تمثّل عودة المقاتلين من بؤر التوتّر والاقتتال هاجساً يقضّ مضجع الدول المصدرة لهؤلاء الشباب، سواء من أوروبا أم من العالم العربي ولا سيما تونس التي بقدر ما فاجأت العالم بسلمية تحوّلها الديمقراطي في 2011، فاجأته أيضاً بالعدد المهول من الذين وهبوا أنفسهم للموت سواءً في ميليشيات الجبهات المقاتلة في سورية والعراق وليبيا، أو من خلال عمليات إرهابية في أوروبا أو تونس ثبت ضلوع الكثير من الشباب التونسي في بعضها.
لذلك انشغل الرأي العام الشعبي والطبقة السياسية في تونس بموضوع عودة هؤلاء، وظهر الانقسام جلياً ما بين التيارات السياسيّة ممثلةً في الأحزاب الحاكمة أو المعارضة، حتى وصل الأمر إلى تصاعد لهجة التصريحات والتصريحات المضادة؛ بل إلى الاحتجاج في الشوارع وأمام مبنى مجلس نواب الشعب؛ حيث طالب المحتجون برفض عودتهم وبمحاكمتهم في الدول التي اقترفوا فيها جرائمهم.
أمّا الشيخان -كما اعتاد التونسيون تسميتهما- «الباجي قائد السبسي» رئيس الجمهورية و»راشد الغنوشي» رئيس حركة النهضة، وهما الشخصيتان الرمزيتان الأكثر تأثيراً في المشهد السياسي التونسي في السنوات الأخيرة، فقد أكّدا على التعامل بجديةٍ مع عودة الإرهابيين من قبل كافة الأطراف المعنية من قضاء وسلطات أمنية وإعلام، لكنّهما لم يرفضا عودتهم باعتبار حق العودة يكفله الدستور ولا يمكن خرقه لأي سبب من الأسباب.
نعم، تمثّل عودة هؤلاء المقاتلين خطراً شديداً على أمن تونس وسلامة المواطنين؛ فاحتمال استقواء بعض الخلايا النائمة من الإرهابيين في تونس بهؤلاء العائدين واردة جداً، واحتمال قيامهم بجرائم إرهابية جديدة غير مستبعد... لكن بعيداً عن المواقف الانفعالية والشعبويّة والسياسويّة الضيقة، سيعرّض قرار عدم قبول عودة هؤلاء التونسيين البلاد إلى خسائر جمّة؛ فعلى المستوى الخارجي، يساعد مثل هذا القرار على مزيد تشويه لصورة تونس واعتبارها بلداً مصدراً للإرهاب، وهو ما يروّج له بعض الصحافيين في الغرب والمشرق العربي، وللأسف، وإذا كان تصدير الإرهابيين سابقاً خارجاً عن إرادة الدولة، فإنّه بمنع عودتهم وصدّ المنافذ البرية والبحرية والجوية أمامهم، تعرّض تونس نفسها إلى تهمة تصدير الإرهابيين وبإرادة الدولة التونسية حين ترفض استقبالهم، بل قد تُرْمى مع هكذا قرارٍ بتهمة عدم التعاون الدولي في مقاومة الإرهاب.
وأمّا على المستوى الداخلي، وفي علاقتها بمؤسساتها ودستورها، فقد تُعرّض الدولة نفسها، في حال رفض عودة هؤلاء المقاتلين، إلى تهمة خرق الدستور التونسي الذي يحجّر في الفصل 25 منه «سحب الجنسية التونسية من أي مواطن أو تغريبه أو تسليمه أو منعه من العودة إلى الوطن»، كما أنّه وفي صورة عدم السماح لهم بالدخول، تكون الدولة قد عطّلت تطبيق قانون مكافحة الإرهاب من خلال عدم إثارة الدعوى ضد الإرهابيين، والسماح لهم بالنجاة من المحاكمة وتسليط العقاب على من ثبت تورّطهم في قضايا إرهابية، وهو ما لا يمكن أن تقبل به مؤسسات الدولة التونسية سواء الأمنية أو القضائية التي ستتحمّل مسئوليتها التاريخية في معالجة هذا الملف بالشكل الذي يحفظ لتونس صورتها الجديدة، ومكانتها الاعتباريّة التي تشكّلت لها منذ 2011 في المجتمع الدوليّ، وخاصةً مع استحقاقها جائزة نوبل للسلام العام 2015.
وفي حالة عدم دخولهم ومحاكمتهم ستخسر المؤسسة الأمنيّة أيضاً، الكثير من المكاسب الاستخباراتية التي سيوفرها التحقيق مع هؤلاء العائدين؛ إذْ من المؤكد أن لديهم الكثير من الارشادات والمعلومات بخصوص الجرائم الإرهابية المرتكبة أو التي ينوي الإرهابيون ارتكابها، فيقع بذلك تفادي ارتكاب جرائم بصدد الإعداد لها، وقد تُمكِّن من الكشف عن شبكات الإرهاب داخل البلاد وخارجها، بل إنّ المشرّع التونسيّ قد كافأ كلّ من يُمّكِّنُ «بمناسبة البحث الأولي أو التتبعات أو التحقيق أو أثناء المحاكمة من وضع حدّ لجرائم إرهابية أو لجرائم مرتبطة بها أو تفادي أن تؤدي الجريمة إلى قتل نفس بشريّة أو من الكشف عن جميع فاعليها أو بعضهم أو من إلقاء القبض عليهم»، وذلك بتسليط نصف العقوبة المقررة عليه فقط كنوع من المكافأة على تعاونه.
