أشاد وزير الإعلام علي الرميحي بعمق العلاقات الأخوية التاريخية البحرينية المصرية، وما تشهده من تقدم ونماء على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والثقافية والأمنية والعسكرية كافة، باعتبارها نموذجاً للعمل العربي المشترك، والقائم على روح الأخوة والاحترام المتبادل، وفق ما نقلته وكالة أنباء البحرين (بنا) اليوم الأحد (22 يناير/ كانون الثاني 2017).
وثمّن الرميحي في حوار مع "وكالة أنباء الشرق الأوسط" النتائج المثمرة لزيارة جلالة ملك البحرين إلى القاهرة في أبريل/ نيسان الماضي، وهي الخامسة منذ تولي فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد الحكم، وتتويجها بتوقيع 19 اتفاقية ومذكرة تفاهم وبروتوكول للتعاون في مختلف المجالات، مؤكداً الاهتمام بتعزيز التعاون الإعلامي عبر تبادل المعلومات والأخبار والخبرات الفنية والتقنية، والتنسيق المشترك في مناهضة القنوات الإعلامية المحرضة على الكراهية والإرهاب.
وأشار إلى حرص البحرين على أمن مصر واستقرارها وتقدمها، والنهوض بدورها المحوري والاستراتيجي في الوقوف إلى جانب أشقائها، ونصرة القضايا العربية والإسلامية العادلة، مثمنًا التزام مصر العروبة والأزهر الشريف الدائم بأمن البحرين والخليج العربي وردع التدخلات الإيرانية العدوانية والسافرة، من منطلق الشراكة الأخوية في محاربة التطرف والإرهاب، ونشر قيم الوسطية والتسامح والاعتدال، والحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي والدولي.
وحول أبرز التطورات على الساحة البحرينية، أشار وزير الإعلام إلى اتساع آفاق حرية التعبير عن الرأي بفضل الأجواء الديمقراطية التي أتاحها المشروع الإصلاحي لعاهل البلاد، منذ تدشين ميثاق العمل الوطني وإقرار الإصلاحات الدستورية والحقوقية، وانعكاسها على ازدهار الحريات الإعلامية عبر 22 صحيفة ومجلة يومية وأسبوعية، و38 مجلة شهرية، و9 مواقع إلكترونية إخبارية، وغيرها من التطورات المهنية والتقنية في ظل تدشين الهوية الجديدة لتليفزيون البحرين وبث 5 قنوات بتقنية عالية الجودة وعشر محطات إذاعية، وإنشاء مركز الاتصال الوطني لتعزيز التواصل مع الإعلام المحلي والخارجي، ورفع مشروع قانون عصري مستنير للصحافة والإعلام الإلكتروني إلى مجلس الوزراء، والجاري دراسته قبل عرضه على السلطة التشريعية لمناقشته وإقراره بحسب الأدوات الدستورية والقانونية المتبعة.
وفيما يلي نص الحوار:
بالنظر إلى طبيعة العلاقات التاريخية الوطيدة التي تربط مملكة البحرين بجمهورية مصر العربية، ما هو تقييم سعادتكم لأهمية هذه العلاقات ومسيرتها وسط التحديات التي تواجه المنطقة؟
ترتبط مملكة البحرين وشقيقتها الكبرى جمهورية مصر العربية بعلاقات أخوية تاريخية وطيدة ومتميزة، وتشهد تقدمًا واضحًا على كافة المستويات والأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والثقافية والأمنية والعسكرية وبروزها كنموذج يحتذى به في العمل العربي المشترك، بفضل الروابط الودية الوثيقة بين قيادتي وشعبي البلدين الشقيقين، والضاربة جذورها في أعماق التاريخ على أسس من الأخوة والاحترام المتبادل، والشراكة في حماية الأمن القومي العربي والخليجي، وتدعيم النهضة الاقتصادية والاجتماعية، بما يحقق المصالح المشتركة.
