كثيرة هي الشخصيات التي ترسم لنفسها خطوطاً بارزة داخل المشهد السياسي، الجيد منها والسيء. وعندما تكون الشخصية المصاحبة داخل هذا المشهد كلاعب سياسي أو صانع في القرار امرأة، فإن الأمر يصبح مختلفاً، خاصةً إن كانت المرأة ليست كأي امرأةٍ أخرى.
والتاريخ الحديث يحظى بكثير منهن، ولعل أكثر النساء جاذبية ودوراً في جذب الجماهير لها هي جاكلين كنيدي، السيدة الأولى سابقاً، أرملة الرئيس الأميركي جون إف كنيدي الذي اغتيل بطلقات رصاص غادرة، بقيت سراً مدفوناً حتى يومنا الحالي، لرابع جريمة اغتيال عرفت في تاريخ رؤساء الولايات المتحدة الأميركية.
ولو نظرنا إلى حجم الاغتيالات السياسية التي شهدت الولايات المتحدة عبر مراحل تاريخية مختلفة، فهي بدأت مع اغتيال الرئيس إبراهام لينكولن في العام 1865، وصولاً إلى اغتيال الرئيس جيمس غارفيلد، والرئيس وليام ماكينلي، والرئيس جون إف كنيدي، والناشط الأسود مالكوم إكس، وزعيم الحقوق المدنية مارتن لوثر كنغ. إضافةً إلى ذلك كان هناك الكثير من محاولات الاغتيال الفاشلة التي وقعت خلال العقود الماضية، والتي كان من أهمها محاولة اغتيال الرئيس رونالد ريغان في العام 1981.
مناسبة هذا الحديث هو ما جاء في فيلم «جاكي» الذي يعرض حالياً في دور السينما في البحرين، إذ ركز على سعي جاكلين لأن يحظى زوجها بمراسم جنازة فخمة تليق به، وعلى أن تستثمر حدث الجنازة والتأبين للتذكير بمنجز زوجها ومساره السياسي، مشبهةً إياه بالرئيس لنكولن، بينما كان المستشارون في البيت الأبيض يحرصون على أن يجعلوا التشييع والجنازة تمر بهدوء، لكي ينتقلوا إلى مرحلة سياسية أخرى جديدة.
لقد انطلق الفيلم من لحظة وصول صحافي - لم يسمّه الفيلم- جاء لإجراء مقابلة مع جاكلين في مجمع العائلة في هاينيس بورت بماشسيوست، بعد أسبوع من اغتيال زوجها. وتستقبل جاكلين الصحافي بشكل مباشر، وتلمح له أنها ستقوم بمراجعة المقابلة. وتصبح هذه المقابلة الصحافية مدخلاً لحكاية إطارية، تقدّم موزاييك من مشاهد مختلفة من الأيام الأخيرة التي عاشتها زوجة الرئيس الأميركي الراحل، بعد اغتيال زوجها وسعيها لإقامة مراسم جنازة تخلد منجزه في قلوب الأميركيين، وكواليس مستشاري وموظفي البيت الأبيض، ومشهد اغتيال زوجها وهي إلى جانبه ببدلتها الوردية التي تلطخت بدمائه، والتي ارتدتها لاحقاً، وهي تقف إلى جانب الرئيس جونسون، وهو يؤدي اليمين الدستورية خلفاً لكنيدي، ومشاهد استرجاعية لها في فترة رئاسة كيندي.
أكثر ما يشد في هذا الفيلم العلاقة بالمكان، والفراق التراجيدي عنه، وهو هنا البيت الأبيض الذي كانت هي ملكته غير المتوّجة، وحرصت على أن تضفي لمساتها على كل شيء فيه، أضف إلى ذلك المقارنات التي عقدت بين الرئيسين، جون كنيدي وإبراهام لنكولن، وكلاهما اغتيل في النهاية. فنرى في البرنامج التلفزيوني جاكلين تتوقف طويلاً عند غرفة لينكولن متحدثةً عمّا تحتويه من مقتنيات، كما ترد في الحوارات مثل هذه المقارنات، والحديث عن دور لنكولن في مجال الحقوق المدنية، وإنهاء الرق والعبودية في الولايات المتحدة الأميركية. وتصل هذه المقارنات ذروتها في مراسم جنازة كنيدي التي حاكت جنازة لنكولن، إذ حمل جثمانه على عربة تجرها الخيول، وسار خلفه حصان بلا فارس، ثم المشيعون ساروا على الأقدام وفي مقدمتهم جاكلين وشقيقه بوبي حتى دفن جثمانه في مقبرة ارلينغتون.
ولتجسيد رؤية ورواية جاكلين للحوادث، امتلأ الفيلم بمشاهد تتحدّث فيها عمّا حدث، بل وعن مفاهيمها في الحياة والدين، أو المشاهد المتعددة التي ظهرت فيها متحدثة أو معترفة للقس الكاثوليكي وسط الطبيعة وليس داخل الكنيسة.
الفيلم يعد تجربة مميزة وجريئة في اقتحام كواليس البيت الأبيض في واحدة من أشد لحظات التاريخ الأميركي حرجاً، وهي لحظة اغتيال كنيدي في ستينات القرن الماضي.
إن البحث عن لمسة إنسانية وسط كواليس السياسة وعوالمها الصارمة في اختيار شخصية تحمل بين مشاعر الحزن والصدمة، هي مرحلة تركت معها إرث آل كيندي من خلال جاكلين كنيدي التي أرادت أن تحفر هذا الأثر في قلوب الشعب الأميركي.
اليوم وبعد مرور فترة طويلة على اغتيال كنيدي، تحل محلها مرحلة مخاض للمشهد السياسي الأميركي مع الرئيس الحالي دونالد ترامب، إذ تحمل ما يسر أو ما يضر المبادئ التي تأسست عليها الولايات المتحدة، بصورة قد تدفع إلى مزيد من الانقسام والاحتقان أو التطرف. ولذا فإن عجلة السياسة بشكل عام هي «عجلة خداع»، قد تتحوّل إلى مجرد كلمات سد فراغ وإثارة الرأي العام، أو نهاية تنتهي بأزمات قد تغلق ملفات، مثلما حصل مع الرئيس الراحل كنيدي، أو تنتهي بقلب الأمور رأساً على عقب مثل ما يحدث مع الرئيس ترامب في صورة لا ندري منها كيف ستكون نهايتها.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 5265 - السبت 04 فبراير 2017م الموافق 07 جمادى الأولى 1438هـ
صباح الخير
لا تقلق يا صديقي ستراه عما قريب رونالد ترامب من الصعب تخيل هادا الأحمق أن يدوم طويلاً في البيت الأبيض لأنه بصراحة اجهل رئيس للاعظم دولة في العالم
ارى واتمنى ذلك في القريب لكي يأخذ البعض درسا حين ينتهجون العنصرية