بعد نحو ساعة من جلوسه وانهماكه في العمل، دخل ظرّوف حاملاً إبريق الشاي مع الكاسات، وضع السكّر في قعرها، عندئذ قال قيس: لا تنس ظرّوف، ملعقة سكّر واحدة. قال: على عيني أستاذ قيس. قفز لسان حاجم معلقاً: الأستاذ يخاف على نفسه من السكّري، أنا ضع لي خمس ملاعق سكّر يا ظرّوف بيك.
نظر إليه قيس، ثم بعد قليل أجاب لسانه: صحة وعافية، يجعل الله أيامك كلها حلوة مثل شايك.
كعادته يعلّق حاجم على قيس الذي يكظم غيظه، ويرد عليه بكلمة طيبة، لكن حاجماً يعود في اليوم التالي ليلتقط أي حديث يقوله قيس حتى يعلّق عليه أحياناً أمام بعض المراجعين، أو بعض الذين يزورون قيس من أصدقائه أو أقربائه.
منذ نحو ستة شهور يبدو أن قيساً تشاجر مع زوجته وأتى إلى الدوام محتقناً، عندئذ نهض حاجم من كرسيه، وتقدم نحوه قائلاً بشيء من السخرية: خير يا طير.
نظر إليه قيس باحتقان ولم يرد.
غدا بزم يصغي إلى الكلمات ويتخيل عراك لسانيهما مثل ديكين. وزّع قيس نظراته على جميع الزملاء في المكتب وقال: نسينا بأنك تحتاج إلى استدعاء وطابع حتى تحكي.
في تلك اللحظة خرج قيس عن طوره وأمسك بقميص حاجم من الأمام هازاً إياه عدة هزات بشدة وهو يقول: اسكت يا حيوان قبل أن أقطع لسانك.
اصفر وجه حاجم وهو يسحب قميصه بصعوبة من يدَي قيس، وجلس على مكتبه.
بعد ذلك تقدم بزم من قيس ودعاه إلى الخروج حتى يهدأ قليلاً.
خرجا إلى البوفيه، وبعد جلوسهما، قال قيس: هذا الرجل لا يعيبه شيء غير لسانه الطويل، لوكان لسانه في فمي لما ترددتُ في قطعه لحظة واحدة.
مع رشف الشاي بدأ قيس يتحدث لزميله وصديقه الوحيد في الدائرة كلها: أختك أم تمارة اعتدت عليَّ بلسانها يا أبا بهاء.
كتب له على ورقة مجيباً: الأصوات المرتفعة من طبيعة النساء يا صديقي، لا عليك.
قال: طلبتْ أن نعزم أختها وعديلي، لكنني رأيت أن نؤجل ذلك إلى الشهر القادم بسبب ضيق اليد، ثم صمت وبعد قليل أردف: أتدري ماذا قالت؟
- قالت الذي لا يكون بقدر مسئولية الزواج عليه ألا يتزوج.
ضحك قليلاً ثم كتب له على ذات الورقة مجيباً: يقولون على سبيل الدعابة إن لسان المرأة هو آخر عضو يموت فيها. يا رجل، المرأة مسكينة، تقول كلمة، وبعد لحظة تقول عكسها، خذ الأمر ببساطة، حتى الشتائم بين الزوج والزوجة يمكن أن تحتمل شيئاً من الغزل المبطّن.