وتعتز مملكة البحرين بقيمة مصر ودورها التاريخي كعمق حيوي واستراتيجي للأمة العربية، وإسهاماتها البارزة منذ بدايات القرن الماضي في دعم النهضة التنموية والتعليمية والصحية، وبناء وتطوير المنظومة القضائية والتشريعية في البحرين والعديد من البلدان العربية، وتقدر عاليًا مواقفها التاريخية المشرفة في الوقوف إلى جانب أمن واستقرار البحرين وعروبتها وسيادتها الوطنية في مواجهة الأطماع الإيرانية وأية تهديدات إقليمية أو خارجية، وهو ما أكده فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي في مناسبات عديدة من عدم سماح مصر لأي مساس بأمن واستقرار أشقائها في الخليج، انطلاقًا من أن أمن الخليج العربي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي لمصر.
كما تفخر مملكة البحرين بالعلاقات التاريخية والوطيدة التي تجمع بين البلدين، ومشاعر التقدير والمحبة التي تكنها مصر قيادة وشعبا للعاهل البحريني ومواقفه الثابتة والداعمة لإرادة الشعب المصري في مسيرته الديمقراطية والتنموية، وكونه أول قائد عربي يزور مصر في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، وتأييدها للمبادرة المصرية بتشكيل القوة العربية المشتركة لمحاربة الإرهاب ودرء الأخطار الخارجية بما يضمن أمن واستقرار الدول العربية، هذا إلى جانب القواسم المشتركة بين البلدين الشقيقين في ظل حضارتهما العريقة وحرصهما والأزهر الشريف على ترسيخ الوحدة الإسلامية، ونشر قيم التسامح الوسطية والاعتدال والتفاهم بين الحضارات والثقافات والأديان.
وقد اكتسبت هذه العلاقات دفعة إيجابية في ضوء النتائج المثمرة لزيارة جلالة ملك البحرين إلى القاهرة في أبريل الماضي، وهي الخامسة منذ تولي الرئيس السيسي مقاليد الحكم، وتتويجها بتوقيع 19 اتفاقية ومذكرة تفاهم وبروتوكول للتعاون في مجالات النفط والغاز والزراعة والقطاع المالي والمصرفي، والعلوم والتكنولوجيا وتشجيع وحماية الاستثمار، والتبادل التجاري والنقل الجوي. وهناك آفاق واسعة لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري.
يحتل التعاون الإعلامي بين مملكة البحرين ومصر أولوية قصوى، خاصة عند النظر للتجربة الإعلامية المتطورة في كلا البلدين، كيف ترون إمكانية تعظيم هذا التعاون سواء على صعيد نقل وتوطين الخبرات أو على صعيد التبادل التقني والفني؟
نحن حريصون على تعزيز التعاون الإعلامي مع مصر عبر تفعيل الاتفاقيات الموقعة على الصعيدين الثنائي والعربي، فيما يختص بتبادل الخبرات الفنية والتقنية والمعلومات والبيانات والمواد الإعلامية، في مجالات الإذاعة والتليفزيون، والتنسيق الإعلامي الخارجي، وأحدثها برتوكول التعاون الإعلامي مع الهيئة العامة للاستعلامات، والموقع على هامش زيارة جلالة الملك الأخيرة إلى القاهرة في أبريل الماضي.
ونسعى إلى تنمية الإنتاج الفني المشترك، وتشجيع نشر الأخبار والمعلومات المتعلقة بكلا البلدين في الصحف والمجلات وتسهيل مهمة المراسلين والصحفيين، والتعاون بين وكالتي الأنباء، إلى جانب متابعة تنسيق المواقف الإعلامية في المنظمات والمؤتمرات الإقليمية والدولية، بما يخدم المصالح المشتركة ويدعم القضايا العربية والإسلامية.
