ربما أن البحرين تأثرت بمدينة شيكاغو الأميركية، ولكنني لا أقصد بذلك الخطاب الوداعي للرئيس الأميركي باراك أوباما الذي ألقاه في 10 يناير/ كانون الثاني 2017 في شيكاغو، وقال فيه - قبل أن يسلم السلطة في 20 يناير إلى دونالد ترامب - إن التحدي الديمقراطي يعني «إما أن ننهض كلنا أو أن نسقط كلنا»، وأشار إلى أن العنصرية لاتزال «عاملاً تقسيميّاً» في المجتمع الأميركي.
لا أقصد تلك الخطبة أو ما جاء فيها، وإنما أقصد مسرحية «شيكاغو» الموسيقية التي تعرض في «برودواي» بنيويورك منذ عشرين عاماً، وحازت على الجوائز، وأصبحت أكثر مسرحية تعرض في أرقى المسارح العالمية لحد الآن. والمسرحية مستمدة من رواية تسرد وقائع مدينة شيكاغو في العام 1926.
الرواية التي تحولت إلى مسرحية عميقة جدّاً، وهي تصوِّر سنوات العشرينيات عندما كان كل شيء متناقضاً... فالولايات المتحدة ما بين 1920 و1933 كانت تمنع إنتاج واستيراد ونقل وبيع المشروبات الكحولية، وذلك بعد انتشار نفوذ حركة مسيحية بروتستانتية اكتسبت قاعدة شعبية كبيرة، وبسبب ذلك تم تعديل الدستور آنذاك (التعديل الثامن عشر في العام 1920) لمنع المشروبات الكحولية. إلا أن العكس كان يحدث على أرض الواقع، بل وازدادت عمليات توزيعها. المسرحية تروي قصصاً عن ممارسات متناقضة، إلى أن تم إلغاء منع تداول المشروبات الكحولية عبر التعديل الحادي والعشرين للدستور الأميركي في 1933.
رواية ومسرحية «شيكاغو» التي يستمر عرضها لحد الآن توضح في بعض جوانبها كيف كانت الشهرة والثروة ومواقع النفوذ وتناقضات الأوضاع تلعب دوراً رئيسيّاً في صنع الأخبار من لا شيء وإيصالها إلى أعلى الآفاق، بحيث لا يستطيع الشخص النوم قبل أن يطلع على آخر تطورات خبر ما، ولكن وبسرعة البرق ينسى الناس ذلك الخبر الذي كان يسيطر عليهم، وينتقلون إلى خبر آخر ربما يكون أكثر لمعاناً... وكل ذلك يساهم في نسيان الخبر الذي سبقه، بغض النظر عن صحة الخبر أو زيفه.
ليس لدينا شارع «برودواي» في نيويورك الذي يتسيد المسارح العالمية، ولكن لو حاول أديب من الأدباء كتابة رواية يستمدها مما نمر فيه، فلربما يكتب رواية تنافس «شيكاغو»، ولعلنا نستخرج من مجريات الحياة المتناقضة مادة تتحول إلى منتج يستفيد ويتعظ منه الجميع.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 5243 - الجمعة 13 يناير 2017م الموافق 15 ربيع الثاني 1438هـ
لازال الامل يحذونا في ان نتلمس طريق الخير وان نبني معا بلادنا بصبر واخلاص وتفاني