حضّر المغرب جيداً لاستضافة مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في نوفمبر/ تشرين الثاني في مراكش، وحرص على إبراز مؤهلاته الخضراء لريادة العمل البيئي والمناخي في إفريقيا.
خلال السنة الماضية، حظر المغرب استعمال الأكياس البلاستيكية، وأطلق خططاً جديدة لتوسيع شبكتي الترام الكهربائي في الدار البيضاء والرباط، وباشر عملية استبدال أسطول الحافلات وسيارات الأجرة القديم الملوِّث، وبدأ أول مشروع في إفريقيا لتأجير الدراجات في المدن، وأطلق مبادرة جديدة هي «تكيف الزراعة الأفريقية» لمساعدة مزارعي القارة في التكيف مع تأثيرات تغير المناخ.
لكن الاهتمام الأكبر انصبّ على مشاريع البنية التحتية الضخمة لخطة طموحة تحوِّل مزيج الطاقة في البلاد. فالمغرب لا يمتلك احتياطات من النفط أو الغاز، ويعتمد بشكل كامل تقريباً على الواردات. وفي العام 2015، أعلن الملك محمد السادس خطة تلزم بلاده بزيادة حصة الكهرباء المتجددة إلى 52 في المئة من مزيجها الطاقوي بحلول سنة 2030، بحيث تبلغ قدرتها المركّبة 10 جيغاواط من طاقة الشمس والرياح والسدود الكهرمائية. كما فتح المغرب الباب لتبادل الكهرباء المنتجة من مصادر متجددة مع أوروبا.
أما خطة «المساهمات المعتزمة المحددة وطنياً» التي قدمها المغرب إلى اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ فلا تقل طموحاً. وهي تلزم البلاد بتخفيض انبعاثاتها من غازات الدفيئة، وخصوصاً في الزراعة، بنسبة 32 في المئة بحلول سنة 2030، وبزرع 200 ألف هكتار من الغابات، وبزيادة كبيرة في كفاءة الري. وفي العام 2015 رفع المغرب الدعم كلياً عن المنتجات البترولية.
وشكلت محطة «نور 1» بقدرة 160 ميغاواط المرحلة الأولى من مجمع «نور» العملاق للطاقة الشمسية قرب بلدة ورزازات الصحراوية في جنوب المغرب، وقد افتتحها الملك محمد السادس في فبراير/ شباط. ومحطة «نور 2» هي قيد الإنشاء. ومع «نور 3» ستضاف 350 ميغاواط شمسية إلى الشبكة الوطنية، ويُتوقع إنجاز المحطات الثلاث في 2017 و2018. أما محطة «نور 4» فستقام في أعالي جبال أطلس. وقد أعلنت الوكالة المغربية للطاقة الشمسية (مازن) خلال مؤتمر تغير المناخ في مراكش أنها سوف تستقبل عطاءات لمحطتين شمسيتين بقدرة 400 ميغاواط.
وقد ساعد إطلاق مشروع نور في تخفيض سعر الكهرباء المنتجة بالطاقة الشمسية المركزة إلى نحو 16 سنتاً لكل كيلوواط ساعة، لكن هذا السعر مازال عالياً مقارنة بسعر الطاقة الشمسية الكهرضوئية الذي انخفض خلال السنتين الأخيرتين إلى 3 سنتات لكل كيلوواط ساعة.
إلى ذلك، فاز كونسورتيوم بمناقصة في مارس/ آذار 2016 لبناء ثلاث مزارع رياح جديدة في مواقع مختلفة من المغرب، ستبلغ قدرتها المشتركة 850 ميغاواط، بكلفة هي من الأدنى في العالم إذ بلغت 3 سنتات فقط لكل كيلوواط ساعة.