شهد الإعلام البحريني خلال السنوات القليلة الماضية العديد من التطورات التي جعلته واحدًا من أبرز المنارات الإعلامية في المنطقة، هل لكم أن تطلعونا على أبرز هذه التطورات والمنجزات التي حققها؟
يشهد الإعلام البحريني بجميع قنواته المطبوعة والمسموعة والمرئية والإلكترونية تطورات إيجابية من حيث الكم والمضمون واتساع آفاق حرية التعبير عن الرأي بفضل الأجواء الديمقراطية التي أتاحها المشروع الإصلاحي لعاهل البلاد المفدى، منذ تدشين ميثاق العمل الوطني بموافقة 98.4% من الشعب البحريني في فبراير 2001 وإقرار الإصلاحات الدستورية والتشريعية، وترسيخ احترام حقوق الإنسان وحرياته السياسية والمدنية والثقافية والاجتماعية، وتدعيم مكانة المملكة كمنارة للتسامح والتعايش السلمي بين جميع الأديان والحضارات والثقافات.
وقد انعكست هذه الأجواء على ازدهار الحريات في وسائل الصحافة والإعلام، وارتفاع أعدادها من 4 صحف يومية عام 1999 إلى سبع صحف يومية، و15 صحيفة ومجلة أسبوعية، و38 مجلة شهرية، و9 مواقع إخبارية، وغيرها من التطورات المهنية والتقنية في ظل تدشين الهوية الجديدة لتليفزيون البحرين وبث 5 قنوات بتقنية عالية الجودة وعشر محطات إذاعية، وإنشاء مركز الاتصال الوطني بمرسوم ملكي في 1/12/2016 لتوحيد الخطاب الإعلامي الحكومي وتعزيز التواصل مع الإعلام المحلي والخارجي على أسس من التنافسية والإبداع.
وتمارس جميع وسائل الإعلام رسالتها التنموية والتنويرية وفقًا للدستور والقوانين، وتفخر مملكة البحرين بأنه منذ انطلاق المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، ولم يتعرض أي صحفي أو إعلامي للسجن، ولم يتم إغلاق أي مؤسسة إعلامية أو تجريم أي شخص بسبب ممارسة الحق الدستوري في التعبيـر عن الرأي في ظل سيادة القانون واستقلالية ونزاهة السلطة القضائية. كما نؤكد اعتزازنا بالتوجيهات الملكية السامية إلى اعتماد يوم للاحتفاء بالصحافة البحرينية في السابع من مايو من كل عام، ومتابعة تنفيذ مشروع لإسكان الصحفيين والإعلاميين.
وما هي آخر التطورات حول سن قانون جديد لتطوير الصحافة والإعلام، وانعكاسه المتوقع على واقع الحريات الصحفية والإعلامية؟
أعدت وزارة شئون الإعلام مسودة مشروع قانون عصري مستنير للصحافة والإعلام الإلكتروني بالشراكة مع المؤسسات والجمعيات المهنية الصحفية، ورفعته إلى مجلس الوزراء برئاسة رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، والذي تفضل بإحالته منذ أيام قليلة في (2 يناير/ كانون الثاني 2017) إلى اللجنة الوزارية المختصة لدراسته تمهيدًا لإعداده في صيغته النهائية قبل عرضه على السلطة التشريعية لإقراره بحسب الأدوات الدستورية والقانونية المتبعة.
ومشروع القانون الجديد أكثر تقدمًا من قانون الصحافة الحالي الصادر بالمرسوم بقانون رقم (47) لسنة 2002، ويواكب أحدث المستجدات في مجال الإعلام الجديد، ومن شأنه تعزيز حرية الصحافة والإعلام المسؤولة، وإصدار الصحف الورقية والإلكترونية والمطبوعات، وممارسة الصحفيين واجباتهم المهنية بحرية وأمان واستقلالية وحيادية، مع كفالة حقوقهم في الحصول على المعلومات والأخبار وبثها وتداولها، ومعاقبة المعتدي عليهم بالعقوبات المقررة للتعدي على الموظف العام، مع حظر فصلهم تعسفيًا، ومنع حبسهم احتياطيًا في جرائم النشر.
