قد يكون من غريب الصدف أنّي عرفت الشاعرين، أوّل ما عرفتهما، في الكتب المدرسيّة؛ فشاعر الحياة، ابن الخضراء أبو القاسم الشابي، عرفته صغيراً وأنا على مقاعد الدراسة متعلّماً في تونس، وقاسم حدّاد أحد أبرز شعراء مملكة البحرين المعاصرين عرفته كبيراً، وأنا أمام مقاعد طلبة المرحلة الثانوية معلّماً في مملكة البحرين.
كان الطلاب يضجّون من قصيدته «مجنون ليلى» المدرجة ضمن منهج اللغة العربية في السنة الثانية ثانوي؛ كونها خيّبت أفق انتظارهم مبنى ومعنى ومغنى. نعم، كنت أشعر بغربته شاعراً معاصراً مجدداً لغةً وصوراً وأبنيةً موسيقية، كنت أشعر بغربته وأتذكّر معها غربة أبي القاسم الشابي كما قرأنا عنه وعن سيرته... إنّها غربة التجديد داخل ذائقة عربية تقليدية ركنت إلى الموروث الشعري فقدّسته أو كادت.
وهاهما الغريبان يلتقيان؛ غريب تونس وغريب البحرين، وما أظنّه أوّل لقاء، فالأكيد «أنّ قاسم حداد» قد اغتذى من معين أبي القاسم الشابي الشعريّ؛ إذْ ليس غريباً هذا عن شعراء الخليج وقراء الشعر في المشرق العربي عموماً؛ فأبو القاسم الشابي مشهود بشعره وبعبقريته منذ خمسينات القرن الماضي في المشرق قبل المغرب العربي، بل قبل بلده تونس ولعلّها صورة أخرى من صور غربته ميّتاً.
يلتقي الغريبان إذاً، لكن ليس في كهف الغرباء، وإنّما في مقام الاعتراف وتقدير الأدباء والشعراء؛ أمّا الأوّل فقد أنشئت، منذ ثلاثة عقود في تونس، جائزة أدبية دولية باسمه (جائزة أبو القاسم الشابي للإبداع الأدبيّ) تُمنح سنوياً للقصة أو الشعر أو المسرح أو الرواية، سُمّيت باسم الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي تكريماً له ولمكانته الشعرية في العالم العربيّ. وتمنح الجائزة، مؤسسة البنك التونسى تحت إشراف وزارة الشئون الثقافية، وتهدف إلى الاحتفاء بالأعمال الأدبية للمبدعين التونسيين والعرب.
ويذكر أنّ الجائزة قد توقفت منذ العام 2011 لأسباب مختلفة، وها هي تعود من جديد؛ فقد قال وزير الشؤون الثقافية التونسية محمد زين العابدين في كلمة له خلال حفل إعلان وتسليم الجائزة يوم الجمعة الماضي: «إعادة إحياء هذه الجائزة يُفعِّل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ويساهم في دعم جهود المبدعين التونسيين والعرب. سعيد باستعادة الجائزة لسالف إشعاعها وبريقها». وأضاف قائلاً: «مثل هذه الجوائز، بما تمثله من رمزية ثقافية وحضارية، من شأنها دعم الفكر والمبحث الإنشائي والأدبي وكلّ ما هو كتابة إبداعية، شعراً كانت أو نثراً أو نظماً».
ومن أبرز الفائزين بها في السابق من تونس سمير العيادي وفرج الحوار ومحمد الغزّي ورضوان الكوني والمنصف الوهايبي ويوسف رزوقة وبوراوي عجينة، ومن خارجها السورية هيفاء بيطار والمصري علاء عبد الهادي والعراقي علي بدر والأردنية سميحة خريس.
وأمّا الغريب الثاني فقاسم حداد، ها هو يُتوّجُ بجائزة (أبو القاسم الشابي للإبداع الأدبي دورة 2016) في نسختها الجديدة عن ديوانه «أيها الفحم يا سيدي» الصادر في 2015 عن دار مسعى للنشر والتوزيع، ها هو يلقى التقدير والاعتراف من جديد بإبداعه الأدبي ويكتسح منافسيه على الجائزة وهم كُثْر؛ فقد تنافس عليها 111 عملاً من 13 دولة عربيّة، وفاز بها قاسم حداد المشارك الوحيد عن البحرين. وقد نوّهت اللجنة المنظمة لهذه الجائزة الدولية الكبرى على لسان رئيسها الأديب التونسي عزالدين المدني بالأعمال الشعريّة الخمسة التي تمّ ترشيحها إلى جانب ديوان قاسم حداد، وهي أعمال للشعراء محمد علي اليوسفي من تونس، وحسن بوالهويشات من المغرب، وحسن شهاب من مصر، والعراقيين عمر عنار ومحمد النهيري. وهي أسماء تزيد من قيمة هذا الفوز لشاعر البحرين قاسم حداد.
لكن لعلّ ما يميز جائزة (أبو القاسم الشابي للإبداع الأدبي) في دورتها الثانية والثلاثين، إضافة إلى مضاعفة مبلغ الجائزة المالية، هو ما تمّ إعلانه بتونس؛ حيث سيتمّ تخصيص جناح في معرض تونس الدولي للكتاب انطلاقاً من دورته المقبلة، باسم هذه الجائزة يخصّص لعرض الأعمال المشاركة والمتوّجة بهذه الجائزة، فضلاً عن دعوة أصحابها بالمناسبة لتوقيع إصداراتهم بما يحفّز على مزيد من الإبداع.
لكن الأكيد أنّ قاسم حداد لن تفوته فرصة التواجد بتونس لتوقيع ديوانه في معرض تونس الدولي للكتاب، مثلما فاتته فرصة التواجد بتونس لاستلام جائزته خلال حفل التكريم الجمعة الماضي لأسباب فنية تتعلّق بتذكرة السفر عاقه ضيقُ الوقت عن معالجتها حتى فاتته الطائرة، حسبما أسرّني به في مكالمة التهنئة أوّل أمس.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 5239 - الإثنين 09 يناير 2017م الموافق 11 ربيع الثاني 1438هـ
قاسم حداد قامة أدبية بهذه الجائزة يزداد برواز عالميا
تهانينا للشاعر الفذّ قاسم حداد، هذا التكريم أتاح لي الفرصة لأقرأ له
بين البحرين و تونس علاقة متينة ، لعل الكثير من الميزات المشتركة للشعبين سمحت لتقاربهما
أصدقاؤنا و زملاؤنا البحرينيون يعرفون أبا القاسم الشابي، لعل شاعر الخضراء، رحمه الله، كان سفيرا منذ زمن بين تونس و البحرين فتولّد حبّ البحرينيين "للتوانسة" حتى من قبل أن يلتقوا
منذ سنة أهديت زملاء بحرينيين كتابا فيه قصائد أبي القاسم الشابي،وقد وجدتهم مغرمين به ويحفظون له
أقول لزملائي خاصة وشعب البحرين عامة لكم منا أصدق مشاعر الود والحب.
وشائج كثيرة تجمع البحرين بتونس، ووشائج الثقافة تظل في المقام الأوّل.
قاسم حداد يستحق هذا التكريم عن جدارة.
شكرا للأستاذ