مكسب ثلاثي
يدرك المغرب أنه سيتأثر بتغير المناخ، والسؤال هو إلى أي مدى. وقد بدأ بالفعل يشعر بآثار ذلك التغير، إذ انخفض معدل نموه الاقتصادي إلى 1.5 في المئة هذه السنة بسبب موجة جفاف حادة العام 2015. وإذا كان الاقتصاد المغربي قد ترنح تحت وطأة شح المطر لموسم واحد مما تسبب في رداءة المحصول، فكم سيكون حجم الخسائر التي سيتكبدها عندما تحل النوبات المناخية الجامحة مع ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض؟
تقول المديرة الإقليمية لدائرة المغرب العربي لدى مجموعة البنك الدولي، ماري فرنسواز ماري نيلي: «لقد أطلق المغرب مخطط المغرب الأخضر لمواجهة الخطر الذي يمثله تغير المناخ. إنه مكسب ثلاثي، يتضمن تأهيل البلاد للتكيف مع حقيقة تغير المناخ، واتخاذ خطوات نحو تقليص آثاره على الناس والبيئة، تزامناً مع خلق الفرص كمساعدة المزارعين على تبني التقنيات الذكية مناخياً وزيادة إنتاجيتهم وتوفير روابط أفضل مع الأسواق لبضائعهم».
ويُعد الحفاظ على المياه المخزنة في المكامن الجوفية الطبيعية خير مثال على ذلك. فثمة سياسات جديدة تحمي هذا المورد الطبيعي الثمين، مع التأكد من وجود مياه كافية لتلبية احتياجات الزراعة التي تعد مصدراً مهماً للتشغيل. ووفقاً لمدير برنامج التنمية المستدامة في البنك الدولي أندريا ليفيراني، أدرك المغاربة منذ مدة طويلة أهمية تنظيم كميات المياه الجوفية التي يضخها الناس من تحت الأرض.
في الوقت نفسه، تم تحسين شبكة الري لجعل استخدام المياه أكثر كفاءة، مع إدخال تقنيات حديثة مثل الري بالتنقيط، وإتاحة حصول المزارعين على المياه بشكل مضمون أكثر من ذي قبل. كما يتضمن مخطط المغرب الأخضر إجراءات استباقية لتشجيع المزارعين على زراعة المحاصيل الشجرية بدلاً من الحبوب. وتساعد جذور الأشجار على حماية التربة بالحفاظ على تماسكها. كما تشجع الاستراتيجية «البذر المباشر»، وهي طريقة موائمة بيئياً حيث يتم زرع البذور في الأرض مباشرة من دون حرثها تفادياً لخسارة العناصر المغذية في التربة السطحية.
واعتبر ليفيراني أن سياسات خضراء كهذه يمكن أن تعني نشاطاً تجارياً رابحاً يجذب القطاع الخاص.
هنا خمسة تدابير يقوم بها المغرب لحصد الفوائد الثلاثية للتكيف مع تغير المناخ والتقليص من آثاره وخلق فرص جديدة:
أولاً، يسعى المغرب إلى توليد 52 في المئة من احتياجاته من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول سنة 2030. وهو يحفز الصناعة المحلية إذ يستهدف الحصول على 35 في المئة من مكونات المرحلة الثانية لمحطة نور للطاقة الشمسية من مصنعين محليين.
ثانياً، ألغى المغرب كل أشكال الدعم للديزل والبنزين وزيت الوقود الثقيل، لتشجيع الاستخدام الكفوء للطاقة وتحرير مزيد من الموارد للاستثمار في الانتقال إلى اقتصاد أخضر.
ثالثاً، يهدف مخطط المغرب الأخضر إلى حماية البيئة وسبل كسب الرزق للمغاربة. وتشكل الزراعة 15 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب، إلا أنها مازالت تشغل 40 في المئة من القوى العاملة.
رابعاً، بدأ المغرب في التعامل مع المحيط الأطلسي والبحر المتوسط كمورد طبيعي لا يقل أهمية عن البر، مع تحسين إدارة المناطق الساحلية وتطوير المزارع السمكية المستدامة. ويشكل صيد الأسماك 56 في المئة من الصادرات الزراعية للبلاد.
خامساً، يبذل المغرب جهوداً للحفاظ على مستودعاته من المياه الجوفية، وهي مصدر طبيعي للمياه العذبة، إذا ما تم الحفاظ على نظافتها وعدم العبث بها. وهذا مكسب للبيئة ولأجيال الحاضر والمستقبل في المغرب.