ويرسخ المشروع الجديد الحريات الصحفية والإعلامية وفق ضوابط مهنية تضمن الالتزام بالقوانين وميثاق الشرف الصحافي والمواثيق الدولية، لاسيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، عبر تحري الدقة والأمانة والحيادية والموضوعية والمصداقية، وحظر الدعوة إلى العنف أو الطائفية أو العنصرية أو الكراهية أو الخروج على النظام العام، وعدم المساس بالهوية الوطنية والقومية، والابتعاد عن الإثارة والتجريح وتشويه السمعة أو انتهاك حرمة وكرامة الآخرين أو المساس بحق من حقوقهم أو التعرض لحياتهم الشخصية.
تولي الحكومة البحرينية اهتماما ملحوظًا بالقطاع الخاص وتشجع مبادراته الفردية، كي يقود قاطرة النمو في المرحلة المقبلة في شتى القطاعات، برأيكم ما هي إمكانية أن ينافس هذا القطاع إعلاميا ويساهم في رفد الاقتصاد الوطني بالقيمة الإضافية المنتظرة؟
أصبح الإعلام صناعة عالمية ضخمة تتجاوز قيمتها تريليوني دولار أميركي، مع ارتباطه بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأنشطة التجارية والاستثمارية والإعلانية، وتزايد تأثيره في اتجاهات الرأي العام محليًا ودوليًا. ومملكة البحرين بما تتميز به انفتاح اقتصادي ومكانة مرموقة جعلتها في المرتبة الأولى عربيًا وإقليميًا وفق مؤشر الحرية الاقتصادية لمؤسسة هريتدج الأميركية منذ إصداره عام 1995، والمركز 18 عالميًا لعام 2016، مدركة تمامًا لأهمية تشجيع القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية إلى مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية، بما فيها القطاع الإعلامي، بما يدعم توجهاتها نحو تنويع مصادر الدخل القومي، وتوفير المزيد من فرص العمل أمام المواطنين.
وتمضي مملكة البحرين بخطى حثيثة نحو تعزيز الجاذبية الاستثمارية لقطاع الإعلام والاتصال عبر تطوير المناخ التشريعي في هذا القطاع الحيوي، وتوطيد أواصر الشراكة مع القطاع الخاص في تطوير الإعلام المرئي والمسموع، حيث اعتمدنا في تطوير الهوية الجديدة لتليفزيون البحرين على التعاون مع 15 شركة إنتاج فني خاصة يديرها مجموعة من الشباب البحريني المبدع، مع العلم بأن جميع الصحف والمجلات مملوكة لشركات خاصة، ونحرص على إفساح المجال أمام هذا القطاع للمشاركة بفعالية أكبر في مسيرة التطوير الإعلامي فنيًا وتقنيًا ومهنيًا، ودعم الإنتاج الفني والسينمائي، وتحويل البحرين إلى مركز إقليمي رائد للتدريب الإعلامي، مع الاستفادة من خبرات المؤسسات الإعلامية العربية والأجنبية العريقة، بما يواكب المنظومة التشريعية والتنظيمية والقضائية المتميزة في المملكة، وما تتمتع به من انفتاح ديمقراطي، وبنية تحتية حديثة ومتكاملة، وكوادر إعلامية وفنية وطنية كفؤة ومبدعة، وحماية حقوق الملكية الفكرية.
تواجه المنطقة عموماً، والبحرين بشكل خاص، حملات إعلامية مغرضة تقوم عليها وسائل إعلامية ممولة من الخارج، في رأيكم، كيف يمكن وقف خطابات الحض على الكراهية التي تبثها مثل هذه الوسائل؟
تعرضت مملكة البحرين والعديد من دول المنطقة بالفعل لحملات إعلامية مغرضة ومضللة في بعض وسائل الإعلام الإقليمية والدولية والمنظمات الأجنبية، تستهدف أمنها واستقرارها ووحدتها الوطنية وسلامتها وهويتها الثقافية والحضارية، وغالبًا ما تكون هذه الحملات مدفوعة من الخارج بدوافع طائفية بغيضة أو لأغراض الإساءة والتشويه لأهداف سياسية.
