أخيراً، اختار أعضاء مجلس الأمن الدولي إدانة الاستيطان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية التي جرى احتلالها في حرب يونيو/ حزيران العام 1967. فقد صوت مجلس الأمن في الجمعة (23 ديسمبر/ كانون الأول2016)، بشأن قرار يطالب بوقف بناء المستوطنات «الإسرائيلية» في الأراضي الفلسطينية. وصوتت لصالح القرار 14 دولة، فيما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت من دون أن تستخدم حق الفيتو على المشروع.
وأكد القرار الذي تبنت تقديمه لمجلس الأمن كل من نيوزيلندا وماليزيا وفنزويلا والسنغال عدم شرعية إنشاء الكيان الصهيوني للمستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، بما فيها القدس الشرقية، ويعد إنشاء المستوطنات انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وعقبة كبرى أمام تحقيق حل الدولتين وإحلال السلام العادل.
كما طالب القرار بوقف فوري لكل الأنشطة الاستيطانية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأوضح أن أي تغييرات على حدود عام 1967 لن يعترف بها إلا بتوافق الطرفين.
وصف مراقبون صدور هذا القرار بالتاريخي، لأنه يشكل أول إدانة من أعلى منبر أممي لانتهاكات الكيان الصهيوني للقانون الدولي، ولحق الأمم في تقرير المصير. ولم يكن لهذا القرار أن يمر، لو مارست الإدارة الأميركية سلوكها المعتاد، في رفع سيف حق النقض، ولكنها اكتفت هذه المرة، بالامتناع عن التصويت.
ردود الفعل العربية، والفلسطينية منها بشكل خاص، عبرت عن بهجة وفرح بصدور هذا القرار الأممي بعد طول انتظار، وتم وصف القرار من قبل المتابعين لسياسة الحكومة «الإسرائيلية»، بأنه صفعة كبيرة للكيان الصهيوني، وأن حكومة هذا الكيان لن تلتزم به. ومن جانبه، صرح رئيس حكومة الكيان الغاصب بنيامين نتياهو أن عدم استخدام الإدارة الأميركية حق النقض بحق القرار، هو طعنة غادرة من قبل الرئيس الأميركي باراك أوباما، وأن حكومته لن تقوم بتنفيذ القرار.
واقع الحال، أن الموقف الأميركي، جاء مفاجئاً لكل متتبع للسياسة الأميركية تجاه الكيان الصهيوني، منذ تأسيسه العام 1948. فقد دأبت كل الإدارات الأميركية السابقة على الانحياز بشكل فاقع للسياسات «الإسرائيلية»، وبالضد من القانون الدولي، ومن حق الفلسطينيين في تأسيس دولتهم على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحديداً في الضفة الغربية وقطاع غزة، والقدس الشريف. ولم تكن إدارة الرئيس أوباما، ببعيدة عن هذا التوصيف.
ولذلك تم وصف الموقف الأميركي، بالانكفاء عن التصويت على هذا القرار، بأنه طلقة وداع، من الرئيس باراك أوباما، ضد رئيس الحكومة «الإسرائيلية» نتنياهو، الذي أفشل جميع مبادرات الرئيس الأميركي، لتحقيق اختراقات، من أجل التوصل إلى تسوية للصراع الصهيوني الفلسطيني.
والموقف الأميركي هذا، إذا ما وضع في سياق السياسات الأميركية السابقة، هو موقف عابر، من رئيس على وشك مغادرة البيت الأبيض، ولا يشكل تحولاً رئيسياً في الموقف الأميركي المناصر للعدوان الصهيوني المستمر، ضد شعب فلسطين. تؤكد هذا الاستنتاج تصريحات الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، عن استيائه من عدم استخدام واشنطن حق النقض، ضد القرار الذي نحن بصدده، بل ووعد في تغريدة على «تويتر»، بأن الأمور ستكون مختلفة، بعد أن يتولى مهامه في البيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني 2017 .
إذاً فالمنجز في هذا القرار، لن يتعدى الموقف الأخلاقي، ولن يتم فرضه بالقوة من قبل أعضاء مجلس الأمن الدولي، كما تم فرض قرارات مماثلة في السابق. وسيكون مصيره، كمصير عشرات القرارات السابقة، التي صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعن مجلس الأمن نفسه، بما في ذلك القرارات المتعلقة بتقسيم فلسطين، وبحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم.
ليس الهدف هنا هو التقليل من أهمية صدور هذا القرار، ولكن وضع ذلك في سياقه الصحيح. فالقرارات الأممية على أهميتها، لن تكون موضع التطبيق، ما لم يتم شمول تطبيقها بالفصل السابع من مبادئ الأمم المتحدة. وحين يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني، فإن هناك استحالة أن يتبنى مجلس الأمن قراراً يتعلق بضمان الحقوق الفلسطينية المشروعة، ويتم فرض تطبيقه بالقوة على الكيان الصهيوني.
إن فاعلية هذا القرار، لا تكون ملموسة، إلا في ظل تغيير موازين القوى الاستراتيجية، لصالح الكفاح الفلسطيني، وتأمين حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة فوق ترابهم الوطني. والحديث عن تغيير موازين القوى، دونه صعوبات وظروف شاقة وصعبة، ونضال مرير، وهو يتعدى قدرات الفلسطينيين، إلى تغيير الواقع العربي، من وضعه الحالك والمتشظي، إلى إعادة الاعتبار، للكيانات الوطنية، التي تم سحقها في السنوات الخمس الماضية، وتثبيت النظام العربي الرسمي، وخروجه من غرف الإنعاش. وأيضاً الالتزام بمبدأ التضامن العربي، والمواثيق العربية الجماعية، ومن ضمنها ميثاق الأمن القومي العربي الجماعي، ومعاهدة الدفاع العربي المشترك.
وبالنسبة للفلسطينيين، يأتي تحقيق الوحدة الفلسطينية، على رأس مهام الكفاح الفلسطيني، وعلى قاعدة التسليم بالثوابت الفلسطينية، وعدم التفريط بحقوق اللاجئين الفلسطينيين، والتأكيد على عروبة القدس، باعتبارها العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية المرتقبة.
عند تحقيق هذه الأمور فقط، يضاف لقرارات مجلس الأمن الدولي، المتضامنة مع حقوق الفلسطينية، بعد عملي حقيقي، يضاف إلى بعده الأخلاقي. وعندها فقط يوضع النضال العربي، من أجل القضية الفلسطينية على السكة الصحيحة.
إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "العدد 5228 - الخميس 29 ديسمبر 2016م الموافق 29 ربيع الاول 1438هـ