بشيء من الرتابة التقريرية واللامبالاة بواقع حراك المنظمات السياسية والأهلية المحلية، التي عبّرت عن ثوابتها تجاه القضية الفلسطينية ومواقفها المبدئية ضد التطبيع، وحتى لا نقول بشيء من التعامل الفوقي معها، يرى صديقنا الصحافي محمد فاضل في مقالة نشرت له بـ«الوسط» قبل أيام، أن موقف البحرينيين ونخبتهم التجارية والسياسية حيال القضية الفلسطينية في الوقت الراهن يتسم بقصور معرفي شديد؛ بل وتمادى في وصف الجميع منهم بـ«السذاجة» حيال الجدل الذي ساد بشأن من حضر لقاء الوفد اليهودي الأميركي في البحرين قبل أسابيع من التجار ومناهضيهم، وطالبهم بالتوقف عن إصدار البيانات والتبريرات وتبادل الاتهامات، فقد آن الأوان للفعل لا التأسي ولا التراشق الإعلامي للاستمرار في دعم حركة المقاطعة الفلسطينية والتنسيق معها بشكل فعال ومستمر.
هكذا وبشخطة قلم، قرّر قطعياً أن الجميع «بعيدون تماماً عن مجريات الأوضاع الخاصة بالقضية الفلسطينية وتطوراتها، فهم لا يعرفون عنها أبعد من عناوين خاطفة واعتقادات متوارثة تعيد إنتاجها ماكينات الدعاية الإسرائيلية والصحافة الغربية عموما...إلخ»، وقبل أن نأتي لاحقاً على هذه الآراء لابد من التأكيد على بعض الأمور.
صحيحٌ ما ذكره الفاضل بشأن المفارقة التي تتكشف عن تراجع الاهتمام العربي رسمياً وشعبياً بالقضية الفلسطينية، وأكبر دلالات هذا الأمر برأينا المحاولات المستمرة في استغفال الشعوب العربية، ونسج علاقات سرية مع الكيان الصهيوني، فضلاً عن السعي المستميت للتبشير بعملية التطبيع وفرضها كأمر واقع مع هذا الكيان ولو تدريجياً رغماً عن إرادة الشعوب، وهذا ما يستوجب التصدّي له وفضحه باستمرار، وعدم إفساح المجال لهذا الفعل بالنفاذ إلى العقول والسلوكيات عند الشعوب العربية.
الأمر الآخر، حسناً أن سرد الزميل فاضل على القارئ كيفية نشأة «حركة المقاطعة الفلسطينية» في الضفة الغربية، وتأثيرات تلك الحركة على الكيان الصهيوني ونتائج جهودها؛ ومنها على سبيل المثال إعلان الاتحاد الأوروبي العام 2015 تمييز بضائع وسلع المستوطنات الاسرائيلية بملصقات خاصة تظهر مصدرها، وهذا يعني برأيه -وهو محق- عدم اعتراف الاتحاد الأوروبي باحتلال إسرائيل للضفة الغربية، فضلاً عمّا حققته المقاطعة الثقافية والأكاديمية التي تمخضت عن رفض عالم الفيزياء البريطاني ستيفن هوكينغ عام 2013 حضور مؤتمر علمي في تل أبيب برعاية شمعون بيريز احتجاجاً على استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية..إلخ.
من أهم ما أشار إليه المقال في التآمر والخبث الإسرائيلي، انطلاق الاستراتيجية الدعائية لإسرائيل للترويج لعلاقات سرية مع دول الخليج، بالتزامن مع محادثات الملف النووي الإيراني، واستغلال مقولة إن من مصلحة دول الخليج التعاون معها لمواجهة «التغول الإيراني»، كل ذلك وما سبق لا نختلف بشأنه؛ لكن بالتأكيد نختلف بشأن مساواته في وصف موقف التجار الذين التقوا بالوفد اليهودي وممن رقصوا معهم وهم يلبسون القلنسوات اليهودية ويلوحون بالشمعدان في مجلس أحد التجار، مساواة وضعهم بوضع مناهضي الفعل الشنيع، فوصف السذاجة هنا لم يكن وصفاً موفقاً، وأقل ما يتميز به هذا الوصف أيضاً إنه وصف ساذج وسطحي، لماذا؟
لأن موقف من التقى بهذا الوفد الذي قيل إنه ليس إلّا لقاء مع وفد تجاري، بينما الفعل لم يكن فعلاً بريئاً ولا ساذجاً على رغم كل التبريرات؛ وبالطبع المنظومة المفاهيمية الإنسانية التبريرية حاضرة لتبرير الموقف «غير الساذج»، فنحن مجتمع متعدد ومتحاب ومنفتح ويقبل بالتعايش بين الأديان والطوائف..إلى آخر المعزوفة، إذن وكأننا بالفعل نسمع عبارة هيا بنا «للتطبيع مع إسرائيل»!
