عاش معنا مفهوم اليمين واليسار كجزء في حياتنا، فمنذ صغرنا علمونا أن البركة في البدء باليمين، وأن اليسار او الشمال قرين بالشيطان، فبقدر حبنا لليمين وامتثالا له، تشاءمنا من اليسار، الآن لم يعد اليمين واليسار جهات تحدد مسارنا المكاني فقط، إنما توسع بنا إلى الفكر والاعتقاد.
ففي عالم السياسة أصبح اليمين واليسار يعبران عن القطبين أو التيارين الرئيسيين للطيف السياسي في بلد ما، وهما من أكثر المفاهيم استخداما في الصراع السياسي بين الأيديولوجيات والمعتقدات السياسية في عالمنا اليوم، ويرجع المؤرخون قيام هذين المصطلحين إلى الثورة الفرنسية حين عقد الملك لويس السادس عشر اجتماعا لممثلي مجلس الطبقات الثلاث للشعب الفرنسي في العام 1789م، فجلس النواب الممثلون لطبقة النبلاء ورجال الدين على يمين الملك في ذلك الاجتماع، بينما جلس النواب الليبراليون الممثلون لطبقة العامة أو الشعب على يسار الملك، لذا أصبح اليمين وهم الأقرب إلى اصحاب السلطة بالموالين، وبينما أصبح اليسار هم المعارضون، وهذا ما اتضح جليا في أول جلسات البرلمان البريطاني، حينما جلس أعضاء الحكومة في الجهة اليمنى لمسرح البرلمان، بينما جلس المعارضون في الجهة اليسرى.
ولما توسعت المفاهيم السياسية، وتأثرت بالاقتصاد أصبح مفهوما اليمين واليسار ملتصقا بالتوجهات المختلفة اتجاه المنحى الاقتصادي الدولة، إذ تؤيد الرؤى اليسارية تدخل الدولة والمذهب الجماعي في إدارة الاقتصاد، بينما تفضل الرؤى اليمينية آليات السوق والمذهب الفردي، وبالتالي أصبح اليساري مؤمن بالفكر الاشتراكي والانخراط في أحزاب اشتراكية أو شيوعية أو ذات صبغة عمالية، كما لديه القدرة على التعبئة الشعبية وقيادة الجماهير والخطب الحماسية، في حين كان اليمين الليبرالي الأكثر محافظة على الوضع القائم، والمصالح الذاتية، وكل من كان عنيفا من الطرفين في تطبيق ما يراه وما يؤمن به، سمي متطرفا سواء أكان يمينيا أو يساريا بدعوى أقصى اليمين وأقصى اليسار، ومن كان وسطا سمي بالمعتدل. ولم تخل الأحزاب الإسلامية من هذه التسميات، ففي مطلع القرن العشرين سمى السياسيون التيارات الإسلامية اليسار السياسي لأنه أقرب للمعارضة، وحين حصل حزب العدالة والتنمية التركي على أعلى الأصوات في الانتخابات البرلمانية في تركيا، ووصل إلى السلطة، أطلق على ممثليه وتياره مصطلح اليمين المتدين أو اليمين المحافظ لقربه من السلطة.
في الإسلام هناك وصف تناوله القرآن الكريم لأصحاب اليمين وأصحاب الشمال، وجاءت التسمية وفقا لطريقة استلام صحيفة أعمالهم الدنيوية في الآخرة، فأصحاب اليمين أو الميمنة هم الذين يؤتون كتابهم بيمينهم، بينما أصحاب الشمال يستلمون كتابهم بشمالهم، وهذا دليل على مصير كل منهم، إذ توضح آيات سورة الواقعة ذلك، فأصحاب اليمين في قوله تعالى: «وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ، فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ، وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ، وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ، وَمَاء مَّسْكُوبٍ، وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ، لّا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ، وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ» الواقعة/ 27-34 بينما أصحاب الشمال يكون مصيرهم وفقا لقوله تعالى: «وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ، فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ، وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ، لّا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ» الواقعة / 41-44.
لذا يبقى اليمين واليسار توجها يفوق ما نتصوره من حدود المكان، ليكون مصيرا أبديا نخطه في الدنيا بمواقفنا واتجاهاتنا، وننال نتيجته في الآخرة، فمن أي الفريقين أنت؟
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 5250 - الجمعة 20 يناير 2017م الموافق 22 ربيع الثاني 1438هـ
...
أشكر الكاتبة على تلك المواضيع... جعلنا وإياكم ممن يأخذون كتابهم بأيمانهم
مع تحياتي لصحيفة الوسط