كما أنَّ للكتّاب طقوسهم في الكتابة، لهم طقوس أيضاً في القراءة. القرّاء الذين ثبّتوا علاقة وثيقة بالكتب لهم طقوسهم كذلك. بعض الكتَّاب ليليون في قراءاتهم، بعض آخر لا يأنس للكتاب إلا ليلاً. ربما الذين رتّبوا أوقاتهم من القرّاء أكثر ارتباطاً بالليل في قراءاتهم. فهل للوقت أثر وكيمياء تترك أثرها فيما نستقبل مما تحويه الكتب؟
مثل تلك الطقوس هي ليست كذلك واقعاً. يرجع الأمر إلى مدى تهيؤ أي منها، علاوة على ما اعتاد أحدنا قراءته من موضوعات. على رغم أن ما يشدّ من قيمة، وخصوصا ما يصدر عن أسماء معروفة لا يخضع لأوقات بعينها، إلا أن قراءة عمل روائي نهاراً لا تنسجم مع طبيعته، ضجيجاً وحركة واحتمال تخريب ذلك الترابط والانسجام مع وقائع وأحداث، ما يدفع كثيرين إلى اتخاذ الليل وقتاً لتجنّب مثل ذلك التخريب والإرباك. الشعر على وجه التحديد لا وقت يناسبه قراءة أمام جمهور أو أمام عزلة إلا ليلاً. فيما يتعلق بالكتابة لا وقت كالليل يليق به، على رغم أن مجيئه لا يرتبط بوقت بعينه.
هل يخضع كل ذلك لما اعتاده أي شخص منا؟ هل يمكنه الخروج على تلك الوصفة التي قد تكون معنية بشريحة دون أخرى، ولا يمكن تعميمها، حتى بالنسبة إلى القرّاء؛ كي لا ينصبّ اهتمامنا على الكتّاب من روائيين وشعراء ونقاد ومفكرين ومترجمين وغيرهم؟
لكن عدم التعميم لا ينفي أن الليل ملاذ موثوق وخصوصاً لأولئك الذين يذهبون إلى الكتابة مشحونين بعوالم أمسكوا بأطرافها، وقراء كأنهم قبضوا على كنوز لا يريدون أن تفلت منهم، ويجدون في الليل حارساً لطمأنينتهم على اكتشاف ما تخبّئه تلك الكنوز.
ثمة من بين الذين يقرؤون ليلاً، التماساً لنوم جفاهم. يقرؤون في توجُّه نفعي. القراءة جسر يوصلهم إلى النوم. مثل أولئك على رغم استغلالهم لتلك القيمة إلا أنها في واقع قرائي بائس وفاضح استناداً إلى إحصاءات مفزعة في معدل القراءة تظل أهون الشرين. فثمة كتب يمكن لها أن تؤنبهم في اتجاهين: إما أن ينفروا من السيئ منها فيخلدوا إلى النوم من دون عقاقير، وإما أن تدخلهم كتب وضعت بإتقان وجمال في يقظة تمتد حتى مطلع الشمس! تلك النوعية في الحالين تزيل نقطة في بحر من خزي واقع القراءة عربيا؛ سواء كانت قراءة ليلية أو نهارية.
الكتاب أنفسهم يتوزعون في كثير من الأحيان بين اهتماماتهم ومجالاتهم التي يخوضون فيها، وقليل منهم من يتجاوز ذلك إلى ما يعمل على توسيع معارفه وتعميق أدواته. كل بحسب قدرته على تجاوز ما أنجز قراءة وكتابة. لكن يظل الليل أكثر وفاء في حراسة المكان. حارس هو لما نقرأ، ولما نكتب في كثير من الأحيان.
في نهاية الأمر، تبقى مسألة الوقت قراءة أو كتابة تخضع للمزاج والإقبال، يضاف إلى ذلك: ما الذي يمكنه أن يفتح شهيتنا من قراءات؟ ما الذي يجعل الكتابة قد استوت أو هي في طريقها إلى ذلك؟ لحظتها لن تكون للوقت قدرة على تسييرنا. شهيتنا للقراءة واستواء الكتابة هي الوقت الثالث من دون منازع، ليلا كان أم نهارا.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 5210 - الأحد 11 ديسمبر 2016م الموافق 11 ربيع الاول 1438هـ
زائر رقم 2 عزيزي القراءة لها وضعيتها الخاصة عليك ات تعلم ذلك حتى لايكون وقتك هدرا
لدي بجانب سريري عدة كتب مثل الجريمة والعقاب، نقد العلمانية، دروس في اصول الفقه للشهيد الصدر، لكن ما ان اجلس على السرير حتى اشعر بالنعاس .. ولذلك افضل البحث في غوغل عن المواضيع التي اريد القراءة عنها على قراءة كتاب ورقي
فعلا ""كنت سابقاً احرص ع القراءة ليلاً ""اما الآن نادراً مااقرا ""مقال جميل
سوسن
كلامك جميل ومفيد جدا جدا شكرا استاذه سوسن .