أما بالنسبة لموقف المناهضين فلم يكن هو الآخر موقفاً ساذجاً، فإذا دبر الاسرائيليون -حسب فاضل- قصة هذا اللقاء، وإن ما أسعفهم على نجاح هذه القصة هو سذاجة «ربعنا»؟ أشدّد حسب تعبيره، وإن المستهدف في الأول والأخير من مقاطع الرقص هم الفلسطينيون الذين وصلتهم رسالة المشاهد الراقصة، التي تقول إن أشقاءكم العرب تخلوا عنكم، فعن أي احتلال تتحدثون وعن أي انسحاب؟ بتخلي أخوانهم العرب عنهم..الخ، أقول إذا كانت هذه الرسالة هي ما سعت إسرائيل إلى تحقيقه على أرض البحرين، فإن ردة الفعل والاستنفار الذي عبّر به هذا الشعب بكافة أطيافه وتنوعه في صورة بيانات وتصريحات، قد جاء رسالة قوية على نقيض الرسالة الإسرائيلية، رسالة مدوية عميقة في بعدها القومي والمعنوي لتقول؛ إن ضمائر الشعوب لاتزال حيةً على رغم الموبقات، وهي على ثوابتها ضد التطبيع، رسالة المناهضين «غير السذج» فاقعة صريحة لإسرائيل من جهة، ولعموم النظام العربي ولكل من يحاول تمرير الاستراتجية الاسرائيلية التي تعني اختراقاً خطيراً لمجتمعاتنا. رسالة المناهضين للتطبيع لا تقل أهمية وضرورة كفعلٍ بموازاة فعل المقاطعة التي يقوم بها الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلي، ما يعني إن «ربعنا» ليسوا سذجاً أستاذ فاضل.
لقد ضجّت دعوات من وصفهم الكاتب بـ»السذج» في البيانات والنداءات وتركّزت على ضرورة رد الاعتبار لفعل المقاطعة، وإعادة فتح «مكاتب مقاطعة إسرائيل» التي تم إقفالها في إطار السعي لتمرير سياسة التطبيع. الشعب ليس ساذجاً لأنه يعي طبيعة المقاومة برفض التطبيع، والتي تصبّ في مصلحة القضية المركزية الفلسطينية، ولهذا لا تزال «الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع» وغيرها من مؤسسات مجتمع مدني، عيناً ساهرةً في مواجهة عملية الاختراق بالتطبيع، وتناصر الشعب الفلسطيني وتدعمه بكل الممكن ضد الاحتلال الاسرائيلي.
أخيراً، نضم صوتنا للكاتب في دعوته لمن حضر من التجار ذاك اللقاء، ومن ناهض فعلهم للرد على الاختراق الاسرائيلي، بالعمل معاً لدعم حركة المقاطعة الفلسطينية، والتنسيق معها بشكل فعال، وهذا الميدان يا حميدان مفتوح على مصراعيه لعل فيه تكفيراً عمّا حدث.
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 5235 - الخميس 05 يناير 2017م الموافق 07 ربيع الثاني 1438هـ
مقال رائع وهو ابلغ رد على الطرح ... الذي يرى الناس سذج وما يفهمون
لغة ...لا يتقبلها اي انسان سوي ومردودة على صاحبها
و ادعاء الحكمة ما عادت مقبولة خصوصا في زمن الخانعين الذليلين
التطبيع ربادة مع الكيان الصهيوني..
قال تعالى (ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسّكم النار)
أليس الصهاينة محتلّين ظلمة مغتصبين لأرض فلسطين؟
ما هذا الهوان وهذه التبريرات التي يقوم بها البعض ليبرّر خيانته لأمته ؟
لا تنسوا موقف ياسر عرفات
عند ما غزا صدام حسين الكويت وفرحته التي أظهرها على شاشات التلفزيون عندما قال نحن وصدام في خندق واحد عندما كانت الكويت تحترق تحت دبابات العراق . كان الاخ الفلسطيني ي...للصواريخ التي يطلقها صدام ..
شكرا استاذه مقال رائع