صدر العدد الجديد من «مجلة الثقافة الشعبية» (36) محتوياً مجموعة من المقالات والدراسات التي تعنى بالثقافات الشعبية في العالم، و ربما كان أبرزها تلك الدراسة التي كتبها الباحث حسين محمد حسين حول «تاريخ مهنة القصارين في البحرين» وهي من المهن القديمة في البحرين والتي انتهت ولم يعد يزاولها أحد منذ عدة عقود - يقول الباحث - هي مهنة غسيل الملابس والتي كانت تعرف في البحرين، وباقي البلدان العربية، باسم القِصارة أو مهنة القصارين.
ولفظة القصارين جمع ومفردها القصّار وتعني الذي يقوم بغسل الملابس، وقد وردت هذه اللفظة في المعاجم العربية، جاء في معجم تاج العروس مادة (قصر): «القَصّارُ والمُقَصِّر كشَدّادٍ ومُحَدِّث: مُحَوِّرُ الثِّيَاب ومُبَيِّضُها لأَنّه يَدُقُّها بالقَصَرَة التي هي القطْعَةُ من الخَشَب وهي من خَشَب العُنّاب لأَنّه لا نَارَ فيه كما قَالُوا وحِرْفَتُه القِصَارَة بالكَسْر على القيَاس. وقَصَرَ الثوبَ قِصَارَةً عن سيبويه وقَصَّرَه كلاهُمَا: حَوَّرَه ودَقَّه. وخَشَبَتُه المِقْصَرَة كمِكْنَسةٍ والقَصَرَةُ مُحَرَّكَةً أَيضا».
ليضيف الباحث في سياق أستكمال التعريف بأنه «ينسب لهذه المهنة فيقال القصّار أو القصاري، جاء في كتاب "لب اللباب في تحرير الأنساب" للسيوطي أن القصاري نسبة "إلى قصر الثياب كالقصار وإلى سكة القصارين بمرو" (السيوطي، طبعة دار الكتب العلمية 1991، ج2: ص 182). وتعتبر مهنة القِصارة من المهن الشاقة والتي عرفت منذ القدم بطبيعتها الشاقة».
لينتقل بعدها للحديث عن مسار التطور التاريخي للمهنة منذ القرون الإسلامية الأولى ونشأت تلك الحواضن لها في مدن عربية عدة كان أبرزها البصرة و دمشق وصولاً إلى للبحرين، التي اعتبرها الباحث بأنها ليست استثناء، فقد نشأت فيها أسواق تخصصية بمثل نمط الأسواق السابقة، أي ظهور تجمعات متخصصة لأصحاب المهنة الواحدة. ففي المنامة، على سبيل المثال، لازال عدد من أحياءها تحمل أسماء مهن؛ فكل حي من هذه الأحياء كان به سوق خاصة بالمهنة التي سمي بها. بالطبع، هذا النظام عُرف في البحرين قبل نشأة سوق المنامة؛ فما بين القرنين الثاني عشر والثامن عشر الميلاديين، كان في البحرين مركز تجاري نشط وكان يمثل المركز الحيوي القديم في البحرين في تلك الحقبة (Insoll 2005).
ويتكون هذا المركز من المناطق المحيطة بمسجد الخميس، والتي تتمثل اليوم في عدة مناطق هي: جدحفص في الشمال، والبلاد القديم والخميس وأبو بهام في الجنوب، والبرهامة والصالحية في الشرق، وطشان والمصلى في الغرب. هذه المناطق بها أحياء تحمل أسماء مهن، وحتى من يسكن هذه الأحياء أرتبط اسمه بالمهنة ذاتها.
ليضيف بأن جميع تلك المناطق كانت تعمل بصورة تعاونية، وكلها كانت تمثل ما يشبه المدينة المركزية، وإن اختلفت المسميات. فقد كانت كل منطقة من تلك المناطق تحمل جزءاً من الحضرية، وكلها تكمل بعضها البعض. فمثلما نشأت في المنامة أحياء وأسواق متخصصة، كانت هناك أحياء متخصصة في هذه المناطق التي كونت المركز التجاري القديم في البحرين.
وعلى الرغم من عدم وجود دلائل تاريخية واضحة وصريحة تنص على ذلك، إلا أنه يمكن ترجيح أن بهذه المنطقة كانت العديد من الخدمات والأسواق المتخصصة، وذلك من خلال تتبع أماكنها بحسب تسميات الأحياء، أو كما تعرف عند العامة باسم فرگان مفردها فريگ. على سبيل المثال، عند تفحص أسماء الأحياء في جدحفص، نجد أن عدداً منها يدل على المهن التخصصية، مثل حي المحاسنية (الحلاقين)، وحي البناية، وحي الصاغة، وحي السوق. مثل هذه الأحياء ربما كانت منتشرة كأسواق في الماضي لكنها اندثرت ومسحت من الذاكرة الشعبية، ولم يبقى إلا مسمى الحي.
