. وبموجب النظام الضريبي المقترح، إذا كان مبلغ 40 مليون دولار من تكاليف الشركة يُصنف كواردات، فإن هذا المبلغ سيُضاف إلى القاعدة الضريبية للشركة لتصبح 80 مليون دولار. لكن إذا تلقت الشركة أيضاً 30 مليون دولار كعائدات تصدير، فإن ذلك يمكن استخدامه ليُخفف المطالبة الضريبية ويخفضها من 80 مليون دولار إلى 50 مليون دولار. وبما أن الولايات المتحدة تعاني من عجز تجاري، فإن صافي الأرباح الخارجية سلبي. وعليه، ستعمل الضريبة المقترحة على زيادة إيرادات الحكومة من خلال توسيع القاعدة الضريبية.
وينبغي للضريبة الجديدة أن ترفع أسعار الواردات، مما سيؤدي إلى تقليص العجز التجاري وتسريع نمو الناتج المحلي الإجمالي ورفع معدلات التضخم في الولايات المتحدة. لكن هذه النتائج الأولية ستتأثر بعاملين. أولاً، من المحتمل أن تزيد قيمة الدولار الأميركي بسبب تراجع العجز التجاري وارتفاع أسعار الفائدة الأميركية على خلفية ارتفاع معدلات التضخم.
وذلك سيجعل الواردات أرخص وسيقلل القدرة التنافسية للصادرات، وهو ما سيزيل جزئياً الآثار الايجابية الأولية لتعديل ضريبة الشركات على العجز التجاري والنمو والتضخم. ثانياً، من المرجح أن تعرقل التعريفات سلاسل التوريد في الولايات المتحدة. وستحتاج الشركات لبعض الوقت لتبدل السلع الوسيطة والخدمات الخارجية بمنتجات أميركية. وهذا يمكن أن يزيل ما تبقى من فوائد محتملة لقانون الضرائب الجديد.
وفي خارج الولايات المتحدة، سيكون التأثير على التجارة سلبياً بالتأكيد. فلن يقتصر انقطاع سلسلة الإمدادات على الولايات المتحدة فقط. على سبيل المثال، فإن العديد من المواد التي تدخل في صناعة السيارات في المصانع المكسيكية تأتي من الولايات المتحدة في شكل صادرات. وبالتالي، فإن إغلاق مصانع السيارات في المكسيك سيؤدي إلى تقليص الواردات إلى الولايات المتحدة ، ولكنه سيقود أيضاً إلى تقليص الصادرات منها. علاوة على ذلك، فإن أكبر المخاطر التي تواجه التجارة العالمية هي احتمال أن تنظر البلدان الأخرى للضريبة الجديدة على أنها رسوم مبطنة، مما يخالف قواعد التجارة العالمية وبالتالي يرفع من احتمال الرد بالمثل.
فمن المرجح أن يقدم العديد من الشركاء التجاريين الكبار للولايات المتحدة على تطبيق تعريفات على المنتجات الأمريكية أو اتخاذ إجراءات مماثلة أخرى. وبالتالي، من شأن ذلك أن يحد من أرباح الصادرات الأميركية وتفاقم أزمة التجارة العالمية.
وقد شهدت التجارة العالمية سنوات عجاف في الفترة الأخيرة مع نمو متأرجح ظل أقل بكثير من المتوسط التاريخي ثم تباطأ أكثر إلى 1.9% في 2016. وبالتالي، فإن أجندة ترامب حول التجارة قد تبقي التجارة العالمية في وضع مثبط خلال السنوات القادمة.