تجلس آنكا أو اليزابيث أو دانييل، أو أي ذات اسم أجنبي آخر. ليس مهماً الاسم، المهم أن من تحمله تكون امرأة جميلة، لها مقاييس عارضات الأزياء، ترتدي بذلة توحي بالرسمية مع مبالغة واضحة في قصر التنورة وفتحة الرقبة بحيث تكشف أية انحناءة بسيطة إلى الأمام ما كان يستره القميص في وضع الجلوس الطبيعي. وإلى جانبها يجلس العضو الثاني في الفريق المكوّن غالباً من شخصين ويكون رجلاً، أيضاً أنيق، ويحمل أيضاً، مواصفات عارضي الأزياء في هيئته وهندامه.
يجلس الاثنان أمام المسئولين في المؤسسات العامة والخاصة ويروّجان لإعلانات تحريرية في مطبوعات لم يُسمع بها من قبل، ويحرصان أن يكون هناك رابط بشكل أو بآخر بإحدى الصحف أو المؤسسات الإعلامية العالمية المعروفة. يتحدثان وبحماس شديد ومقنع عن أهمية الإعلان في مطبوعتهما وحجم التوزيع الذي يكاد يغطي الكرة الأرضية ومئات المؤسسات والحكومات المشاركة فيها، وهما يأملان، بمظهرهما ولغتهما التي هي لاتزال نقطة ضعف لدى الكثيرين، أن يصلا بالاقتراب من المسئولين لما يشبه تأثير ضغط الحية على ضحيتها قبل أن تفقدها الوعي، لتفعل بها ما تشاء بعد ذلك.
أحد المسئولين، اعتبر ما يفعله هؤلاء، بالإضافة إلى كونه استغفالاً للمؤسسات التي تعرض عليها تلك الخدمات الإعلامية، فإنه أيضاً يعبّر عن استخفاف بالمسئولين وإلغاء عقولهم واعتبارهم طعماً مناسباً ليتم تسويق خدماتهم أولياً عليهم بمفاتن امرأة تستخدم لهذا الغرض.
يحرص هؤلاء قبل الزيارات الأفقية التي يقومون بها للمؤسسات في قطاعات المال والأعمال والاقتصاد، أن «يربطوا» كلمة دعم من أحد الأسماء الموثوقة، أو تلك التي لها جمهورها في الثقة والإعجاب، ولها مكانتها في حسابات المؤسسات، فلا يتأخرون كثيراً، بعد انتهاء فقرة التعارف الأوليّ، في ذكر الاسم ومباركته لمشاريع المقابلات والمقالات التي هم بصدد إعدادها والمشاركة فيها، بحيث يتم فتح باب الثقة (والضغط) الأوليّ ومن ثم تبدأ المفاوضات على الأسعار التي غالباً ما تكون كبيرة ومبالغاً فيها، مقارنةً بحجم المردود الذي سيحققه إنفاقها.
نجحت مؤسسات أجنبية، وعلى مدى سنوات، اعتماداً على هذا الأسلوب واستخدام أسماء عريقة ذات وقع على الأذن لدى سماعها، في تحصيل أموال طائلة من مؤسسات كبرى حكومية وأهلية، بل نجحت في جعل مؤسسات رسمية تتكل عليها في إعداد تقاريرها الترويجية السنوية التي تعتمد الأسلوب الإنشائي أكثر منه المدعّم بالحقائق في إعدادها، والتي يعرف كل الأطراف، سواءً معد التقرير، أو من يُعد التقرير لحسابه، أو الجهة المستهدفة من العالم الخارجي؛ أن ما بين يديهم هو تقرير ترويجي أكثر منه تقريراً معتمداً يصلح لاتخاذ قرار مهم، كالإستثمار مثلاً في هذه الدول التي يقوم بتغطيتها التقرير.
وبشكل مشابه، تتلقى المؤسسات، وبشكل مستمر، اتصالات ومراسلات مذيلة بأسماء أجنبية، تطلب رعاية لفعاليات ولمطبوعات ذات علاقة بمناسبات وطنية أو بشخصيات، وتصيغ خطاباتها بشكل يوحي بأن من تُطلب الرعاية باسمه شخصياً قد كتب هذا الخطاب. هذه الجهات لا تملّ ولا تكلّ من الإلحاح المستمر في متابعة طلبها. وما إن تصدر المطبوعة حتى يتبيّن أنها ليست سوى نتاج عملية «قص» و»لصق» ينتقص من المناسبة التي أعد من أجلها أكثر من إضافته لها.
