العدد 522 - الإثنين 09 فبراير 2004م الموافق 17 ذي الحجة 1424هـ

ليس دفاعا عن صدام... ولكن

عبدالله حبيب الفرج comments [at] alwasatnews.com

هل يمكن أن نكون كلنا صداميين؟ نعم، ولكن كيف؟ يقول القول المأثور: «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر»، فمن منا بلا خطيئة؟

كان صدام يكتاتورا بامتياز. كان متبجحا بسلطته ونفوذه وأعماله الشريرة، ضاربا بآراء مناوئيه عرض الحائط، لم يقم لهم وزنا ولا قيمة. ولا عجب، فهذا هو ديدن الطغاة من أمثاله. كان لا يرى غير نفسه وأمهات معاركه وطواحين هوائه، وبقي صامدا، عصيا في مواجهة الأهوال التي صنعها لنفسه لمدة ثلاثة عقود من الزمن. ولكن لمجرد سقوطه من على (جمل) سلطته كثرت سكاكيننا في لحمه، وهذا ليس دفاعا عنه، ولكن مابالنا نحن ننعى عليه أعماله ونأتي بما يشابهها، والسؤال هو: هل يحق لكثير منا - نحن الخطائين - أن نغرز سيوفنا ورماحنا الحادة وألسنتنا السليطة في جسد إستبداد وطغيان صدام ونغض النظر في الوقت ذاته عن تصرفاتنا وأعمالنا الشبيهة بأعماله وتصرفاته؟ أليس الأجدر بنا أن ننعى على أنفسنا أولا ونبدأ بإصلاح ذواتنا وبيوتنا ومجتمعاتنا ومن ثم نتفرغ لإصلاح الآخرين؟

ماذا يختلف صدام عن المدير الذي يقلب ويحوّل حياة مرؤوسيه إلى شقاء مقيم وعذاب دائم بلا سبب؟ أليس هذا المدير مستبدا وطاغية؟ أليس هو صداما عينه؟ والمدرس ضيّق الصدر وقليل الصبر على تلاميذه وطلابه هو أيضا مستبد وطاغية. والأب الفض ذو الأخلاق الصحراوية الخشنة هو مستبد وطاغية. والتاجر المطفف المحتكر الذي لايخاف في الشيطان لومة لائم هو مستبد وطاغية. وعالم الدين المتحذلق اللاعب بالكلمات على أعواد المنابر وهو لايعي مايقول، يكفّر هذا ويفسّق ذاك لمجرد الإختلاف في الرأي هو مستبد وطاغية. ورئيس القبيلة غير العادل الذي يفرق بين أبناء قبيلته لمجرد أن أحدهم أبيض والآخر أسود هو مستبد وطاغية. والزوج القامع لزوجته لأتفه الأسباب هو مستبد وطاغية، وكذلك الزوجة إن كانت ذلك فهي طاغية. إلى آخر القائمة السوداء من الصداميين المستبدين الطغاة على إختلاف أحجامهم ومستوياتهم وألوانهم.

والفجيعة الكبرى، أننا مستبدون صدَّاميون حتى النخاع كما هو واضح، ولكننا لا نعرف ولانريد أن نعرف، وهذا لعمرك منتهى الجهل. إستبداد وطغيان صدام يعرفه القاصي والداني، وحسابه عند ربه. أما نحن فنمارس استبدادنا مغلفا بمساحيق التجميل والتزويق تحت ذرائع شتى، ليبدو وكأنه قمة الحق والعدل والإنسانية، فما أحرانا أن نعلنها بكلمة واحدة وبفم ملآن: كلنا صدَّاميون

العدد 522 - الإثنين 09 فبراير 2004م الموافق 17 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً