عندما وصلني خبر مقتل السفير الروسي في تركيا وبالكيفية التي حصلت، لم أستبعد أن يكون القاتل أحد منتسبي الشرطة التركية. لم يكن ذلك ليحتاج إلى تفكير مبالَغٌ فيه، إذا ما عرفنا أن الضحية هو ممثل لدولة عظمى، والمكان الذي حصل فيه الحادث كان يخضع لحراسة مشددة. بالضبط كما حصل مع رئيس المجلس الأعلى للدولة في الجزائر محمد بوضياف (يونيو 1992) عندما أطلِق عليه وهو يلقي خطاباً، ثم تبيّن أن القاتل هو أحد حراسه الشخصيين (بومعرافي).
مولود الطنطاش اجتاز نقاط التفتيش المنصوبة عبر استخدام بطاقته الأمنية كمنتسبٍ للشرطة، ليقف حارساً مدنياً بسلاحه المخفي في جيبه الأيسر خلف السفير أندريه كارلوف، قبل أن يُطلق عليه النار في معرض للفنون ويُرديه قتيلاً. ولو لم يكن يحمل تلك الصفة لما استطاع أن يفعل ذلك.
قبل أيام كَتَبَ طوفان جومروكجو من مدينة سوكي التركية (أحد أكثر أقاليم تركيا ميلاً للعلمانية) تقريراً شرَّح فيه شخصية القاتل: «شاب منعزل سكِّيت (22 عاماً)، رفضت الجامعة طلبه مرتيْن لعدم استيفائه الشروط المطلوبة، فترَكَ بلدته والتحق بالشرطة التركية.
والدته قالت بأنه «انطوائي». معارفه قالوا بأنه «أمضى معظم وقته مع جدته وأخته غير الشقيقة». جار له قال: «كان دائماً في حاجة للمساعدة. لم يكن له أصدقاء طوال فترة الدراسة بالمدرسة». أحد مَنْ نشأوا معه قال: «كنا نراه في الشارع عندما كنا نلعب. لم يكن ينضم إلينا قط ولم يكن يتحدث مع أحد». أما أسرته فهي تميل إلى الحركة القومية لكنهم ليسوا أعضاءً فيه كما جاء.
والده قال: «بدأ سلوك الشاب يتغيّر بعد أن صادق في أكاديمية الشرطة شخصاً يدعى شيركان بي، الذي أقام معه في منزل واحد، وبدأ يركز على أداء الصلوات وأصبح انطوائياً وسكِّيتاً أكثر بعد انضمامه للشرطة. وعلى حد علمي لم يكن عضواً في أي منظمة إرهابية أو جماعة دينية».
كل ذلك الصمت والانعزال قادا هذا الشاب إلى مربع القتل. لماذا؟ هذا أمر جدير بأن يُتَفكَّر فيه جيداً. نعم قد يكون شيركان بي قد أثَّر عليه. لكن ومن مفهوم التسلسل يُفتَرض أن نسأل مَنْ الذي أثّر على المؤثر الأول والذي سبقه وهكذا وهم الذين ينتمون إلى جهاز شرطي من المفترض أن يكون بعيداً عن التأثيرات الخارجية التي من الممكن أن تؤثر على عقيدته الأمنية وطبيعة نظرته للأشياء التي يقوم بها.
الحقيقة أن المشكلة بدأت من أمرين اثنين أضرّا كثيراً بالدولة التركية وهويتها. الأول هو انشطار الحلف التقليدي بين الكولنيين والأردوغانيين الذين جمعهم حلف واحد قبل أن يتصدّع. ولأنهما ينتميان إلى منهل واحد، فقد تسابقا على الانتساب للأفكار الدينية كل بطريقته، متناسين كيف سيؤدي ذلك التنافس والاندفاع صوب التغوّل في الانتماء إلى جرّ الدولة بأكملها لذلك الوضع.