وأعتقد أننا بحاجة إلى صحوة إعلامية عربية وإسلامية ووقفة جماعية موحدة على المستويين الإقليمي والدولي ضد وسائل الإعلام والقنوات المحرضة على التطرف والعنف والإرهاب والمثيرة للكراهية الدينية أو القومية أو العرقية أو العنصرية، باعتبارها مخالفة لجميع القوانين والمواثيق الدولية والقيم الدينية والإنسانية والأخلاقية.
وينبغي أن يكون التحرك في مواجهتها على أكثر من مستوى، من خلال أولاً: الأخذ بزمام المبادرة في توضيح الحقائق وتبادل الأخبار والمعلومات الصحيحة بين الأجهزة الإعلامية العربية، لاسيما وكالات الأنباء، بالتكامل مع الجهود الوطنية، وثانيًا: تعزيز التزام وسائل الإعلام بميثاق الشرف الإعلامي العربي لعام 2007 وتعديلاته لعام 2013، من خلال تحري الدقة والموضوعية، وتعميق روح التسامح والتآخي ونبذ كل دعاوى التمييـز والتعصب والكراهية أو التحريض على العنف والإرهاب، وأخيرًا وليس آخرًا اتخاذ الإجراءات القانونية ضد وسائل الإعلام المسيئة، وهو ما بادرت إليه البحرين بالفعل ضد القناة الفضائية التابعة لحزب الله الإرهابي، وبالتعاون مع أشقائها، ما نتج عنه اعتذارها في البداية أمام اتحاد إذاعات الدول العربية، ثم إيقاف بثها على الأقمار الصناعية العربية لتحريضها على الإرهاب والفتنة الطائفية.
وانطلاقًا من خطورة الخطابات التحريضية والعدوانية، قدمنا اقتراحا وافق عليه مجلس وزراء الإعلام العرب في مايو 2016، بشأن وضع آلية لوقف بث القنوات الفضائية المسيئة أو المحرضة على الكراهية والإرهاب، وإلغاء عضويتها في اتحاد إذاعات الدول العربية، ومطالبة الأقمار الصناعية العربية بتنفيذ شروط تعاقداتها التجارية مع القنوات الفضائية، وحظر أي قناة مخالفة. وهو ما أكدنا عليه أيضًا خلال المؤتمر الإسلامي الحادي عشر لوزراء الإعلام بالدعوة إلى إقرار ميثاق شرف إعلامي ملزم للتصدي لخطابات الكراهية والإساءة.
مع التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، خاصة لجهة تنامي النفوذ الإقليمي لبعض الدول مثل إيران ومحاولة تدخلها في شئون دولها... ما هي أبرز التهديدات التي تواجهها البحرين في هذا الخصوص وسبل مواجهتها؟ وما هي مرئياتكم على الصعيد الإعلامي لوقف التدخلات الإيرانية؟
التدخلات الإيرانية السافرة في شئون البحرين ودول المنطقة محل إدانة شديدة من قبل المنظمات الإقليمية والدولية، وخاصة مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، والعديد من الدول الشقيقة والصديقة، كونها لا تقتصر فقط على المواقف السياسية الاستفزازية والمعادية أو توظيف وسائل الإعلام في إشاعة الفتن الطائفية، وإنما تمتد أيضًا إلى دعم وتمويل الحركات الإرهابية المتطرفة والتورط في عمليات لتهريب الأسلحة والمتفجرات والمطلوبين أمنيًا، وهو ما أكدته تحقيقات الأجهزة الأمنية والأحكام القضائية الأخيرة.
ولا شك في أن مواجهة هذه التدخلات العدوانية بحاجة إلى معالجة سياسية ودبلوماسية وأمنية وإعلامية، فإلى جانب التعاون والتنسيق الأمني الخليجي والعربي والذي نجح في إحباط العديد من المخططات الإرهابية الإيرانية، فإنها ينبغي الأخذ بزمام المبادرة في تطوير دور الإعلام العربي أو إنشاء قنوات فضائية متخصصة لتوضيح الحقائق وحماية الأمن القومي والحفاظ على الهوية الثقافية والحضارية للأمة العربية والإسلامية، واتخاذ إجراءات سياسية لمواجهة التهديدات الإيرانية، وإلزامها على الساحة الدولية باحترام مبادئ حسن الجوار ووقف التدخل في الشئون الداخلية للدول وعدم احتضان وإيواء الجماعات الإرهابية على أراضيها أو دعم المليشيات الإرهابية في المنطقة وفقاً للمواثيق والقوانين والأعراف الدولية، وخاصة المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945، وتنص على احترام سيادة الدول الأعضاء وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والحفاظ على سلامة أراضيها واستقلالها السياسي، والتوصية رقم (2131) للجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 ديسمبر 1965، بعنوان "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحماية استقلالها وسيادتها"، وما يؤكده العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشأن حماية الأمن القومي والنظام العام، وحظر أي دعوات إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف.
ولا يفوتنا في هذا الصدد أن نؤكد اعتزازنا بالوقفة الأخوية المشرفة والثابتة لمصر العروبة وبلد الأزهر الشريف في دعمها الدائم لأمن البحرين والخليج العربي وردع التدخلات الإيرانية العدوانية والسافرة، من منطلق الشراكة الأخوية في محاربة التطرف والإرهاب، ونشر قيم الوسطية والتسامح والاعتدال، ومشاركتها في التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، ومساندتها للقضايا العربية في مختلف المحافل الإقليمية والدولية، والحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي والدولي.
يشهد حقل الإعلام في المملكة تطورات مذهلة، خاصة مع تزايد تأثير استخدامات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، هل هناك خطوات معينة تشريعيا أو تنظيميا لتجنب الاستخدام الخاطئ لبعض هذه الوسائل؟
مملكة البحرين هي الأولى عربيًا والتاسعة والعشرين عالميًا في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وفقًا لتقرير قياس مجتمع المعلوماتية 2016 الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات، وللعام الخامس على التوالي، وتأتي في المرتبة الخامسة عالمياً من حيث المساكن التي تمتلك حاسوبا آليا ونسبتها (95%)، وارتباط (88%) منها بشبكة الإنترنت، والسادسة عالميًا في نسبة الأفراد مستخدمي الإنترنت (94%)، والسابعة عالميًا في اشتراكات الهواتف النقالة وتتجاوز 185% من مجموع السكان، كما أنها تعد من أعلى دول العالم استخدامًا لشبكات التواصل الاجتماعي، وبنسبة تتجاوز نصف عدد السكان.
ولا شك في أن هذا الاستخدام المتزايد للتقنيات الحديثة كما يطرح فرصًا أمام تدعيم التنمية والمعاملات الحكومية والتجارية الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، فإنه يفرض تحديات مستحدثة نتيجة لإساءة استخدامها في ارتكاب الجرائم الإلكترونية، بما فيها بث الشائعات والأكاذيب ومخالفة الآداب العامة والاحتيال المالي وتهديد الأمن القومي عبر التحريض على العنف والإرهاب والتجسس والتشهير بالآخرين وترويج الأفكار المتطرفة، لاسيما مع سهولة تدشين حسابات وهمية وتشغيلها وإدارتها من قبل أفراد وعصابات إجرامية.
ولا تقتصر هذه التحديات على الشأن المحلي، وإنما تشمل العالم كله بعد تحوله إلى قرية صغيرة في ظل نمو استخدامات الإنترنت عالميًا إلى 3.2 مليارات مستخدم بنسبة انتشار تتجاوز 43% من سكان العالم، و37% من سكان الوطن العربي، وشيوع استخدامات شبكات الإعلام الاجتماعي بين 2.2 مليار شخص بنسبة 31% من سكان العالم، ونمو حجم الخسائر المترتبة على الجرائم الإلكترونية إلى أكثر من 445 مليار دولار أمريكي سنويًا.
