مجازاً يطلق الشاعر والوزير وعضو المجلس التأسيسي السابق محمد حسن كمال الدين على كتابه الجديد: «ذاكرتي في حي النعيم» الذي دُشّن في حفل افتتاح مركز شباب النعيم قبل بضعة أيام، غير أن المُطّلع لمحتوى العمل يدرك أن العنوان ينطوي على قدر من التواضع، ربما كان منشأه ذلك التبجيل والشغف الكبير الذي يسكن المؤلف لهذا الحي، فالكتاب في واقع الأمر هو «ذاكرة النعيم» الجمعية وتاريخها المُعبّر عن سيرورة تحولاتها الاجتماعية والثقافية، حيث تكاد تنعدم في ثنايا الكتاب الفواصل المفترضة بين الذاتي والموضوعي وبين الخاص والعام.
يكتب كمال الدين عن تاريخ الحي الذي ولد وترعرع في أكنافه كما وعاه، ويتذكره بروح شاعرية كشاعر مدّله بحبيبته، أو كأديب يكتب رواية حب غجرية، وقد صادف أن زرتُ كمال الدين في منزله مرتين قبل صدور الكتاب عندما كان في مراحل الإخراج الأخيرة، وكنت شاهداً على مدى شغفه بالموضوع الذي يكتب فيه، ومدى حماسه وعشقه ووفائه لمهد طفولته ومرتع صباه ومحضن أحلامه.
من هنا جاء الكتاب حافلاً بمقاطع وفقرات معبّرة، وكلمات شديدة الإيجاز ولكنها متخمة بالمعاني والصور البراقة التي تعثر عليها عادة في دواوين الشعر وعيون الأدب، في شكل تعليقات على صور نادرة، أو فقرات افتتاحية لفصول: «كلما مررت بحي النعيم أحسست أن دروبه تسألني عن خطواتي الأولى».
أهمية الكتاب تكمن في عاملين اثنين الأول: في أنه كُتب بقلم أحد أبناء النعيم المؤثرين في حياتها الاجتماعية، حيث قدّر له أن يضطلع بدورٍ فاعل من خلال تأسيس نادي النعيم الثقافي والرياضي العام 1975، وكان ممثلاً لمنطقة النعيم في مقابلة السيد وينسبير ممثل الأمم المتحدة العام 1970 لاستقصاء الحقائق بشأن عروبة البحرين.
أما العامل الثاني الذي يُكسب الكتاب قيمة مضاعفة، فيرتبط بما تضمنه من معلومات تاريخية واجتماعية يُفصح عنها لأول مرة، وخصوصاً تلك المرتبطة بأسماء النجارين والقلافين في هذا الحي الصغير بحجمه الكبير بعطاء أبنائه، وتضمّن الكتاب ما يشبه المعجم للكلمات المستخدمة عند القلاليف (صناع السفن)، وتوثيقاً لحدث احتفالية تدشين اليخت الأميري «أوال»، الذي صنعه أبناء النعيم لأمير البلاد الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة العام 1964، حيث حضر الأمير شخصياً لإنزال اليخت للبحر بحضور جمع غفير من أهالي الحي وأعيانهم، واستعان كمال الدين بصور نادرة للحدث من إرشيف عيسى الوطني.
وتحتل الصورة الفوتوغرافية في الكتاب أهمية بالغة بوصفها وثيقة بصرية تُغني عن ألف كلمة، وقد استعان المؤلف بحشد كبير من الصور، التقط بعضها وأهمها بكاميرته الخاصة في خمسينات القرن الماضي، وما تلاه، غير أن المؤلف أسرف في بعض الأحيان من توظيف بعض الصور، وخصوصاً الحديثة منها والتي لا تحمل قيمة وثائقية تُذكر، وخصوصاً أن الكتاب ضم بين دفتيه نحو 250 صورة في كتاب يقع في 267 صفحة، أي بمعدل صورة لكل صفحة!
يقول كمال الدين: «ما تختزنه الذاكرة قد يقفز إلى الواجهة، حيث يتمكن الإنسان من استنفار عقله. ومخزون الذاكرة هو تشكيلة حياة الإنسان، منها ما يقال ومنها ما لا يقال، وما قادني لتسجيل بعض من ذاكرتي في حي النعيم مرجعه تجربتي الذاتية، وبعض ملاحظاتي الشخصية على مجمع الحياة في الحي الذي ترعرعتُ فيه، وبنيت مثيل حياتي بين رجالاته شيبها وشبابها، ولعل الكثير منهم يسترجع تلك الذكريات الجميلة التي عشناها معاً، نكافح من أجل مستقبل أفضل». و»في حي النعيم... كنت أشعر أحياناً أن القمر لا ينام».
تبدو النعيم مقارنة بقرى ومدن والبحرين الأخرى محظوظة بما حظيت به من اهتمام من قبل الأدباء والكتّاب والباحثين، فعلى رغم أن كتاب محمد حسن كمال الدين هو الأول من نوعه في تاريخ الحي، إلا أن أعمالاً أدبية وسيرية أخرى قاربت مواضيع تتعلق بالحياة الاجتماعية والثقافية والتاريخية لحي النعيم، فعلى الصعيد الروائي كتب الأديبان البحرينيان حسين المحروس رواية «قنده» وفريد رمضان في رواية «السوافح ماء النعيم»، فيما تصدّى محمد نجيب التيتون لمقاربة وجه آخر من أوجه حياة الحي، وذلك من خلال صناعة السفن، إذ تشكل هذه الصناعة مدخلاً رئيساً من مداخل تاريخ المكان، وذلك في كتابه التوثيقي القيّم: «تاريخ صناعة السفن في البحرين والخليج» وما تضمن من حوادث وأخبار وحكايات تكشف النقاب عن جزء من تاريخ الحي.
وعن النعيم كان قد صدر أيضاً عن اللجنة الثقافية في مجلس طلاب العلوم الدينية بمنطقة النعيم كتاب «علماء النعيم» ضم سيراً لخمسة من علماء الدين في المنطقة.
كما حظيت المنطقة بمساحة لا بأس بها في أدب المذكرات الشخصية، إذ أفرد سلمان كمال الدين في مذكراته «ذاكرة الوطن» مقاطع من تجربة الطفولة والشباب في هذا الحي من خلال سيرته السياسية وتجربته الإنسانية، والمؤلف محمد حسن كمال الدين بدوره كانت له أكثر من مساهمه في هذا المضمار، فقد ارتكز عمليه: «على ضفاف الوطن: العالم المصلح السيد علي السيد كمال الدين»، و»مذكرات وزير على ساحل الفشل» على التجربة الذاتية ومخزون الذكريات والمشاهد الإنسانية التي سجل تفاصيلها، على رغم اختلاف الزوايا والأبعاد التي ميزت كل عمل. ففي حين جاء كتابه عن والده السيد علي كمال الدين كمحاولة توثيقية لحياة شخصية وطنية كان لها دور تاريخي ووطني مفصلي في خمسينات القرن الماضي ضمن ما عرف بحركة هيئة الاتحاد الوطني، دوّن فيه بأمانة مشاهداته وما سمعه من والده شخصياً؛ كانت مذكراته كوزير سجلاً يؤرخ لمسيرته في العمل الرسمي، أما العمل الأخير فقد جاء ليسلط الضوء على تاريخ الحي مستعيناً بتجربته الغنية في العمل الاجتماعي والثقافي والتعليمي، ومعايشته اليومية للحياة والناس في هذا الحي.
إن أجمل ما يُكتب عن سيرة المدن هو الذي يكتبه أبناؤها، وقد يكون عمل كمال الدين من أجمل ما كُتب عن النعيم، ومن المقدر لهذا الكتاب أن يبقى طويلاً مصدراً من مصادر تاريخ هذا الحي.
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 5232 - الإثنين 02 يناير 2017م الموافق 04 ربيع الثاني 1438هـ
للتصحيح، إبراهيم كمال الدين هو من كتب ذاكرة الوطن، وليس سلمان كمال الدين.
مع تحياتي للكاتب على هذا المقال.
النعيم على الرغم من تاريخها العريق جدا وما خرجته من رجالات يفتخر بهم الا ان كل من حاول رد الجميل لم تتعدى مساعيه التغني بها ومدحها.. القرية بحاجة لإعادة أحياء وتطوير فلم نسمع من تصدر لهذا الملف بجدية أفلا تستحق أن يكون بها مشروع إسكاني يعيد بريقها؟ فقد أصبح العزاب والأجانب في كل زاوية منها للقرية حق عليكم بأن لا تدعوها تأكل وتدنس بالاغراب.