دراسة كانت الأميز في عدد «مجلة الثقافة الشعبية»، وهذا لا يعني بأن موضوعاتها الأخرى أقل تميزا بل على العكس من ذلك، إذ كتب عبد العالي العامري، من المغرب، عن "الثقافة الشعبية وبنية الذهن المعرفية"، من جانبه كتب الدكتور عاطف عطية، من لبنان، عن اللغة المستعملة بالعفوية المطلقة والاسترتسال اللازم، للاستعمال اليومي، وللتبادل في شتى مناحي الحياة وأموها، وجاء مقالهُ بعنوان "القول بالعامية والشعر الشعبي"، تلاهُ محمد فايد، من مصر، بمقال "(ألف ليلة وليلة) في الفنون البصرية شرقاً وغرباً"، أما هاشم بنشاوي، من المغرب، فكتب عن "تجليات البطولة في الأدب الشعبي".
وفي باب (عادات وتقاليد)، بحث عبد الكريم براهمي، من تونس، عبر مقاربةً أنثروبولوجية "الثابت والمتحول في طقوس الغذاء أثناء الضيافة في المجتمع التونسي". أما الدكتورتان الجزائريتان، نعيمة رحماني، ونصرية بكوش، فقدمتا دراسة سيموانثروبولوجية "لعادات وطقوس الزواج بتلمسان"، وذهب الباحث رابحي رضوان، من المغرب، نحو دراسة "تمثلات الموت في تاريخ المغرب من خلال أمثال شعبية وأقوال مأثورة".
وبعيداً عن أحزان الموت، وكئابة مجيئه، قدم الدكتور محمد الدريدي، من تونس، دراسة توثيقية لـ "الأغنية الشعبية الجديدة في تونس وتحديث المجتمع إثر الاستقلال"، فيما كتبت الكاتبة بريهان عيسى، من العراق، عن آلة الناي تحت عنوان "عندما يعبر الإنسان عن نفسه موسيقياً".
باب (عادات وتقاليد)، تضمن دراستان، أحداهما للدكتورة إيمان مهران، من مصر، عن "كسوة الكعبة.. نسيج ينطق بالتاريخ العربي"، والثانية جاءت غنية من حيثُ مادتها النصية والمصورة، للدكتور أسعد عوض الله، من السودان، بعنوان "المفارش السعفية (البِرُوش) في الموروث الثقافي السوداني بالمنطقة الشمالية؛ البروش الأبيض والبروش الأحمد نموذجاً".
حسين محمد حسين، من البحرين، تفرد بباب (في الميدان)، مقدماً دراسة تاريخية تحليلية لـ "تاريخ مهمنة القصارين في البحرين"، وهي كما يقول الباحث "من المهن القديمة في البحرين، والتي انتهت ولم يعد يزاولها أحد منذُ عدة عقود"، مبيناً أن هذه المهنة تعنى بـ "غسل الملابس"، ويضيف "كانت تعرف في البحرين، وباقي البلدان العربية، باسم القصارة أو مهنة القصارين. ولفظة القصارين جمع، ومفردها القصار".
من جانبها غطت الباحثة أحلام أبو زيد، من مصر، بشكلٍ موسع، مؤتمرين عربيين، عقد أحدهما في إمارة الشارقة، بالإمارات العربية المتحدة، فيما عقد الآخر في جمهورية مصر، وجاء الأخير تحت عنوان "الثقافة الشعبية العربية: رؤة وتحولات"، وعقد في منتصفر أكتوبر (2016)، أما المؤتمر الأول فجاء بعنوان "جحا؛ تراث إنساني مشترك"، وأقيم ضمن "ملتقى الشارقة الدولي للراوي"، والذي عقد في نهاية سبتمبر (2016).
وجاءت افتتاحية العدد الجديد بعنوان "رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم.. ومن شرارة إلى أخرى"، وفي تصديرهِ للعدد، كتب الدكتور محمد النويري، مدير التحرير، تحت عنوان "المنظمة الدولية للفن الشعبي؛ التغيير والتفاؤل المشروع". يذكر أن مجلة "الثقافة الشعبية" مجلة فصلية علمية محكمة من قبل خبراء علم الفولكلور والعلوم الإنسانية، وتصدر بالتعاون مع "المنظمة الدولية للفن الشعبي (IOV)"، إذ تصدر بنسختين، مطبوعة وإلكترونية، إلى جانب كونها تترجم إلى ست لغات عالمية على موقعها الإلكتروني.
واللة الصورة جميلة
بسعطونا خبر عن مكان و تاريخ
الصورة