وكعادتها لن تتأخر تونس في الاضطلاع بمسئولياتها تجاه العالم سواءً في حربها ضد الإرهاب أو في احترام علاقتها بالدول الشقيقة والصديقة، وهو ما تميّزت به الخارجية التونسية منذ الاستقلال، لذلك فإنّ الحكمة تقتضي إعداد خطط مختلفة للتعامل مع هؤلاء العائدين، خاصةً بعد المصادقة على الاستراتيجية الوطنية لمقاومة التطرف والإرهاب ذات المحاور الرئيسية الأربعة، وهي الوقاية والحماية والتتبع والرد.
لعلّه من الثابت والأكيد أنه لم يعد يوجد للإرهاب حاضنة شعبية في تونس بعد انجلاء الغشاوة، خاصةً على إثر عملية بنقردان الشهيرة في مارس/ آذار 2016، وعليه فإنه من المنتظر أنّ تونس وشعبها لن يتسامح مع هؤلاء، وسيكون العين الساهرة والرافدة للجهود الأمنية في الحد من خطورة عودة المقاتلين إلى بلادهم. كما أن المدرسة ومؤسسات المجتمع المدني لن تألوا جهداً في التوعية بكيفية التعامل مع هؤلاء العائدين، وكيفية إعادة دمجهم في المجتمع بعد أن يستوفي كلّ من ثبت بحقه جرم العقوبة التي يستحقها.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 5232 - الإثنين 02 يناير 2017م الموافق 04 ربيع الثاني 1438هـ
ما على الأم من واجبات الآن أكبر مما سبق، فالطفل سهل التنشئة طيع في صباه، وإذا اشتد عوده شابا فكهلا صار على هواه،وعسر تقويمه،إلا أن نضجه قد يساعد في تعديل ما اعوج،سيما إذا طلبت منه أمه ذلك...السبب أنه لا ينسى فضلها، كذلك الحال مع الوطن، نرجو ألا ينسى هؤلاء المجرمون فضل أوطانهم ولو قصرت، ولينظروا لبني بلدهم الذين ضربوا في بقاع الأرض سعيا للعمل وإعمارا للأرض وقد اهتزت مكانتهم،وهم أعزاء، فلتكفوا يا أيها(...) ولتعودوا إلى رشدكم تائبين طوعا فأمكم تونس لا تتبرأ منكم.
*الحديث بدرجة أولى عن المغرر بهم
تتمة لما سبق،
لو استمعنا لهؤلاء المجرمين،لعرفنا أن الدوافع الكثير من الأسباب المتعلقة مباشرة بالنظام، بتهميش الدولة لهم وعدم عنايتها بهم وحاجاتهم،وحمايتهم من أنفسهم الأمارة بالسوء، بعضهم لو كان معاتبا جهة،سيعاتب بلده حتما، وقد نجد من سيقاضيها في شخص عدد من مسؤوليها، لن ينفي اللائمة عن نفسه، ولكن سيوجه اتهامه لها، للأسف هي ظروف الكثير من الإرهابيين وبعض أسباب انسياقهم طمعا في بعض المال،لذلك غادروها كرها،وإن عادوا فلن تلفظهم،لأن الوطن هو الأم
الأم تحتضن أبناءها مهما يكن الجرم الذي اقترفوا وتحن
"غادروه كرها ورجعوا إليه كرها"
إنه الوطن،وهم "هؤلاء المجرمون" الذين أجرموا في حق غيرهم ووطنهم وأنفسهم طبعا،ما غادروه بملك نفوسهم ولا رجعوا بملكهم
لن أتحدث عن الأطراف الخارجية،ولكن عن بعض الأسباب الداخلية، حاشى للشه أن أبيض الإرهاب والإجرام،لكن عن فهم لبعض دوافع ذهابهم لبؤر التوتر،لعل الخصاصة والحاجة دافع شمل نسبة عظمى،الكثير من هؤلاء المغرر بهم من متساكني أحياء شعبية معروفة بالكثافة السكانية والخصاصة وسوء البنية التحتية وقلةالمرافق الترفيهية الهادفة و عانوا من سطوة منتسبي حزب التجمع سابقا
الله يحفظ تونس وأهلها
تذكرنا عودة "هؤلاء" بأفلام الخيال "العلمي" التي يعجز فيها الباحث المفترض عن السيطرة على المارد الذي أنتجه في مختبره.
...تلك هي ضريبة السياسات التربوية الرجعية في المقام الأوّل، وضريبة تدفعها الدول الغربية الحاضنة لهؤلاء اعتقادا منها أنّهم السلاح الأسهل في الاستعمال مع الدول المنافسة تجاريا وسياحيا ... يبدو أنّ مقولة من شبّ على شيء شاب عليه ومات عليه ... هي الأنسب بالنسبة إلى "العائدين" وكأنّنا نتحدث عن عودة علميّة مظفّرة مصطلح "العودة//توبة" في حاجة إلى مراجعة..
ندعو الله السلامة لأوطاننا العربيّة والإسلاميّة