كانت تونس أول بلدٍ انطلقت منه أول شرارات الربيع العربي، وقيض له أن يكون أول بلدٍ سيستقبل الموجة المخيفة من الإرهابيين العائدين من سورية والعراق.
هذا الهاجس الذي يعيشه البلد الشقيق يقلق جميع التونسيين، حتى انبرى زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي للإعتراض على سحب جنسيات العائدين أو منعهم من دخول تونس، باعتبار ذلك مخالفاً للقانون. وهو موقفٌ لقي موجةً شديدةً من الاعتراضات، فالمخاطر التي يمثلها هؤلاء على الأمن التونسي وحياة التونسيين، أكبر وأخطر وأهم من أية مواد جامدة في القانون.
تونس واجهت في العامين الأخيرين عمليات إرهابية محدودة ومتفرقة، ولكنها كانت مؤذيةً جداً للإقتصاد الذي يواجه صعوبات كبرى من الأساس، حيث تضرّرت الحركة السياحية التي تمثل رافداً مهماً للعملة الصعبة. وحدث ذلك بمعدل عمليتين إرهابيتين نوعيتين كل عام، غير عشرات العمليات الصغيرة المتفرقة، أو تفكيك خلايا إرهابية أو مطاردات هنا وهناك. وهو أمرٌ لا يُقارن إطلاقاً بما كان يحدث منذ سنوات في سورية والعراق على أيدي التنظيمات الإرهابية.
من تونس التحق أكبر عددٍ من «المتطوعين» للقتال في صفوف تلك التنظيمات المتطرفة في سورية والعراق، يقدر عددهم بأكثر من 5500، وهو رقمٌ بسيطٌ في الأحوال العادية، ولكنه خطير جداً حين يترجم إلى عناصر متورطة في عمليات القتل والتفجيرات. فيكفي عودة خمسمئة إرهابي، بل حتى خمسين إرهابياً، لتحويل تونس الخضراء إلى حمراء. فهؤلاء عائدون من ساحة قتل وفتك، محمّلين بعقيدة قتالية تستبيح أرواح وأعراض وأموال الآخرين، ممن لا يتوافق مع عقيدتهم وأفكارهم واتجاهاتهم السياسية.
من هنا جاء رد فعل الشارع التونسي القوي على تصريحات الغنوشي، أحزاباً وقوى سياسية وشخصيات، حيث مثلت استفزازاً واستهانةً بأرواح التونسيين، فنزل الكثيرون إلى الشارع للتعبير عن رفضهم لهذا الطرح، الذي يفتح المجال لعودتهم إلى تونس وكأن شيئاً لم يكن. ومما قاله المعترضون بأن هؤلاء لم يعودوا عن طيب خاطر، وهم ليسوا تائبين لكي تُعرض عليهم برامج «مناصحة»، وإنّما عادوا من ساحات القتال وهم مكسورون، مهزومون، وبالتالي لا يُؤمَن جانبهم، فضلاً عمّا يحملونه من عقيدةٍ إقصائية، وأفكار تفكيرية، تم تجربتها في بلدان أخرى فلم تنتج إلا الدماء والدمار.
الجميع يشعر بوطأة الموضوع وضغطه على الوضع التونسي، حيث سيتم تسهيل عودة هؤلاء طريقهم للعودة، بحراً أو جواً، مع وجود شبكات التهريب الدولية، وحتى براً، مع وجود دولة فاشلة في الشرق (ليبيا)، ذات حدود مفتوحة مع تونس. ولذلك تساءل بعضهم: هل توجد أي دولة عربية أو أجنبية يمكن أن تقبل بهؤلاء العائدين الخطِرين؟
تونس تجد نفسها أمام استحقاق عاجل، وتدفع جزئياً ضريبة تسيّب حكومة النهضة الأولى، حين تساهلت أو أغمضت العين عن حركة نزوح آلاف الشباب لمناطق القتال في الخارج. ومن هنا اجتهد البعض بإيجاد مخرج، باقتراح أن يتم محاكمة الإرهابيين في الدول التي تورطوا في القتل والقتال وانتهاك الحرمات فيها. وهو اقتراح عقيم وغير عملي، لأنه محاولة رمي للكرة على الآخرين، هروباً من المشكلة التي بدأت تطرق بابك وتهز نوافذك بعنف. كما أن تلك الدول، لن ترغب بمحاكمتهم على أراضيها، وإنما تحلم بطردهم وإعادة تصديرهم إلى بلدانهم الأصلية المصدّرة، وهي تقول: «هذه بضاعتكم ردت إليكم»!
إنه فصلٌ جديدٌ في «لعبة الأمم» الكبرى، المليئة بالأسرار والتقلبات، والفضائح وصراع الإرادات، والشبكات والمؤامرات... حيث سيبدي لك كل يوم جديد ما كنت جاهلاً، ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 5227 - الأربعاء 28 ديسمبر 2016م الموافق 28 ربيع الاول 1438هـ
العالم دام خاضع للشيطان الاكبر فلا ترتجي خير فيها
والنزاع القائم والنار المشتعلة هي في الاساس شرارة (( مصالح)) وان كانت ع حساب الانفس ..
تونس هي البداية
وعلى الآخرين الانتظار
هذه هي بداية الرجوع العظيم
سيشربون من الكأس الذي شرّبوه للعراقيين والسوريين.
خبز خبروه يأكلونه