وعندما حصل الفراق، كان الظاهر منه أن الرأسيْن قد افترقا لكن الجسد لم تتم برمجته كي يدين بالولاء إلى رأس وتاج واحد، فضلاً عن الضغط على كوابح القطار المنفلت باتجاه الشعار الديني. وهو ما جعل مؤسسات الدولة حائرة في توجهاتها، ومن أهمها الأجهزة الأمنية والشرطية.
وما يؤكد ذلك هو ما صرح به مدير تحرير صحيفة ذا تركي أناليست خليل كارافلي لـ «رويترز» قبل أيام قائلاً: «العنصر الديني كان دائماً مهماً للغاية في التجنيد وتشكيل الكوادر في الدولة التركية وخاصة في الأجهزة الأمنية (وليس الجيش) بل في الشرطة» الذي كان ينتمي إليها مولود وصديقه.
لقد أدى الخلاف والتنافس على هذه المؤسسة إلى أن تتضخّم فيها الحالة الدينية إلى الحدّ الذي جعلها ساحة تصفية وصراع بين الرئيس أردوغان والداعية كولن، دفعت الأول لأن يقوم بتطهير قطاعات واسعة فيها من نفوذ منافسه، كان أهمها إقالة قائد وحدة مكافحة الشغب بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو/ تموز الماضي.
الأمر الثاني في المشكلة هو طبيعة الخطاب الذي استخدمه حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا في التعاطي مع الحرب الأهلية السورية وجعلها تصطبغ بطابع ديني بحت، الأمر الذي حوّل الفضاء العام في تركيا، بما فيه المؤسسات المختلفة للدولة لأن تعيش على وهجه وأثيره كل يوم وكل ساعة. وباتت العواطف مشدودة جداً تجاه ما يجري بعد أن باتت الدول كلها تتعاطى معها بقوة.
ليس ذلك فحسب، بل إن هذا التطور قد أدخل تركيا في أزمات دينية وقومية شديدة التعقيد، بدأت مع أفكار تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وكذلك تفاقم العلاقة مع الأكراد في جنوب البلاد، بعد أن اشتعل الشريط الحدودي مع سورية على إثر دعم الأميركيين للأكراد السوريين عند الفرات.
وبعد أن أيقن حزب العدالة والتنمية خطورة ذلك، وأراد تصويب الوضع ومساره ولو بشكل جزئي تبيّن أن الأمور قد انفلتت على مستوى الرأي العام المؤيد له ولتوجهاته. وبالتالي أصبحت العلاقة مع روسيا والقبول بالرئيس الأسد في سدة الحكم تياراً معاكساً لكل ما قيل وما جرى في تلك الفترة، الأمر الذي دفع الكثير من الشباب لأن يفكروا بطريقة الانكسار وعدم الوثوق بأي شيء.
هذا الوضع بدأت تشعر به قيادات سياسية وثقافية في تركيا الآن، وبات يُكتَب عنه. والحقيقة أنه يُنذر بعواقب لا يُعرَف أين يُسمع صوتها ولا مفاعيلها، وبالتالي يجب التصويب في هذه اللحظة الصعبة قبل أن تستحيل العودة تالياً.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 5231 - الأحد 01 يناير 2017م الموافق 03 ربيع الثاني 1438هـ
أتوقع ان تكون تركيا نموذج مثالي لسوريا .... سيقع فيها ما وقع في سوريا أحزاب وتجمعات وارهابيين وتكفريين وسينال اردوغان ما جنت يداه في سوريا وسيمتد ذلك الى دول عربية أخرى فاستعدوا للتفجيرات والمفخخات يا عرب
الكل يستعمل الدين او المذهبية هذه الايام للوصول الي غايته او لتبرير اهدافه ..فعلاها بوش الابن في العراق ويفعلها بوتين الآن في سوريا ، وكذلك تفعل الدول الاقليمية مثل ايران واسرائيل وغيرها ، كما فعلتها الدول الاروبية في الحروب الصليبية وبعد انهيار الخلافة العثمانية .. انها بضاعة من لا بضاعة له وقديما قيل "من له حيلة فليحتال ، او الغاية تبرر الوسيلة"
زائر 8 الذين حاولوا قتل أردوغان و الإنقلاب عليه هم عتاة المؤسسة العلمانية بالإشتراك بجماعة غولن المعروف ارتباطها مع دوائر المخابرات الغربية، لم يكن للإسلاميين كانوا اخوانا أو متطرفين أي صلة، لا أعرف من أين أتيت بكلامك. أما عن القذافي و صالح فكلامك صحيح و لا تنسى المخابرات الإيرانية و بشار، كانت لديهم اتصالات مع القاعدة.