وفي الحالتين، ما أن تصدر المطبوعات حتى يتضح أن تلك الأموال التي أنفقت عليها قد ذهب جزء يسير منها للمواد الهزيلة التي حشيت بها الإعلانات التي غالباً لن يطلّع عليها أحد، بينما استفادت من الجزء الأكبر، الجهات والمؤسسات «الأجنبية» التي تبنّت وسوّقت لهذه المشاركات التي تقتطع جزءاً ليس له مردود حقيقي ومجدي، من موازنات العلاقات العامة في المؤسسات.
الغريب في ذلك، أنه عند الحديث عن هذا الأمر يتضح أن الجميع يتفق على الوعي بالاستغفال الذي ينخدع له، وبرضا، المسئولون، بمن فيهم من يتعرضون لذلك. وكأن الأمر مفروض وواجب ألا يُردّ هؤلاء المراهنون على عدم زوال عقدة الأجنبي من الكثيرين، وألا ترفض مقترحاتهم الترويجية. الأمر الذي برع فيه هؤلاء وعوّلوا عليه ونجحوا فيما يشبه «الاحتيال» أو «الشحاتة».
قد يجاز التغاضي عن هذا الإنفاق غير ذي المعنى والمردود خلال فترات الرخاء، وقد تتساهل المؤسسات في التبرير لهذا الإنفاق، ويوضع ببساطة تحت بنود الأنشطة التي تسهم في الترويج بها لنفسها. لكن، وخصوصاً للمؤسسات القائمة بالمال العام ومن أجل توليده، فإن هذا الإنفاق سيكون هدراً في غير محله، ومجاملة لا جدوى من ورائها في الوقت الصعب الذي نمر به وسيتواصل في المستقبل المنظور على الأقل. وربما على المسئولين في بحثهم عن سبل الشجاعة للرفض أن يعكسوا الموقف فقط.
لن يكون صعباً أن يقولوا «لا»، حفاظاً على استثمار السنين في الثقة والمكانة والندية للآخرين في العالم المتقدم والتخلص من عقدة الدونية أمام الأجنبي.
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 5219 - الثلثاء 20 ديسمبر 2016م الموافق 20 ربيع الاول 1438هـ
صحيح للأسف ، لقد أفقدونا الثقة بأنفسنا حتى اننا لا نثق بقدرتنا ، ان الاستعمار ليس استعمار مادي و لكن الاخطر الاستعمار الفكري و الذي أصبح سمة في البلدان العربية نستعطفهم ليكونوا مستعميرنا ، لقد استغل هؤلاء ذلك لأننا أعطيناهم الفرصة .
آه يا عزيزتي إنه المرض المستشري في عروق وأوصال الكثير النافذة لقلوبهم التي تتراقص فرحا لواجهه أجنبية مقتنعين إنها ترجمة حقيقية لنجاح يستحق التباهي حسب قناعاتهم الراسخة نعم إنها العقدة التي بدأت بحجم معقول وتم تطعيم العقول بها مع تعاقب الأجيال..إنها العقدة التي تدحرجت بسلاسة وازدادت تشابكا و حجما في عالم بات فيه التقدير لمثل هؤلاء الشحاتون اللذين لا أرى إنهم يبتعدون كثيرا عن دائرة النصب مرفوعون بالتشجيع مجرورون بسذاجة رازحه لا تعرف الرفض..
ما ذكرتيه كاتبتنا القديرة لاينفصل عما يشبه تفكير جمعي متأصل لدى المسؤلين سواء في الدوائر الرسمية او المؤسسات الخاصة بل حتى لدى جمهور الناس العاديين. ضعفاء أمام الأجنبي الأحمر خصوصاً اذا جلب معه للأجتماع جميلات بالمواصفات التي ذكرتي لزوم الديكور حتى وان تبين ضحالة علمهم ومعرفتهم. اذهبي للبنوك ستجدينهم في كل الأقسام والمناصب عليا ودنيا وحتى سكرتيترات ومن يوظفونهم يعرفون أنهم مجرد ديكور وبدون أي اضافة حقيقية للعمل. يتناسون أن عائلة بحرينية كانت احق بهذه الوظيفة.
قبل مده شركه وهميه بعد اغراءات تها اخذوا مني مبلغ وعندما اتتصلت لهم لم يرد احد بعد وعودهم باخذ الارباح مغريه