بدأ العام الجديد في أعقاب قدرة كل من روسيا وإيران والنظام السوري على السيطرة على معقل الثورة السورية في مدينة حلب. وتم ذلك ضمن صفقة سياسية ساهمت بها تركيا بعد انكشاف ظهرها السياسي والأمني منذ انقلاب الصيف الماضي. تدمير حلب واقتحامها أعادا الأوضاع إلى المربع الأول. فقد فتحت حلب مع العام 2017 الباب لمرحلة لا تقل في قيمتها وعصفها عن المغزى التاريخي لنزول القوات الأميركية في قلب العاصمة العراقية بغداد في 2003. إن زيارة قاسم سليماني لحلب ودور القوات الروسية وقوات النظام في تدميرها يحملان الكثير من الرسائل للسوريين كما للعرب. لقد أصاب الرئيس الأسد، فقبل حلب مختلف عما بعدها، لكن هذا ينطبق على ضحاياه في الوقت نفسه، فللضحايا في النهاية كلمتهم ومآلاتهم وهم لن يقبلوا بأقل من كرامة وتغيرات تصيب جوهر النظام وتحاسب على سياسات الموت والإبادة. سيكون عام 2017 العام الذي يستوعب ما وقع لحلب وللثورة السورية، وسنشهد تأسيساً لمعارضة أكثر استقلالية ووحدة؛ بل وأكثر وضوحاً في أهدافها تجاه الشعب السوري، وهذا سيتضمن تأسيساً لحالة مقاومة للوجود العسكري والأمني الإيراني الروسي في سورية. الهدف سيكون استعادة مكانة الشعب السوري في المعادلة التي صادرت حقه في تقرير المصير. هذه اللحظة التاريخية مفتوحة على الكثير من الاحتمالات.
إن روسيا وإيران لن تستطيعا إعادة بناء سورية وحل مشكلات الحياة واللاجئين فيها، فالفشل الروسي الإيراني لن يقل في حجمه عن الفشل الأميركي في العراق وأفغانستان. بل سيكون دور كل من إيران وروسيا عنصراً إضافياً لشحن التناقضات السورية. لقد أصبحت طرق الإمداد بالنسبة إلى الدولتين طويلة، وأصبح التورط في دماء السوريين أكبر من أن يمسحه التاريخ. لقد قدمت روسيا وإيران الحماية لنظام رفض مبدأ التغيير بعد ثورة الشعب، وهذا هو أساس المشكلة في المرحلة المقبلة. إن تقدم إيران وروسيا على المقاومة السورية في حلب لن يخلق استقراراً لسورية، فهذه جولة من جولات مقبلة، فما بعد حلب سيعكس سعي السوريين لاستعادة التوازن الذي سعت ثورة 2011 لبنائه بين الشعب والنظام.
سيتضمن عام 2017 مشاهد أكثر تعقيداً في العالم العربي، فالحالة في سورية صورة من صور الوضع العربي. فإمكانية أن تسقط دول عربية أو أجزاء من دول عربية في بحر عدم الاستقرار والسخط الشعبي بفضل الأزمة المالية المستمرة وبفضل غياب آليات الإصلاح السياسي مازال أمراً محتملاً، لكن في الحد الأدنى ستستمر حالة من حالات الغليان الإقليمي التي لا يمكن التنبؤ بجميع تعبيراتها. إن اهتزاز الدول في إقليمنا لم يعد أمراً غير متوقع، فهجمات التطرف الأكبر (كما وقع في الموصل على يد «داعش» بإمكانها أن تتفاعل مع بيئة حاضنة مكونة من التهميش والبطالة والقمع، في ظل اضمحلال الطبقة الوسطى في دول عربية عدة. الكثير من الدول والمجتمعات في الإقليم معرضة لقدرة المتطرفين على الحشد وتوجيه ضربات مفاجئة وربما احتلال مدينة أو مدينتين والبقاء فيهما لعام أو لعامين، فيما تتفجر كل الملفات الإقليمية والداخلية.
في سنوات قليلة لم تتجاوز العشرين أفرز العرب «القاعدة» و»داعش». هذا التطرف ليس نتاج كتب مدرسية، بل نتاج واقع بائس ونتاج انسداد السبل السياسية أمام الشعوب، وهو في الوقت نفسه نتاج تلاعب الدول والأنظمة بالمسألة الدينية.
ما وقع في السودان أخيراً مؤشر مهم لاستمرار دور مدرسة التعبير السلمي الديمقراطي في العالم العربي، فتجربة السودان مع العصيان المدني تشير إلى القدرة الشعبية على تفادي العنف واستخدام التظاهر والإضراب والتجمع والتمسك بالحريات من أجل التغيير. هذا يؤكد أن العالم العربي قادر على العودة إلى الخيار الشعبي الاحتجاجي للضغط من أجل التغيير. منذ أيام توفي بعد إضراب عن الطعام محمد تامالت في سجن جزائري. وكان تامالت قد سجن لأنه كتب قصيدة (مجرد قصيدة) بحق الرئيس، وحكم عليه بالسجن لعدة سنوات، لكنه قرر أن يمارس الإضراب عن الطعام احتجاجاً على سجنه بسبب القصيدة. استمر تامالت في إضرابه لمدة 3 شهور قبل أن يدخل في غيبوبة لثلاثة أشهر أخرى انتهت بموته المعلن. رسالة تامالت الذي توفي هذا الشهر تؤكد أن السجن يجب ألا يكون مكاناً للشعراء والكتاب والمعارضين السلميين مهما قالوا، فالشعر يُرد عليه بشعر أفضل منه وليس بالسجن. فالسجن الذي أصبح مصير الناشطين للمطالبة بالحقوق في العالم العربي، يعكس مدى عجز النظام العربي. إنه العجز ذاته الذي تمر به جميع الدول السلطوية.
