في الأسبوع الماضي أقام الاتحاد النسائي المنتدى الحواري بعنوان: «المرأة في صراعها الطويل، هكذا يريدونني وهكذا أريد نفسي»، عنواناً على سعة ما يحمله من هم واصرار على التغيير، بقدر ما يخلق جداراً ويؤسس لصراع، فمن هم الذين يريدون؟ فبدلاً من تأسيس خطاب الاحتواء والتصالح، يخلق استفزازاً، وكأن ما يراد له تشويقاً وتسويقاً أضاع بوصلته في الكلمات والاختيار.
أولى هذه الأوراق كانت للباحثة الاجتماعية هدى المحمود في ورقتها: «صورة المرأة في الموروث الديني والواقع الزمني»، فقد أشارت إلى أن «الباحث في هذا الموضوع دائماً ما يسير في بؤرة من الألغام بين المقدس والمحظور». في خلط واضح بين الموروث الاجتماعي والعرف السائد وبين الموروث الديني - بحسب ما تناوله المنتدون - إذ تساءلت «كيف تعاطى النَّصُّ الدّينيُّ والفكر الَّذي أنتجه الفقهاء مع واقع المرأة على امتداد التَّاريخ العربيّ؟».
إن الإسلام لديه أولويات وأحكام عامة لا تقاس فيها ولا تخضع لمن المستفيد ومن الضحية، أي يعني لا أنظر إلى الحكم بدرجة الاستفادة وأطوّع قراءتي لذلك، فللنص القرآني أوجه متعددة، لذلك اختلفت بعض القراءات بشأنه، فالبعض يخضع القراءة لنص التفسير، وبعضها للغة، وبعضها للمجريات التاريخية، لذلك لا نجزئ النص الديني ولا نقيس فهمه على ما أريده وأستسيغه، إذ أشارت الباحثة إلى أن كلمة الحرام تلتصق بالمرأة، وفي هذا تجنٍّ، فعندما يقال حرمة فلان، فهذا موروث لا علاقة له بالدين، والمعاشرة الجنسية محرمة على الرجل والمرأة معا بدون عقد وشهود، أما ما تشير إليه «إبّان الحيض يكون الحرام ضاربًا المرأة»، فالحرمة هنا تقع لحدوث عين النجاسة، التي يحرم على من تصيبه رجلاً أو امراة أمور معينة حتى يتطهر، فكون الحيض يختص بالمرأة، بسبب الجنس لا يعني أن تكون حراماً؛ لأنَّها امرأة.
أمَّا ما ذكرته «أمَّا إذا ظلَّت المؤسَّسات الدّينيَّة تنظر إلى هذه النُّصوص بإطلاقيتها، وكونها صالحة لكلّ زمان ومكان، يصبح هذا الموروث الديني مسئولاً وبقوّة عن التَّمييز بين الرَّجل والمرأة»، فإن فكرة المساواة ليست المرأة معنيةً بطلبها، فهي تتحرك في الحياة كإنسان لا ينبغي أن يكون الرجل - كونه جنساً آخر - مقياساً تناضل للوصول إلى مجاراته؛ بل تبقى تتفوق بإنسانيتها وتتميز بالدور الذي تختاره في الحياة. وما الأحكام التشريعية إلا تكليف في حياة نعيشها في أدوار مختلفة، من حياة أسرية أو عملية أو حتى عبادية.
أما الكاتبة باسمة القصاب في ورقتها «المرأة وثقافة المجتمع» على أساس أن المجتمع يجعل ذواتهم جزءاً من ذاته، بما سمته بـ «تذويت» حين أشارت إلى خلق النموذج وهو المقياس وهو لا يجرى على المرأة فحسب؛ إنما يتعداه للجميع، وإن كان للمرأة نصيب أكثر، على رغم أن القصاب فصلت بين الموروث الديني والموروث الاجتماعي، لكن في مسألة الحجاب ركنت في تناولها له إلى قضية الاختيار وقناعة المرأة نفسها به، وكأن المجتمع والعرف هو من فرضه، فالدين هو من فرضه، لذلك فالمسألة لا تقترن بالمجتمع وتذويت المرأة بشكل الحجاب، بقدر ما قناعتها به، ومقدار التحايل عليه.
في نهاية الجلسة الأولى طرح الناقد فهد حسين مداخلته بشأن الصورة النمطية للمرأة في الرواية، بادئاً حديثه بأننا ينبغي علينا ألا نتداول عبارة «إن كل رجل عظيم وراءه امرأة عظيمة»، بل «إن كل رجل عظيم معه امرأة عظيمة»، معللاً بأن كلمة وراءه تعني التبعية، هي قراءة لرجل نقدر إخلاصه للمرأة، لكن ربما تكون وراءه هي من تدفعه، فلا حراك لرجل دون امرأة، وربما معه تعني المسايرة وليست المماثلة.
خطاب يدعو إلى التحرر، ورفع القيود، ورفض كل ما يعوق هذا الانطلاق، هذا الخطاب يعلق سبب هذه القيود على الفهم الديني أو الموروث الثقافي أو السلطة الذكورية النابعة من عالم القوة، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الدينية. في رأيي: المرأة لا تحتاج إلى هذا الصراع بقدر ما تحتاج إلى تحديد اتجاه من هي؟ وماذا تريد؟.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 5264 - الجمعة 03 فبراير 2017م الموافق 06 جمادى الأولى 1438هـ
مقال ممتاز ورد صائب .. المؤسف أن الاتحاد النسائي يرسم للمرأة البحرينية طريقا على هواه دون مراعاة الهوية الأصيلة للمرأة المسلمة في هذا البلد الطيب.
شكرا أستاذة رملة
حقيقة بعض النساء يتكلمن كأنهن لم يقرأن التاريخ ولم يستفدن منه
وما زلن يكررن أفكار وقناعات هشة ولا قيمة لها
وللأسف بعنوان التحرر والاستقلال
اذا بقت جمعيات المرأة أمام هذه الأفكار السطحية والقراءات الضعيفة والتي لا نرى فيها غير مخالفة الدين واللف عليه فهذا يعني أنها لا تتقدم ولا تقرأ ولا تستفيد شي من التجارب البشرية
قرأت سابقا خبر تغطية المنتدى وصدمتني الافكار المطروحة بحيث يشعر القارئ ان هذه الفئات لا تبرح مكانها ولا تحاول ان تقرأ الآخر وتفهم الدين على الاقل