من الواضح للجميع الآن أن هناك عشرات الرسوم التي شهدت تعديلات (جميعها بالزيادة طبعاً) خلال العام الماضي، ولا شك أيضاً أن زيادة هذه الرسوم كان له تأثير كبير على الأعمال والقطاعات التجارية المختلفة في مملكة البحرين.
وتشير التقديرات إلى أن الرسوم التي شهدت تعديلات تقدّر بأكثر من 300 رسمٍ في العام المنتهي 2016، وهو رقم ليس بهين، خاصةً إذا ما علمنا أن بعض الرسوم تتجاوز الزيادة فيها أو التعديلات ما يقدّر بنحو 800% من الرسم القديم. وهناك بالطبع نسب أقل من ذلك، لكن أغلب نسب الزيادة لا تقل عن 100 في المئة، وهناك تقريباً 8 وزارات وجهات حكومية أصدرت قرارات تتعلق برسوم الخدمات التي تقدّمها، وتأتي على رأسها وزارة الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني التي تستحوذ تقريباً على نسبة الثلث من بين هذه الرسوم! ثم هناك وزارات أخرى مثل الصحة، والعدل والشئون الإسلامية، وزارة الداخلية، وزارة المواصلات، وزارة الصناعة والتجارة والسياحة، والمجلس الأعلى للصحة ومصرف البحرين المركزي... ويتوقع أن تنضم وزارات أخرى إلى قائمة الجهات التي ستعدل أسعار الخدمات والرسوم خلال العام الجاري 2017، الذي استهلته وزارة المواصلات بزيادة رسوم السفر من مطار البحرين، ورسوم أخرى متعلقة بشركات الطيران، واستحدثت رسوماً جديدة على الركاب العابرين «الترانزيت»، وأعتقد أن الباب مفتوح أمام المزيد من الابتكارات في هذا الشأن!
وشملت التعديلات الأخيرة مهناً ومؤسسات مختلفة وأثرت عليها بشكل مباشر، وهو ما تابعناه جميعاً من خلال شكاوى هذه القطاعات الاقتصادية وغير الاقتصادية (كالمحاماة) في الصحف، منها شركات النقل والعيادات والمستشفيات الخاصة والفنادق ومطورو العقارات والوسطاء والمكاتب العقارية والشركات والعاملون في خدمات السمسرة المالية ومشغلو أسواق المال.
أعتقد أن هناك فكرة ربما تكون جديرة بالدراسة من قبل متخذي القرار، لتعديل بعض الرسوم، وهو تطبيق مبدأ «الغرامات بديلاً للرسوم» وليس الاثنين معاً، حتى لا تستخدم هذه الفكرة في وضع المزيد من الأعباء على التجار، لأن الهدف منها هو إصلاح السوق وتقويته من خلال خفض عدد المخالفين إلى أقصى حد ممكن، وبالتالي إيجاد أساس قوي للسوق يمكن البناء عليه.
الغرامة توقع على غير الملتزم، ويمكن أن تضاعف كلما تكرّرت المخالفة، وهذه الفكرة تطبق في الكثير من بلدان العالم وأوروبا منها على وجه الخصوص، لأنه يحقق من ورائها مجموعة من الفوائد سنذكرها في عدة نقاط :
- عدم المساواة بين الشخص الملتزم بالقوانين والتشريعات وبين الشخص المخالف، فزيادة الرسوم تشمل الجميع وتضع أعباء إضافية من دون تفرقة بين الملتزم وغير الملتزم، إذ يتحمل الملتزم أعباء تنفيذ القانون وبين المخالف للقانون، لكن الغرامة تقتصر على المخالفين فقط، وبالتالي أنت تحفز على الالتزام بالقانون بشكل غير مباشر.
- زيادة مدخولات الدولة من المخالفين عقاب صريح لهم على سعيهم للحصول على دخول إضافية من دون وجه حق وبالمخالفة للقانون، فالمخالف الذي يفتح محله مثلاً لفترة أطول من المصرّح له بها، سيلتزم لأن المخالفة ستكون أكبر من الربح الذي حصل عليه خلال الفترة التي خالف فيها القانون؛ والمطعم الذي يخالف المعايير المطلوبة تقليصاً للتكلفة سيرتدع عندما يدفع الغرامة ويتأكد أن توفيره ذهب هباءً، وهكذا.
- الدولة لا تستفيد شيئاً من قرارات الإغلاق، بل ربما تخسر الرسوم والضرائب التي تدفع على الأنشطة التي تم غلقها، ولكن الغرامة تفيد الدولة وتقوّي مدخولها، وتحافظ على النشاط الاقتصادي من الغلق، وما يترتب على ذلك من تسريح للعمالة لفترات مؤقتة أو دائمة وما يتتبعه أيضاً من مشكلات اجتماعية واقتصادية.
- يجب الالتفات في هذه النقطة إلى أنه يوجد بعض الاستثناءات المتعلقة بالأنشطة التي تضر بسمعة الدولة، وفي الحقيقة أن هذه الأنشطة لا يجب أن تعامل من قبل وزارات أو جهات إدارية بالرسوم والغرامات، بل يتم معاملتها من قبل وزارة الداخلية حال ثبوت أي مخالفة ترتكبها هذه الجهات، ويتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، لكن أجهزة الدولة الأخرى لا يجب أبداً أن تستعمل سلطة «الإغلاق» في مواجهة مخالفات مثل تأخير فتح المحل أو ارتفاع صوت المكبّر أو عدم تخصيص أماكن لغير المدخنين، أو عدم تخصيص أماكن كموقف للسيارات وغيرها، فهذه مخالفات يغرم عليها ولا تستدعي الغلق، وإن وجد قانون في هذا الشأن يجب العمل على تغييره.
- إشعار التجار الملتزمين بالقانون بشيء إيجابي يتمثل في إعفائهم من الرسوم – بفرض أننا سنستبدل الرسوم بالغرامات كما أوضحنا – وهذا في حد ذاته يحفزهم على المزيد من العمل والتطوير، ويقلل من فاتورة التزاماتهم بحكم أنهم يدفعون كافة المستحقات المفروضة عليهم لجهات الدولة المختلفة.
إجمالاً، مبدأ «فرض الغرامات» على المخالفين أراه أفضل وأكثر عدالة وقدرة على تصحيح أوضاع السوق.
في ختام هذا المقال أود التأكيد على أن السوق يمر بظروف استثنائية لا تخفى على أحد، وبالتالي يجب النظر بشكل كلي للشأن الاقتصادي، وكيفية إدارته بالحد الأدنى من الخسائر، وبالحد الأقصى من المنفعة المتوقعة، والله الموفق.
إقرأ أيضا لـ "أحمد صباح السلوم"العدد 5237 - السبت 07 يناير 2017م الموافق 09 ربيع الثاني 1438هـ
ماينفع الدكتور عقب المنية
استاذ احمد انا قلت اليك من قبل الخراب قادم لا محاله منه بعدين مثل مايقولن المثل جئ الحل بعد خراب البصره ما ينفع الحل بعد خراب البلد على البحريني