في 2017 سيكون العرب بين مدرستين للتغيير، واحدة سلمية شعبية جماهيرية تتميز بالمرونة وهي مستعدة للسير باتجاه الإصلاح، لكن نجاح مدرسة الإصلاح بحاجة إلى نظام سياسي مستعد للتفاهم بشأن مرحلة الانتقال الديمقراطي والحياة الحزبية العلنية، في ظل وقف تغول الفساد والأجهزة الأمنية. أما المدرسة الثانية، وهي المنافس الأهم والأقدر على تغيير قواعد اللعبة في العالم العربي، فهي مدرسة «داعش» والجهادية الإسلامية التي تؤمن بالكفاح المسلح والعنف. هذه المدرسة لا تبحث عن حلول وسط، وهي تعتقد أن العنف كفيل بتغيير الواقع العربي، وفي الحد الأدنى تعتقد أن العنف قادر على كسر المعادلات. إن منطلق هذه المدرسة كما يبدو من سلوكها هو مواجهة السيف بالسيف، ومنطق القسوة بقسوة أشد منها. وحتى اللحظة فإن «داعش» كمدرسة مازال يتقدم في الإقليم، والدليل على ذلك أنه يكسب مزيداً من الشبان والمتطوعين. يبدو أن الشباب العربي متعطش للجرأة ولقادة يمارسون المواجهة، وهذا طبيعي في دول تعاقب مدوناً وكاتباً وفي حالات تعدم شاعراً على قصيدة نقدية تمس سلطة أو أصحاب نفوذ أو حكومة وحاكماً أو رئيساً. القسوة العربية بشكلها الرسمي ستستمر في 2017، فحتى اللحظة لم يتعلم النظام العربي من دروس 2011، وهذا يعني أساساً استمرار القسوة المضادة. يبقى العرب، في ظل غياب البديل السلمي، أسرى المدارس الجهادية. لقد شهد النظام العربي في العام 2016 أكثر من فشل. فالسياسة العربية والخليجية تجاه مصر انتهت بأزمة في العلاقات، والسياسة تجاه اليمن تعيش حرب استنزاف لا أفق لها، والسياسة تجاه سورية انتهت بعدم القدرة على حماية الشعب السوري من بطش روسيا وإيران والنظام. لهذا يصل النظام العربي أو ما تبقى منه في 2017 إلى سقف جديد في أزمته.
ومع يناير/ كانون الثاني 2017 سيتعامل إقليمنا العربي مع رئيس أميركي جديد. هذا التعامل لن يكون يسيراً، فترامب سيطبق نظرياته المبسطة، وسيكتشف الرئيس الجديد مدى صعوبة تطبيق تصوراته. لهذا لن تكون عودة الولايات المتحدة للتدخل بهدف تأمين بعض التوازن في الشرق الأوسط خالية من المجازفات، بعد أن تسلمت روسيا الشأن السوري واستمالت الأتراك. إن تاريخ التدخل الأميركي مليء بالتناقضات والروح الاستعمارية، لكن الانسحاب الأميركي انتهى بنا تحت السيطرة الروسية الإيرانية. إن سياسة الولايات المتحدة في ظل رئاسة ترامب لن تشبه سياسات المحافظين الجدد المغامرة، لكنها لن تشبه سياسة أوباما الأكثر انسحاباً. ستقع سياسة ترامب بعد أن تستقر في مكان ما في منتصف الطريق.
لقد قلب سقوط حلب المعادلات السورية والإقليمية، لكن نتائج معركة حلب ستكون كبيرة في مسيرة التغير العربية، فهي تعيد تشكيل الوعي السوري والعربي بكيفية التعامل مع سياسات الدول التي تتم على حساب الشعوب وحقوقها. عام 2017 عام انتقالي لالتقاط الأنفاس ستتخلله بعض الجولات الصاخبة، لكن الجولات الأكثر صخباً وصعوبة لن تبدأ، على الأغلب، قبل العام 2018. إن المشهد العربي الراهن في 2017 مؤقت بكل لحظاته وأبعاده.
إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"العدد 5236 - الجمعة 06 يناير 2017م الموافق 08 ربيع الثاني 1438هـ
شماعة المصائب ايران روسيا وتناسيت مليارات العرب للتخريب والهدم ما بعد حلب سيحل من داعش ومشتقاتها على داعميه تركيا والعرب فكلما ضعفت سنرى المفخخات والتفجيرات ليس في سوريا في كل دول العرب وبيننا الأيام ستبدي لك الأيام
لقد احترنا مع الكتاب والمثقفين
اذا الشعوب لا تستطيع عمل شئ ولا حول لها ولا قوة
ولا تريدون الهيمنة الامريكصهيونية ولا داعش
والوقت نفسة لا تريدون روسيا وايران وتركيا
اذا في فكركم ما الحل ؟؟
اعطونا حلا سحريا ؟؟
اذا هناك حلا لماذا لا تحرروا فلسطين ؟؟؟
لقد طالت عقدتها 100 سنة .
جميع ماذكرته هو واقع حقيقي ولكنك تفتقد الى الجرأة للافصاح بالجوهر الحقيقي للازمة المتخللة في الاقطار العربية والإسلامية اجمع فالاشارة الى شماعات الازمة ايران وروسيا وداعش لا يحجب موقف الآخرين من هذه الازمات في سوريا وغيرها وصولا للبحرين التي هي ايضا ازمة من ازمات العرب.