وإدراكًا لخطورة هذه التهديدات العابرة للحدود الوطنية، فإننا ندعو إلى تنفيذ سياسات وطنية وتبنـي استراتيجية عربية موحدة للإعلام الإلكتروني لتعزيز الاستفادة من شبكة الإنترنت في تطوير الإعلام ودوره في التوعية ونشر الأخبار بسرعة ودقة ومصداقية عالية، واتخاذ التدابير القانونية والتنفيذية، حيث أعددنا مشروع قانون للصحافة والإعلام الإلكتروني تجري دراسته كما سبقت الإشارة، ولدينا القانون رقم (60) لسنة 2014 بشأن جرائم تقنية المعلومات، كما أن هناك اتفاقية عربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات تم التوقيع عليها في عام 2010، ونسعى إلى تفعيل التشريعات والمواثيق العربية والدولية ذات الصلة، بما يصون حرية التعبير المسؤولة، ويحول دون إساءة استغلال الفضاء الإلكتروني في تسهيل ارتكاب الجرائم المعلوماتية بجميع أنواعها.
لدول مجلس التعاون الخليجي خصوصيتها الحضارية والثقافية المتميزة، وقد نجح وزراء إعلام دول التعاون في إيجاد أرضية مشتركة للتعاون البيني، هل من الممكن أن نرى مستقبلاً شكلاً من أشكال توحيد السياسات الإعلامية، وكيف تقيمون خطط التنسيق الإعلامي المشترك؟
التعاون الإعلامي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ذو خصوصية فريدة نابعة من روح الإخوة الصادقة بين القيادات والشعوب الخليجية، وما يجمعها من تاريخ عريق مشترك ووحدة دينية وجغرافية ولغوية واجتماعية ووشائج القربى، والحرص على تعزيز مسيرة التكامل والتـرابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين، من بينها المجال الإعلامي، وصولا إلى الاتحاد الخليجي المبارك، باعتباره الهدف الأسمى منذ إنشاء المجلس عام 1981.
وإيمانًا بأهمية دور الإعلام في صون الأمن القومي الخليجي، والحفاظ على الهوية الخليجية والعربية والإسلامية لدول المجلس وشعوبها، وتحصينها ضد كل ما يهدد تماسكها واستقرارها، وترسيخ احتـرام أنظمة الدول الأعضاء ودساتيرها وقوانينها ورموزها وخصوصياتها، أقر وزراء الإعلام بدول المجلس عبر (24) اجتماعًا سنويًا اعتياديًا العديد من المشاريع والبرامج الإعلامية المتميزة على صعيد تطوير السياسات والتشريعات الإعلامية وتوحيدها، بما يحقق المصالح العليا المشتركة.
وتمثلت أبرز الإنجازات التكاملية الإعلامية الخليجية في إنشاء مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك وجهاز إذاعة وتلفزيون الخليج، واحتضان مملكة البحرين لدورات مهرجان الخليج للإذاعة والتليفزيون وآخرها الدورة الرابعة عشرة لعام 2016 تحت عنوان "رؤية إعلامية واحدة"، واتحاد الصحافة الخليجية منذ عام 2005، وانطلاق البث الرسمي لإذاعة هنا الخليج العربي من المنامة في نوفمبر 2016، والتعاون الفني والتبادل الإخباري بين وكالات الأنباء الخليجية وتدشين تطبيق موحد لها على الهواتف الذكية، والعمل على صياغة قانون موحد للإعلام الإلكتروني، ودراسة إنشاء قناة خليجية على اليوتيوب، إلى جانب الاتفاق على زيادة فاعلية التحرك الإعلامي الخليجي الخارجي، وغيرها من المشاريع بما يدعم أهداف استراتيجية العمل الإعلامي المشترك للسنوات (2010-2020) والتي أقرها أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس نحو تعزيز التعاون وفرص الوحدة بين دول المجلس، في ظل إعلام خليجي موحد ومتطور، يخدم مصالح دول مجلس التعاون وشعوبها، ويقدم صورة إيجابية عن حقيقة إنجازاتها التنموية والحضارية داخليًا وخارجيًا.