اردوغان بارك موقف العلمانيين وشكرهم على موقفهم من الانقلاب الذي دبره غولن عميد الاسلاميين الاتراك في وجهها الاصولي. لذا يجب ان تصحح معلوماتك
لا أنت من يجب أن يصحح معلوماته، قادة الإنقلاب هم قائد سلاح الجو في الجيش التركي و غيره من قادة الجيش المعروفين بالتعصب للقيم الأتاتوركية العلمانية، غولن لم يكن إلا مظلة دينية لتسويق الإنقلاب.
يزعجهم أن أردوغان يريد خلع بشار لأسباب سياسية مغلفة بطريقة طائفية، و لكن عندما يقوم بوتين بالتسويق لحربه في سورية على أنها من أجل حماية الأقليات المسيحية و محاربة التطرف فالأمر لا يعنيهم (و هي فكرة قديمة قدم الإستعمار الغربي لمنطقتنا .. فروسيا و فرنسا لم يدخلوا العالم الإسلامي و يستعمروه إلا تحت ذريعة حماية الأقليات المسيحية التي كانت تعيش في المناطق الخاضعة للدولة العثمانية).
يجب على تركيا أن تحارب روسيا بالسلاح ذاته، و الدين هو هذا السلاح.
مقال ممتاز جدا عدا الجملة الأخيرة، بل يجب المواصلة في هذا الإتجاه ... يجب أن تعكس تماما، هذا سلاح فتاك، لو عرفت تركيا كيف تستخدمه فأمجاد العثمانيين قادمة. إذا كان من حق بوتين العزف على وتر الأورثودكسية و التماهي مع الكنيسة (و هم كما يزعمون دولة علمانية)، و كان من حق ايران الشحن المذهبي و التعبئة الطائفية، فلا يمكن لتركيا أن تصمد في هذا البحر الهائج بخطاب علماني متخشب أقصى أمانيه هو انعاش السياحة و جذب الإستثمارات الغربية .. هذه طريقة أنجيلا ميركل في ألمانيا التي ستجعل ميركل نسيا منسيا.
جميل جدا أن يكون للرئيس سلاح نووي يستخدمه ضد خصومه و أعدائه إذا ما فكروا بالتخلص منه. ماذا أقصد بالسلاح النووي، بالطبع فأنا لا أقصد السلاح النووي الذي لدى باكستان و الهند و أمريكا و ر وسيا، أنا أقصد السلاح النووي الذي لدى نظام بشار، فهو عندما أحس الرمال تتحرك من تحته، أطلق عناصر القاعدة الذين كان يسجنهم في المعتقلات عندما تتحسن علاقته مع الغرب و يطلقهم عندما تسوء. على أردوغان أن يحذو حذو بشار، ليكن أمثال مولود طنطاش هم البديل عنه، إذا أحس عدوك أنه يخسر أكثر بمهاجمتك فإنه سيتوقف عن الهجوم.
هؤلاء سيحاولون قتله كما فعلوا في محاولة الانقلاب الاخيرة ضده فلا تعتقد بان ذلك امرا سهلاً. القذافي صالح واستخدم الجماعة الليبية المقاتلة وتعاقد معهم عبر ابنه سيف ثم تبين انهم هم الذين قتلوه على اطراف سرت
من الحنكه السياسيه المفروض من تركيا ان تتعامل مع جيرانها بلا ضرر ولا ضرار باعتدال وعدم الانحياز