هناك العديد من الاضطرابات والأمراض النفسية التي باتت منتشرة بشكل ملحوظ في مجتمعاتنا الخليجية، إلا أننا لا نعي أنها نوع من أنواع الاضطرابات النفسية، أو جزء منها أو حتى صور من صورها، وقد يرجع ذلك إلى ما ذكرته في عدد من المقالات السابقة واللقاءات إلى عدم نزولنا كمتخصصين في المجال إلى الجمهور وتركنا الأمر لكل من ليس لديه عمل أن يدلو بدلوه فيه.

ولهذا فإني في هذا الأسبوع سأتكلم عن نوع من الاضطرابات النفسية، وهو حالة هوس نتف الشعر، ولعل ما جعلني أكتب في هذا الموضوع هو إحدى حالاتي المرضية التي بت فخورة بها لقدرتها على تجاوز هذا الأمر، فقد مضى لليوم 22 يوماً على توقفها عن عادة نتف شعرها، فمبروك (د).

وقد يتساءل قارئ عن الرابط بين حالة مريضتي «نتف الشعر» والعنوان «الوسواس التقليدي»... ولأقول لكم إنه أمر واحد.

فاضطراب نتف الشعر، شده ونتفه، يصنف على أنه من اضطرابات الوسواس القهري (بمعنى أن هناك فكرة أو فعلاً قهرياً تسلطياً أو كليهما، يسيطر على المريض بشكل متكرر مزعج)، يقوم المضطرب به، ويكرره، على رغم علمه الأكيد أن ما يفعله خطأ، وأنه أمر بلا معنى، ويراه المعالجون النفسيون، أحياناً، نوعاً من الاضطراب الوجداني الشديد، ويمكن أن يشترك مع اضطرابات أخرى مثل قضم الأظافر، وشد الجلد، ومص الإبهام. من أهم خصائص هذا الاضطراب النفسي، الفشل المتكرر في مقاومة الدافع لشد الشعر من جذوره.

ولا يكون التشخيص صحيحاً إذا كان شد الشعر مقروناً بالتهاب في جلد فروة الرأس، أو إذا كان استجابة لنوع من الضلالات أو الهلوسة، فالمريض في هذه الحالة يعاني من إحساس متزايد بالتوتر الشديد قبل عملية الشدّ مباشرة، ومن ثم فإن هذا السلوك يحقق للمريض الراحة والإشباع.

وينجم عن عملية شد الشعر مناطق كالبقع تشبه «القُراع»، كما أن هناك حالات نادرة يلجأ فيها المريض لنتف رموش عينيه وشعر الحاجبين والصدر وتحت الإبط ومنطقة العانة، وقد تبدأ هذه الحالة عادة في سن الطفولة.

وكما أقول دائماً، إن أية رحلة علاج نفسية تحتاج للتبصر والرغبة في الشفاء، وتعتمد على شدة المرض وزمنه وتعاون كل من المريض وأهله.

كما أنها تتطلب العديد من الجلسات العلاجية والفنيات وليس حديث مقاهٍ كما يظن البعض، فلا خجل من مرض نفسي، كما لا خجل من مرض جسدي.

وهكذا فإنني أوضح هنا أن هناك أنواعاً متعددة من الوساوس القهرية وليس فقط الوساوس التقليدية (وسواس الصلاة، النظافة، الوضوء). إنما هي أنواع متعددة تظهر بأشكال مختلفة وبصورة لا شعورية.